تذكر "سميرة" أنها ذات يوم عاشت ضيقة ذات اليد، بعد سنين طويلة من اليسر ووفرة المال، حيث وقعت ضحية سوء ائتمان شريكها في العمل، وبين عشية وضحاها أصبحت لا تملك شيئاً، والديون تطاردها، وجلّ همها أن تجد من يقف معها، ولو إقراضها مبلغاً من المال إلى أن تستطيع ترتيب أوراقها، لكنها لم تجد سوى الشفقة، والقليل من الصديقات اللواتي حاولن مساندتها بقدر استطاعتهن.
تقول سميرة، طعم الحاجة مرير مؤلم، كنت حزينة؛ لأنني لم أجد من يسندني من محيط العائلة، الكل مشغول، ومفهوم المساعدة في مجتمعنا بات مقتصراً على البحث عن معدمين أو بناء المساجد والأوقاف.
وتضيف "سميرة": "كان جل تفكيري وأنا في محنتي أن يكون لي بصمة في إسناد أصحاب العثرات والملهوفين في محيطي، استطعت بعد عامين أن أنهض من محنتي بعد الكثير من الخسارة، حينها أنشأت مبادرة تحمل اسم "فك كربة مسلم"، وهي عبارة عن اشتراك شهري بمبلغ مالي لا يتجاوز (10دولارات)، يلتزم بها المشتركون لمدة عام، ونقوم من خلال المبلغ بمساعدة أشخاص في محيطنا وقعوا في مشكلة ما، كمرض مفاجئ أو دين لم يتمكن صاحبه من سداده، أو مساعدة طلبة الجامعات الذين توقفوا عن الدراسة؛ لعدم تمكنهم من تسديد الأقساط".
إغاثة الملهوف .. شكر لله
يقول الداعية الدكتور "محمد جزر" في تعريفه للملهوف: "إنه المظلوم الذي ينادي ويستغيث من أجل إنقاذه ورفع الظلم عنه، وقد يكون عاجزاً أو مكروباً، وواجب المسلم تجاه الملهوف وذي الحاجة أن يقوم بفكّ كربته، ورفع مظلمته، ونجدته، وإغاثته؛ لأنّ ذلك يعتبر شكراً لله على نعمته، فصاحب النعمة تكثر حاجة الناس إليه، ويحتاج إلى أن يديمَ تلك النعمة بشكر الله عليه، وإلا تعرّضت للزّوال".
ويضيف أبو جزر: "إن إغاثة الملهوف تُعتبر عملاً من أعمال الخير في الإسلام، التي يتنافس فيها المتنافسون، وقد عُرف النبي عليه الصلاة والسلام قبل بعثته بمكارم الأخلاق، ومن بينها إغاثة الملهوف، وتقديم العون والمساعدة لمن يحتاج إليها، وقد شهدت السيدة خديجة رضي الله عنها بذلك الخلق الرفيع للنبي، واستدلّت بحفظ الله لنبيه؛ بسبب عمله للخير وإغاثته للملهوف، وجزاء الله لا يكون إلا من جنس العمل، وقد أكّد النبي الكريم على معاني إغاثة الملهوف حينما بيّن حقّ الطريق على من جلس فيه، ومن بين حقه أن يُغاث الملهوف، ويُهدى الضّال، فقد قال يومًا لقوم مرّ بهم وهم جلوس في الطريق: (إن كنتم لابدّ فاعلين فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا الملهوفَ) (رواه ابن حبان).
وكلما كان العبد أكثر بذلاً للمعروف وإغاثة للملهوف كان أكثر جنياً لثمراته، وتحصيلاً لآثاره التي جمعت خيري الدنيا والآخرة، فمن آثاره استدامة النعم؛ لأن الله تعالى إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثرها عليه وفي عباده، وقد جاء في حديث ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ لِلَّهِ قَوْمًا يَخْتَصُّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ) (رواه ابن أبي الدنيا)، فأقوى ما تحفظ به نعم المال والجاه والقوة شكر المنعم عليها، باصطناع المعروف بها، وبذلها لمن يحتاجها، هذا عدا ما يناله من دعاء من بذل لهم معروفه، وصنع فيهم صنيعته.
ومن آثاره: رد سوء المقادير في النفس والأهل والولد والمال، كما في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ...) (رواه الطبراني).
ومن آثاره: تفريج كرب الدنيا والآخرة، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ...) (رواه مسلم). وكل ما ذكر في الحديث يجمعه اصطناع المعروف.
ومن آثار اصطناع المعروف: محبة الناس ودعاؤهم؛ لأن النفوس مجبولة على حب من يتمنى لها الخير، ويصنع لها المعروف، ويبذل لها ماله وجاهه ووقته ونفسه، وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ، فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم).
ولتربية الأبناء على هذه القيمة الحميدة أهمية بالغة في الإسلام، يقول أبو جزر: "علينا أن نربي أولادنا على الرجولة والشهامة والشجاعة، بدلاً من أن نربيهم على الخوف والذعر والخنوع، فأولادنا جيل المستقبل وأمل الأمة ، وليكن قدوتنا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ربّى الصغير قبل الكبير على هذه القيم والمبادئ، وعلينا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله حالنا!! قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]".
نصرة المنكوبين .. هدي إسلامي!
وعن المساهمة في إغاثة المنكوبين والملهوفين -جراء الحروب والمصائب التي تمر بها الكثير من البلدان وخاصة الإسلامية- يقول أبو جزر: "إن ما يمر به المجتمع في هذه الظروف الراهنة والأزمات الطاحنة يحتاج إلى رجالٍ ذوي شهامة وشجاعة وكرم وعطاء وسخاء، ويحتاج إلى إحساس الغني بالفقير، والقوي بالضعيف، والشريف بالوضيع ، يحتاج إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي كان يحمل أهلَه، وأولاده زمنَ الرمادة على شِدَّة وشَظَف من العيش، فتقديم العون، وإغاثة الملهوفين ومساعدة اللاجئين، وإعانة المحتاجين والمسارعة بالنصرة لمن يحتاج إليها خلق إسلامي أصيل، تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة والشجاعة".
ويضيف "أبو جزر": "إن المشاركة في الحملات الإغاثية للشعوب المنكوبة لا يعدو كونه بادرة إنسانية، ومطلباً إنسانياً، وصدق نيات لمساعدة الشعوب المتضررة من أنظمتها، وتحقيقاً لمبادئ ديننا الحنيف الذي أمرنا بالوقوف مع المحتاجين في قوله تعالى: {وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} [الذاريات: 19]، ومن قوله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً} [الإنسان: 9]. فلا بد من مد يد العون لإخواننا في الدول العربية والاسلامية، سواء من خلال الجمعيات الخيرية والإنسانية، ومؤسسات المجتمع المدني أو الدولة أو الأفراد، فيجب أن تكون الإغاثة الإنسانية واجباً تسارع إليه الدول القادرة عليها، ولا تتوقف إلى أن تسدّ الحاجة، أو تخف آثار الأزمة الإنسانية.
لابد من التحرّي قبل المساعدة
يشير الدكتور "حسين الخزاعي" -أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية-: "إن الإنسان بطبعه يميل لمساعدة الآخرين، إلى جانب الوصايا الدينية التي تحث على الصدقات ومساعدة المحتاجين والشعور بظروف الناس وأوضاعهم، والتراحم والتعاضد والتكافل".
ويضيف الدكتور الخزاعي: بأن مشاعر المجتمع تجاه بعضها تميل للمساعدة غالباً، ولذلك تجد أن الكثيرين يقومون بتقديم مساعدة مالية أو اجتماعية دون التأكد من حاجة المتلقي الحقيقية لذلك، فبمجرد أن يقوم شخص بسؤال المال في الشارع يجد استجابة من الكثيرين، دون أن يفكر أحدهم بالتحقق هل هذا السائل فعلاً محتاج، ولذلك فإن الكثيرين تسلقوا على عاطفة الناس، وأصبحوا من ذوي رؤوس المال الكبيرة باستغفالهم للآخرين، وجني الأموال بغير حق".
وقال الخزاعي في حديثه لـ"بصائر": "على الإنسان أن يتحرى أين تذهب مساعداته وصدقاته، وأن لا يستعجل في إخراجها دون التأكد من أنها وقعت في مكانها الصحيح؛ من أجل أن يساهم في بناء المجتمع ويقيل عثرات أبنائه، فالإغاثة والمساعدة في حال أنها لم توضع بمكانها الصحيح تعود بالضرر أكثر من الفائدة ".
ويلمح الخزاعي إلى :"أن البعض يستغل وجود تقارير طبية لديه أو ابتلاءه بإعاقة، ويقوم بالتسول من أجل جمع المال، وقد لا يكون محتاجاً لذلك، لذا علينا أن نتحرى الحالات التي سنقوم بمساعدتها بشكل شخصي؛ لتفادي الوقوع في شباك "المتسولين".