تحدثنا في اللقاء السابق بفضل الله تعالى عن عشر نقاط أساسية ربما يغفل عنها بعض الآباء مما يجعلهم يضجون بالشكوى من الأبناء ثم نجدهم يتذرعون بمقولة "ربوا أبناءكم لزمان غير زمانكم" ويجعلون منها مبرراً للتجاوز عما يحدث من الأبناء من تصرفات وأخلاقيات لا تتفق مع ضوابط الدين.
إن هذه المقولة إنما هي كلمة حق يُراد بها باطل لأنه مهما تغير الزمان ومهما تبدلت الأحوال ومهما حدث في العالم من تطور فإن هناك من الضوابط والأسس والمباديء التي لا يجب أن يتخلى عنها أو يستغنى عنها الإنسان.
ما دخل العلم والتطور بالتخلي عن الصدق والأمانة والعفة والحياء!
ما علاقة التكنولوجيا الحديثة بالتفريط في الأدب والأخلاق والعزة والكرامة والنخوة والشهامة!
ما الرابط الذي يربط بين العلم والتطور والتكنولوجيا الحديثة وبين الكذب والخيانة والتبرج والعري والخلاعة!
ما دخل كل ذلك بالظلم والاستبداد ومصادرة الحريات وتكميم الأفواه!
إن كل ما ذكر من مبادئ وصفات إيجابية تعد من الثوابت التي لا يجب ولا ينبغي أن يحيد عنها أي جيل قيد أنملة وإلا كان كمن يلف الحبل حول عنقه فيقضي على نفسه بنفسه.
ربوا أبناءكم على أن يدوروا مع الزمان حيث دار ولكن بعد التأكد من غرس هذه القيم والمباديء فيهم أولاً ولا تجعلوا تغير الزمان سبباً في تخليكم أو حتى تقصيركم في ذلك.
• بعد توضيح هذه الثغرات الهامة التي ربما يتجاهلها بعض الآباء أو ربما تغيب عن ذهن بعضهم لابد من همسة في أذن الآباء تصحح الأوضاع وتقوِّم المفاهيم وتوجه شراع التربية لوجهته الصحيحة عسى أن تصل السفينة إلى بر الأمان مُتجنبة تلاطم الأمواج وحِدة الصخور وتقلبات الأنواء.
1- لا بد وأن نتفق أننا حين نتعامل مع الأبناء فنحن نتعامل مع كيان بشري غض مليء بالمشاعر المرهفة والأحاسيس والرغبات والمتطلبات التي تبحث عمن يفهمها ويحتويها ويُجيد التعامل معها. ونتفق كذلك أن هذا الكيان البشري يبحث عن إشباع مُتطلباته المعنوية أكثر من بحثه عن إشباع متطلباته المادية التي من الممكن أن يرضى منها باليسير.
2- الواقع يقول إننا إذا لم نفلح في مهمتنا تجاه الأبناء سيقومون بالبحث بطريقتهم الخاصة وخبرتهم المحدودة عن غيرنا لتلبية احتياجاتهم واحتواء مشاعرهم وري ظمأ عواطفهم، وحينها تكون الطامة الكبرى التي لا يعوضها مال ولا وقت ولا غيرهما، وحينها نعض أصابع الندم في وقت لم يعد الندم فيه مُجدياً.
3- الانضباط السلوكي والأخلاقي لا يُورث فليس بالضرورة صلاح الآباء يترتب عليه صلاح الأبناء. وكذلك الانضباط السلوكي والأخلاقي لا ينتقل بالعدوى فليس بالضرورة صلاح ابن من الأبناء يترتب عليه صلاح باقي إخوته.
4- الانضباط السلوكي والأخلاقي لا يتم بمجرد التنبيه ولكن يحتاج إلى التعهد والرعاية والقدوة العملية وإلا.. كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟
5- علينا أن نوقن أنه ليس هناك ما هو متفق عليه في السلوك البشري فليس بالضرورة أن الأسلوب التربوي الواحد تتشابه نتائجه مع كل أبناء المرحلة الواحدى وذلك للفروق الفردية ولأنه من الصعوبة بمكان تشابه أو تثبيت المُعطيات وبالتالي فلابد من اختلاف النتائج.
6- ليس هناك في تربية الأبناء ما هو سهل وما هو صعب وذلك رداً على من يقولون أن تربية البنت أسهل من تربية الولد فكلاهما كائن بشري له مشاعره وله احتياجاته ومتطلباته.
7- العنف في التربية قد يخمد مظاهر المشكلة لفترة تقصر أو تطول ولكنه لا يقضي عليها بل يجعلها تتحين الفترة المناسبة للانقضاض والثأر والانتقام ولو بعد حين.
8- لست وحدك المُربي الوحيد لابنك فالبيت يُربي والمسجد يُربي والمدرسة تُربي فلابد من وجود قنوات مشتركة تجمع هؤلاء ولو في المناسبات.
9- الحذر من وسائل الهدم مثل الرديء من وسائل الإعلام والتكنولوجيا، الصحبة السيئة .. الخ، وذلك لأن هناك من يراهنون على القضاء على الأجيال من خلال التردي الأخلاقي ونشر الثقافات الهابطة والقيم الهدامة.
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرُك يهدم ؟
10- اليقين بقوله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص 56) ونوقن كذلك أن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
• تلك عشرة كاملة بها وبغيرها يقوَّم السلوك بإذن الله تعالى مع الوضع في الاعتبار أن كل ذلك فرض وليس نافلة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ" وأننا لابد أن نأخذ بكل الأسباب ونجرب كل الحيل والأساليب لنعذر أنفسنا بين يدي الله تعالى ونضع في الاعتبار كذلك أن ذلك جهد مأجور وأن هذا الجهد لن يضيع سُدى ولن يكون هباءً منثوراً طالما توفر فيه الإخلاص وحُسن التوجه.