لاشكّ أن الأسرة المسلمة اليوم تتعرض لهجمات على مدار الساعة؛ للنيل من استقرارها وسعادتها، فضلاً عن السعي لطمس هويتها، وانجرافها في براثن التحرر والمعاصي، والانفتاح المذموم تحت ستار التقدم التقني والعلاقات المفتوحة، وتتماشى هذه الحملات بالتوازي مع حملات خلع الحجاب، وإبراز مفاتن النساء، واعتبار ذلك من الحرية الشخصية للمرأة، دون النظر لأوامر الله ورسوله!
ولما كانت العلاقة الأسرية هي في الأصل حب وتقدير، ثم تربية وتوجيه وإنفاق لابدّ منه، فالزوجان هما رمانة ميزان استقرار الحياة وسعادتها، وخلق واقع جميل تحت مظلة الوصال مع الله عز وجل، كمثبت للقلوب، وناشر للسعادة والألفة بين الزوجين والناس جميعاً، كما قال تعالى في كتابه: {وألف بين قلوبهم لو أنفقت مافى الأرض ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} [الأنفال، الآية:63]، وهذه الآية كافية لفهم لماذا كل هذه المشكلات وحالات الطلاق، والخلع والشقاق التي تحدث بين الأزواج.
ونحن اليوم نتحدث كيف نقوّم هذه العلاقة ونمتنها وفق مراد الله عزوجل، وسعياً للمحافظة على البيوت المسلمة من التشرذم والتفكك والمستقبل المجهول، ومن السبل التي تؤدي إلى استقرار البيوت المسلمة:
1) تقوى الله:
لقد تعمدت أن تكون أول وسيلة لسعادة واستقرار البيوت المسلمة هي التقوى من قبل الزوجين، فبالتقوى كل شيء يقوى، فهى تقوي العلاقة بين الرجل وزوجته، وكذلك بين الأم والأبناء، وتسير الحياة في سلاسة عجيبة، فلا بكاء أو ضيق، أو تمني الموت من قبل الزوج لضيق الحياة، كذلك فلا نكد ولا سوء تدبير من قبل الزوجة، بل يتولى الأمر برمته الله عز وجل، فتنشرح الصدور، ويحيا الزوجان حياة مطمئنة ما دامت التقوى هي شعار العلاقة والتواصل والتربية، أما إن تغيّرت البوصلة، يكون الجفاء هو الواقع، وعندها قد يطول العلاج.
2) وشاورهم في الأمر:
إن الخطاب الرباني: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران، الآية:159]، كان موجهاً لخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا تعميق وتعظيم للشورى واستطلاع الآراء كذلك، فإن الشورى بين الزوجين من عوامل الاستقرار، فلا يمضي أمر متعلق بالبيت سواء تربية أو إنفاق إلا ويتشاورون، وهذا من عوامل الثقة أيضاً، بل من معيار الفهم الناصح للزوج الذي يقدّر زوجته، ويحترم رأيها، ولنا في النبي عليه الصلاة والسلام الزوج الأسوة فكم كان يشاور زوجاته، وكثيراً ما نزل على رأيهن، كما حدث في موقف "أم سلمة رضي الله عنها" لما أشارت عليه بأن يخرج فيقصر وينحر، وسيفعل الصحابة مثله، وكان ذلك بعد الحديبية، وعودة المسلمين إلى المدينة.
3) الزوج هو القبطان:
إن الزواج سفينة تبحر فى بحر الحياة، الزوج فيها القبطان، والزوجة شراعه، والأولاد داعمين لهما، ملبين ومنفذين أوامرهما بكل حب وصدق، لذلك على الزوجة أن تعي هذا الدور تجاه زوجها، ولا تنتقص منه أو تتجاوزه، خصوصاً أمام أهل الطرفين.
كذلك على الزوج أن يقدر حجم المهمة الملقاة عليه، فهو إما ينجو بالسفينة أمام هذه الأمواج العاتية -مشاكل مادية، حرب إعلامية، عادات وتقاليد- أو ينساق وراءها بجهل أو بتجاهل، فيحدث خرقاً في السفينة، وتكون العاقبة شديدة الألم، والخسران كبيراً، وعليه فإن البراعة في إدارة البيت المسلم ليست بالصوت العالي والأوامر أو الإنفاق، لكن بالحب والإحاطة العاطفية الشمولية للزوجة والأبناء على حد سواء، وإعلاء لقيم المودة والسكن وحسن العشرة.
4) وليعذر بعضنا بعض:
إن الحياة الدنيا "دنيا" النزاع فيها وحدوث عقبات في الحياة، ومشكلات، وأحياناً غياب التعقل بين الطرفين في لحظات يرقص فيها الشيطان طرباً؛ بسبب الخلافات، وعلو الصوت، وغياب العقل، والصدق في النصح، لذلك فتقبل العذر بين الزوجين أمر محمود، ولا بد منه؛ لأن حدوث المشكلات أمر حتمي لا مناص منه، لكن العبرة بروعة وخبرة الزوجين في تجاوز تلك العقبات، وتقبل العذر لبعضنا البعض في جو من العتاب الصافي المريح، لكن ليس في نفس لحظة الغضب والضيق.
وفي كل الأحوال، الزوجان مأموران بالانصياع والإنصات لبعضهما البعض في جو من المحبة والتقدير، والنظرة العظيمة لدور كل منهما في حياة الآخر.
ختاماً، أخي الزوج، أختي الزوجة:
هذه بعض وسائل تقويم البيت وتمتينه، وسعياً في حياة أسرية بلا مشاكل أو خلافات، ويقيناً، الأمر أكبر من هذه الوسائل، لكن نحن نلتمس السهل اليسير للزوجين، بعيداً عن تعقيدات الكتابة، والإفراط في النصح والتنظير للحياة الزوجية.