المتكبر.. ذاك المتردد في الانقياد للنص

الرئيسية » خواطر تربوية » المتكبر.. ذاك المتردد في الانقياد للنص
Religious muslim man praying inside the mosque

الكِبْر مرض مدمر، إذا انتشر في ساحة العمل الإسلامي أفسدها، ونخر في جدار الدعوة كما ينخر النمل العظم، وخاصة إذا أهملت الدعوات الإسلامية علاجه، حتى تعدى الحالة الفردية ليعم الجماعة ويأتي على أغلب أفرادها.

ومن مظاهر الكبر التي قد تعتري الجماعات؛ التردد في الانقياد للنصوص الشرعية التي تتناقض مع متبنياتها، إذ إن الكبر يمنعها من التخلي عن أفكارها التي جعلتها منهاجاً للفرقة الناجية، أو سلوكاتها وتقاليدها التي أظهرتها للناس على أنها السبيل السوي والصراط المستقيم!

وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ من هذا الصنف؛ أمره رسول الله أن يأكل الطعام بيمينه، فمنعه الكِبْر من ذلك؛ فأوقف الله يده عن الحركة.

ولا شكّ أن التكبُّر على العباد يؤدي إلى التكبُّر على ربِّ العباد ؛ قال الإمام الغزالي رحمه الله في "الإحياء" (3/347): "تكبّره على الخلق عظيم؛ لأنه سيدعوه إلى التكبُّر على أمر الله، وإنما ضُرب إبليس مثلاً لهذا، وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به، فإنه قال: (أنا خير منه)، وهذا الكبر بالنَّسَب؛ لأنه قال: (أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، فحَمَله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به، وكان مبدؤه الكبر على آدم، والحسد له، فجرَّه ذلك إلى التكبُّر على أمر الله تعالى، فكان ذلك سبب هلاكه أبد الآباد، فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة".

وكثير من الدعاة يرفعون شعار إبليس (أنا خيرٌ منه) من حيث لا يشعرون، فإذا جاءتهم نصوص الكتاب والسنة على لسان أحد من الخلق؛ لم ينتبهوا إلى أن الله هو الذي يخاطبهم، فيقولون: نحن خير من هذا الذي يتشدق بالموعظة، فلا يزال كِبرهم يقيمهم على ما هم عليه مما يخالف النصوص الشرعية حتى وإن كان ظاهر البطلان؛ وهذا من خذلان الله تعالى لهم.

كثير من الدعاة يرفعون شعار إبليس (أنا خيرٌ منه) من حيث لا يشعرون، فإذا جاءتهم نصوص الكتاب والسنة على لسان أحد من الخلق؛ لم ينتبهوا إلى أن الله هو الذي يخاطبهم، فيقولون: نحن خير من هذا الذي يتشدق بالموعظة!

قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "المدارج" (2/333): "ومَن تكبّر عن الانقياد للحق - ولو جاءه على يد صغير، أو مَن يبغضه أو يعاديه - فإنما تكبّره على الله، فإن الله هو الحق، وكلامه حق، ودينه حق، والحق صفته، ومنه وله، فإذا ردّه العبد وتكبّر على قبوله؛ فإنما ردّ على الله وتكبّر عليه"؛ نسأل الله العافية.

وقد طال تعجُّب الإمام ابن الجوزي رحمه الله من هؤلاء المتكبِّرين؛ فقال في "صيد الخاطر" (ص345): "طال تعجُّبي من أقوام لهم أنَفة، وعندهم كِبرٌ زائد في الحد، خصوصاً العرب الذين من كلمة ينفرون، ويحاربون، ويرضون بالقلّ؛ حتى إن قوماً منهم أدركوا الإسلام؛ فقالوا: كيف نركع ونسجد فتعلونا أستاهنا؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود).

ومع هذه الأنفة يذلون لمن هم خيرٌ منهم.. هذا يعبد حجراً، وهذا يعبد خشبة، وقد كان قوم يعبدون الخيل والبقر، وإن هؤلاء لأخسُّ من إبليس، فإن إبليس أنف لادعائه الكمال أن يسجد لناقص، فقال: (أنا خير)، وفرعون أنف أن يعبد شيئاً أصلاً.

فالعجب من ذلِّ هؤلاء المفتخرين المتعاظمين المتكبِّرين لحجر أو خشبة! وإنما ينبغي أن يذلَّ الناقصُ للكاملين، وقد أشير إلى هذا في ذمِّ الأصنام في قوله تعالى: {ألهم أرجلٌ يمشون بها أم لهم أيدٍ يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها}، والمعنى: أنتم لكم هذه الآلات المدركة وهم ليس لهم، فكيف يعبد الكاملُ الناقصَ؟ غير أن هوى القوم في متابعة الأسلاف، واستجلاء ما اخترعوه بآرائهم، غطَّى على العقول، فلم تتأمّل حقائق الأمور" اهـ كلامه رحمه الله.

ولنا أن نشارك الإمام أبا الفرج عجبه هذا؛ فكيف يختار المتكبّر -الذي يرفض التسليم للوحي- أن يكون ذليلاً لحجر أو خشبة؟! إلا أن العجب يزول إذا علمنا أن الغرور قد أعمى قلوبهم فأورثهم ذلاً على ذلّ، وأنّ الكِبْر قد أنالهم عقوبة الله تعالى بسلب عقولهم.

قال محمد بن الحسين بن علي: "ما دخل قلب امرئ شيءٌ من الكِبر قط؛ إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك، قلَّ أو كثُر".

وقال وهب بن منبه: "ما تمّ عقل عبد حتى يكون فيه عشر خصال. فعدّ تسعة حتى بلغ العاشرة، فقال: العاشرة! وما العاشرة؟! بها شاد مجده، وبها علا ذكره: أن يرى الناس كلهم خيراً منه".

ثم تابع ابن الجوزي كلام قائلاً: "ثم غطّى الحسد على أقوام، فتركوا الحق وقد عرفوه؛ فأمية بن أبي الصلت يقرُّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقصده ليؤمن به، ثم يعود فيقول: لا أؤمن برسول ليس من ثقيف. وأبو جهل يقول: والله ما كذب محمد قط، ولكن إذا كانت السّدانة والحجابة في بني هاشم، ثم النبوة، فما بقي لنا؟! وأبو طالب يرى المعجزات ويقول: إني لأعلم أنك على الحق، ولولا أن تعيّرني نساء قريش؛ لأقررت بها عينك.
فنعوذ بالله من ظلمة حسد، وغيابة كِبْر، وحماقة هوى يغطّي على نور العقل، ونسأله إلهام الرشد، والعمل بمقتضى الحق !" اهـ.

ويقول ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" (ص353): "أركان الكفر أربعة: الكِبر... فالكبر يمنعه الانقياد... فإذا انهدم ركن الكبر؛ سهُل عليه الانقياد".
ويلخص ابن مسعود رضي الله عنه هذه الظاهرة في كلمات يسيرة يقول فيها: "كفى بالرجل إثماً إذا قيل له: اتق الله؛ قال: عليك نفسك !".

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وصحفي في جريدة "السبيل" الأردنية، باحث في شؤون الحركات الإسلامية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …