يعدّ سن الثلاثين من الأعمار الحرجة ليس في العالم العربي فحسب، ولكن على نطاق عالمي كذلك؛ حيث تنتهي أعوام الدراسة والجامعة ويبدأ مشوار الانطلاق في الحياة، بين البحث عن وظيفة أو تحقيق حلم، أو الزواج، أو السفر...إلخ.
والبعض ينجح في تخطي هذه المرحلة بسلام دون خسائر، وبأقل قدر من مشاعر الحيرة والقلق، ولكنّ عددًا كبيرًا كذلك يغرقون في بحر من القلق والتخبط والترقب، فلا يعرفون من أين يبدؤون ولا ماذا يفعلون؟! وقد ينطلقون بنجاح في البداية، ثم يتعثرون في منتصف الطريق ويتساءلون إن كانوا قد مضوا على الطريق الصحيح أم لا؟! ولا توجد خطة بيّنة محددة الملامح مئة بالمئة للسير عليها، ومعرفة الخطوات الصحيحة التي لا خطأ فيها مدى الحياة، ولكننا سنعرض هنا لبعض النصائح من خبرات شخصية وخبرات آخرين للمساعدة على تحديد الهدف، والمحافظة على روح إيجابية ما أمكن:
1- تحديد الوضع الحالي والخيارات المتاحة:
كثيرًا ما نغرق في بحر من القلق وعدم الرضا بما نقوم من عمل أو نملك من فرص، ولكن حين نبدأ بدراسة الواقع من الناحية المنطقية، يجد الإنسان أن البدائل المتاحة أمامه إما أقل جودة مما هو قائم أو معدومة بالكلية، وهذا ينطبق على فرص العمل، أو مجالات الدراسة، أو الأعمال الحرة، فالظروف والساعات المتاحة، والشروط التي يقبلها كل شخص، والمقابل المادي تسهم كذلك في تحديد الفرص المناسبة من عدمها، فيجب تحديد الأوليات من حيث الحاجة للمال، أو الوقت، أو تعزيز الجو الأسري، أو تنمية المهارات، حيث إنه من المستحيل بمكان أن يحقق الإنسان نجاحًا على كافة الأصعدة، وإنما سيلتزم الأمر بعضًا من التضحية، وتنظيم الوقت، وإعادة ترتيب الأولويات من حين لآخر.
من المستحيل بمكان أن يحقق الإنسان نجاحًا على كافة الأصعدة، وإنما سيلتزم الأمر بعضًا من التضحية، وتنظيم الوقت، وإعادة ترتيب الأولويات من حين لآخر
2- تجديد النية:
تجديد النية يكون بالتماس رضا الله وتوفيقه من خلال الدعاء من جهة، وإدراك الغاية التي نرجوها من القيام بالعمل من جهة أخرى ، فكما يقول الله تعالى: {فإنهم يألمون كما تألمون، وترجون من الله ما لا يرجون} [النساء: 104]. فاحتساب الأجر والنية حتى في الأعمال الصغيرة يسهم كثيرًا في رفع المعنويات والرغبة في استكمال العمل رغم التحديات، وربما حتى يقود للإبداع.احتساب الأجر والنية حتى في الأعمال الصغيرة يسهم كثيرًا في رفع المعنويات والرغبة في استكمال العمل رغم التحديات، وربما حتى يقود للإبداع
3- تخيل أنك تائه في طريق بالفعل:
من أكثر المشاعر التي تسبب المشاكل للبشر في كل زمان الشعور بالتيه والضياع، والشباب هم أكثر من يقعون ضحية هذا الشعور، وأثناء تلك المرحلة، يفكّر الشاب في القيام بقفزات كبيرة وخطوات جوهرية، ويتساءل عن صحة الطريق الذي سلكه، أو الخيار الذي اتخذه، ويميل آخر للتغيير على أي حال، أو الرجوع إلى الحال التي كان عليها، أو التوقف عن تطوير الذات، والاكتفاء بما هو عليه، إذا ما وصل لمرحلة اليأس، ويفوت هذا الشخص بأنه قد لا يكون الطريق الذي اختاره خاطئًا بالضرورة، وقد لا يكون بحاجة إلى تغيير جذري، وإنما فقط لبعض التغيير هنا أو هناك.
وإنما إذا تخيّل الإنسان نفسه وقد تاه في منتصف طريق مثلًا، فإن احتمالية أن يختار الوقوف حيث هو، أو الرجوع من حيث أتى ضعيفة للغاية، فسيقرر ذلك التائه ببساطة أن يستكمل الطريق على أي حال، حتى تتبين له معالم مكان يألفه، وكذلك الحياة أحيانًا، فقد لا تكون الرؤية واضحة، ولا الصورة كاملة، ولكننا نمضي في الطريق على أي حال بناءً على ما عرفناه صحيحًا ، واعتمادًا على الإشارات التي منحتنا إياها خبرات الحياة والناس، وعلى استخارتنا لله، تمامًا كعلامات الطريق التي يهتدي بها الماشي في سبيله، وإن اختفت يظل ماشيًا حتى تضح إشارات ومعالم جديدة.
4- استشارة أصحاب التجربة، وإيجاد رفيق دَرْب:
كثيرًا ما تفيد الاستشارات في عدم ارتكاب ذات الأخطاء التي ارتكبها آخرون، وبالتالي، تفادي العواقب الوخيمة، كما تساعد الاستشارات أحيانًا على فتح أبواب فكر وآفاق جديدة قد لا تخطر على بال الإنسان، ولكن الاختلاط بالآخرين والاستماع لخبراتهم وتجاربهم يساعد على هذا التطوير.
من جهة أخرى، فإن إيجاد الصحبة مهم جدًا في تلك المرحلة التي يشعر فيها الإنسان بالزعزة والحيرة؛ لأن الصحبة تمنحنا رسالة وإن كانت خفية، وهي أننا لسنا وحدنا في أي معاناة أو قلق وألم، بل هي قاسم مشترك بين جميع البشر، بيد أن الفترات وأنواع الابتلاءات تختلف، علاوة على أن الإنسان يجد من يملك ذات الشغف، ويواجه نفس التحديات، يعين بشكل كبير على تخطي المرحلة بسلام، وبأقل درجة من الخسائر النفسية إن لم تكن المادية.
الصحبة تمنحنا رسالة وإن كانت خفيّة، وهي أننا لسنا وحدنا في أي معاناة أو قلق وألم، بل هي قاسم مشترك بين جميع البشر
5- لا شيء يبقى على حاله، فاستمتع بالفترة الحالية:
في معظم الأحيان يكون سبب حزننا وعدم رضانا، هو سأمنا من المرحلة التي نحن فيها، ورغبتنا في الانطلاق في مرحلة جديدة، وحدوث تغيير من أي نوع، وهذا الطموح أمر طبيعي في الجِبِلِّة الإنسانية ولا غبار عليه، ولكن أن ينقلب الأمر سخطًا على الواقع، واستعجالًا لتحقيق أهداف مستقبلية هو ما يخلق الكدر الحقيقي في حياة الإنسان، فالطموح والحلم والأمل شيء، واللهفة عليهم وعلى مستقبل لا نعرف ماهيته ولا خيره من شره شيء آخر، فيحسن بنا أن نتخذ الخطوات الصحيحة المناسبة لهذا الحلم، أو ذلك الطموح بعد الاستخارة والاستشارة، ثم نترك النتيجة على الله سبحانه وتعالى، ولا ننسى أن نسأله خير ذاك الطموح وأن نستعيذ من شره.
وفي خلال فترة الانتظار تلك، فلنستمر بالقيام بالعمل الحالي والذي ارتأيناه صالحًا وصحيحًا، ولنحرص كل الحرص على الاستمتاع بتلك الفترة، وألا ننسى أبدًا أن كل فترة في حياتنا تأتي بسلبياتها وإيجابيتها، فلا شيء يحمل كل الأحزان أو كل الأفراح! صحيح أنه في أحيانٍ كثيرة لا يمكننا التغاضي عن الجانب المظلم، ولكن يمكن على الأقل التركيز على الجانب المشرق في تلك الفترات ، وما أكثرها لمن كان له قلب!
6- وقت مستقطع (ترفيهي):
أحيانًا كل ما نحتاج إليه هو وقت مستقطع نقوم فيه بعمل مختلف، أو نعيد استكشاف أنفسنا، أو نمارس بعض الهوايات والأنشطة التي افتقدناها، قد تبدو أمورًا بسيطة ولكن أثرها عميق وجوهري، سواء في حياتنا أو طريقة تفكيرنا، ولا ريب في تجديد نشاطنا ورفع معنوياتنا.
7- حتى إن قررت التغيير، لا تستهن بالخطوات التي قطعتها:
حين يتضح لك خطأ المسار الذي سلكتَ، ثم رغبتَ في التراجع أو تغيير ذاك المسار، فلا بأس بالقيام بذلك، طالما اتضح لك سلامة وصحة المسار الجديد، ولكن إياك والتغاضي عن الإنجازات التي حققتها، فما أكثر ما نسمع عبارات مثل: "لم أستفد شيئًا بالمرة"، أو "كانت تجربة فاشلة بالكلية"، أو "لم أفلح في النجاح في أي عمل"، وغيرها من العبارات المُثَبِّطة.
ولمنع تلك الأفكار الخاطئة والمشاعر السلبية من التخلل إلى عقلك وفكرك، احرص في نهاية كل مرحلة، أو وظيفة أن تسجل كل الأمور المفيدة التي تعلمتها، والخير الذي قدَّمته، حتى تعرف مستقبلًا ما هي المهارات التي تملكها، والمجالات التي يمكنك من خلالها تقديم الخير لنفسك وللناس؟! وكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استعن بالله ولا تَعْجز). (رواه مسلم).