تُعتبر منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشئت بإجماع عربي، بمثابة "حكومة" تمثل الفلسطينيين في كل مكان، وكانت المؤسسات المنبثقة عنها بمثابة "وزارات" تمارس مهامها وفق ظروف الزمان والمكان، وهذا شيءٌ جميلٌ ينم عن رغبة بتنظيم الجهد الفلسطيني وخدمة أبناء فلسطين، ورؤية استشرافية بأن موعد التحرير قادم لا محال، وبأن "الفجر الساطع آت" كما أخبرتنا فيروز.
وبقيت منظمة التحرير ومؤسساتها تمارس مهامها حتى ولدت من رحمها مؤسسة جديدة اسمها "السلطة الوطنية الفلسطينية" ومنحتها السلطات الكاملة للنمو والبقاء، وهذا يعتبر اعترافاً ضمنياً بوفاة شرعية الكيان الأم ومؤسساته "المنظمة"، وانتقال شرعيته لصالح الكيان الابن ومؤسساته "السلطة ".
ومن ينظر فيما بعد أوسلو يجد أن منظمة التحرير ومؤسساتها قد خفت بريقها وتم تجميد الدم في عروقها، ولم يتم تفعيلها إلا لتحقيق هدف معين، خاصة ما حدث بحضور كلينتون من إلغاء بنود المنظمة الداعية للكفاح المسلح عام 1998.
وبعد إجراء انتخابات عام 2005 وفوز حماس فيها، لم يرق ذلك للخاسرين، فبدؤوا بالكيد على كل الصعد من أجل إفشال المولود الجديد، فبدؤوا بالمطالبة بإعادة تفعيل المؤسسات التي تم تجميدها وبعثها من رقادها باعتبارها بنات الأم التي يحترمها الجميع.
وقفزاً عن مطالبات عباس بالعودة إلى مؤسسات المنظمة، ليس احترامها لها، بل من باب المناكفة، سنقف عند رغبته وتهديده بحل المجلس التشريعي في إطار الخطوات العقابية لحماس التي يتهمها بأنها تعطل المصالحة، وهنا سيصبح القانون الفلسطيني في مهب رياح الرئيس.
فمما لاشك فيه فإن الساحة الفلسطينية تعاني من أزمة انتهاء الشرعيات نظراً لانقضاء وقتها المنصوص عليها وفق القانون، فقد نص القانون أن تكون مدة الرئاسة أربع سنوات، ومدة المجلس التشريعي يبقى مستمرا في مهامه حتى يتم انتخاب مجلس جديد، لكن عباس لا يزال في منصبه منذ أكثر من عشر سنوات.
إن عباس برغبته بإعادة تفعيل مؤسسات ميتة يهدف إلى قتل إرادة الشعب الذي اختار ممثليه، رغم أن مؤسسات المنظمة ومن يديرها ليس لهم حضور شعبي ولا يعرفهم إلا القليل جداً، وهنا يطرح سؤال: كيف لميتٍ أن ينظر في شئون حياة الأحياء؟
تأتي الإجابة على هيئة رغبة انتقامية، فعباس يريد تجريد الفائزين من حقهم القانوني في ممارسة الحياة التشريعية لأنهم يخالفونه الرأي السياسي، وهنا وجب التأكيد على أن للسياسة دور كبير في تسيير القانون، وأن الحديث عن الفصل بين السلطات هو وهم وكذب، ومجرد شعارات.
الحقيقية التي لا مفر من الاعتراف بها هي أن المؤسسات الفلسطينية الرسمية قد أصبحت في مسيس الحاجة إلى شيءٍ غير قليلٍ من التطوير والتجديد في هذه المرحلة التاريخية التي تمر بها القضية الفلسطينية، وهذه الحقيقة ليست هي الوحيدة الواجب الجهر بها، بل إن الواجب الأخلاقي والوطني الذي يجب أن يتوفر عند المسؤولين يقتضي الاعتراف بسوء إدارة المعركة مع الاحتلال، لأن هذا الاعتراف سيخلق نظاماً سياسياً قوياً حيث إنه سيرتكز فيما بعد على الجدار الشعبي والأرضية الصلبة.
إن التطوير المنشود له وجهان:
الأول: تطوير في الكادر البشري
فأغلب المؤسسات -خاصة الكبرى- وصاحبة الرأي الحاسم تعاني من تكلس في كوادرها، فهم قد بلغوا من العمر عتيا، ووصلوا لمرحلة يصعب معها إتمام العمل، أو تحقيق إنجازات نوعية، كما أن تجديد ضخ الدماء في شرايين المؤسسات يجب أن تكون بواعثه ودوافعه وطنية خالصة، وليس تلبية لرغبات حزبية أو خارجية، ويتم ذلك دون إقصاء الآخر، بل علينا التعاون و التشارك في قيادة السفينة، لأن ما يربطنا أكثر مما يفرقنا.
وإن كنا نعتقد بضرورة التجديد، فإن أحد أهم أسباب هذا، هو أننا نؤمن بأن لهذه الدعوة أنصاراً كثيرين.
الثاني: تطوير البرامج والرؤى
بلا شك أن البرامج السياسية الفلسطينية قد اتضح فشلها للقاصي والداني وهذا ورد على لسان أكثر من مسئول فلسطيني، والواجب هو العمل على إشراك الجميع في صياغة برنامج فلسطيني جديد يقوم على طموحات الجميع وليس على رؤية فردية، والتلويح بكل أوراق القوة.
بقي التأكيد أن شرعية المؤسسات الفلسطينية قد تآكلت بسبب الفعل السياسي، فبدلاً من خضوع السياسة للقانون كما في الدول المتقدمة، خضع القانون للسياسة كما في الدول المتخلفة.