في عصر التكنولوجيا الحديثة والسماوات المفتوحة ودعاوى التحضر والتمدن والتحرر وتعدد النظريات والمدارس التربوية ضج الآباء بالشكوى من الأبناء وتمردهم وعدم انصياعهم لما يُمليه عليهم الآباء. هذه الشكوى مصحوبة بالترحم على زمان مضى كان فيه.. وفيه.. وفيه.. مما يزيد الأبناء نفوراً وجموحاً خشية أن يرتدوا جلباب آبائهم عنوة ولا يستطيعون الخروج منه.
ويظل هذا الصراع قائماً والمعركة سِجال ما لم نأخذ ضوابطنا التربوية من نبعها الصافي - القرآن والسنة - أولاً ثم من تجارب التربويين الثقات ونظريات العلماء التي لا تتعارض مع أصول وثوابت وقيم ديننا الحنيف.
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " قبَّل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحسنَ بنَ عليٍّ وعِندَه الأقرَعُ بنُ حابسٍ التميميُّ جالسًا، فقال الأقرَعُ: إن لي عشَرةً من الولَدِ ما قبَّلتُ منهم أحدًا، فنظَر إليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثم قال: (مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ)" (رواه البخاري).
• جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق إبنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبَه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويُحسن اسمه، ويُعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
• جاء في تحفة المولود للإمام بن القيم -رحمه الله- قال: "قال بعض أهل العلم إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده فانه كما أن للأب على ابنه حقا فللابن على أبيه حق فكما قال تعالى "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً" (العنكبوت 8) قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{6}" (سورة التحريم).
بالرغم من أهمية هذه المسؤولية وثقل تبعاتها فإن هناك العديد من الأمور التي يغفل عنها بعض الآباء مما تجعلهم يضجون بالشكوى من الأبناء، ومن هذه الأمور:
1- أن عجلة التغيير سريعة والأحداث متلاحقة ومازال هناك بعض الآباء يُصرون على أنماط تربوية تقليدية ينفر منها الأبناء مما يتسبب فيما يُسمى صراع الأجيال!
2- مفهوم بعض الآباء الخاطئ عن التربية أنها مجرد توفير الاحتياجات والمتطلبات المادية للأبناء وفقط دون مراعاة الجوانب النفسية الأخرى والتي لا تقل أهمية عن الجوانب المادية بل تفوقها.
3- تعجل بعض الآباء في قطف ثمار جهودهم التربوية واقتناعهم أن الأبناء ما عليهم سوى تنفيذ ما يُملى عليهم من نصائح وأوامر ونواهي وتحذيرات.
4- نظرة بعض الآباء المثالية للأمور وعدم الاعتراف بأنه لا كمال في السلوك والتصرفات والأخلاق البشرية بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
5- عدم إدراك بعض الآباء أن الهدف الأساسي من التربية هو إيجاد الشخصية السوية المتوازنة التي تمتلك نسباً متفاوتة من الأخلاق لها حدودها القصوى وحدودها الدنيا، فالإيمان يزداد وينقص ولكنه لا يتلاشى.
6- إبداء بعض الآباء الخوف من نظرة المجتمع لهم -لسوء أخلاق ابنهم أو ابنتهم- أكثر من خوفهم من الحلال والحرام والمسائلة بين يدي الله تعالى.
7- اختلاف وجهات النظر التربوية بين الأب والأم فكلاهما يعتنق مفهوماً مخالفاً ومتبايناُ مما يترتب عليه تشتت الأبناء وعدم الانصياع لأيهما.
8- العطف الزائد من الأجداد الذي ربما يترتب عليه إفساد ما يغرسه الآباء.
9- ترك الأب مسئولية تربية الأبناء للأم بحجة السعي على المعيشة وكثرة ضغوط الحياة وتجاهل أن بصمة الأب على شخصية أبنائه لا يمكن تفويض الغير للقيام بها وكذلك بصمة الأم.
10- التهاون والتدليل الزائد بحجة أن الأبناء مازالوا صغاراً ولابد أن يعيشوا طفولتهم وبعد ذلك لابد وأن يعيشوا شبابهم ونسيان أن التربية عملية تراكمية تبدأ من اختيار الأم وليس من المهد كما هو شائع.
تلك عشرة كاملة يتفاوت الآباء فيها وكلما حرص الآباء على مراعاتها كلما كان التوفيق حليفهم في تربية أبناء يسروا الناظرين.