الاختلاف في الرأي سنة الله تعالى في خلقه، ووجود كيانات متعددة في حقل العمل الإسلامي ظاهرة طبيعية مبنية على هذا الاختلاف، أما القول بأنها ظاهرة صحية أو مَرَضية؛ فمرتبط بكيفية تعاطي هذه الكيانات مع الأحكام والآداب الشرعية، وخصوصاً المتعلقة بالمحافظة على بيضة المسلمين وجماعتهم الكبرى، وأثر ذلك على أخوة المسلمين ووحدتهم.
ويعيش المرء عقوداً من الزمن؛ لا يتناهى فيها إلى سمعه أن جماعة إسلامية ناصرت أخرى، أو أثنت عليها، أو اجتمعت بها للتشاور والتعاون، ولا شك أن هذا الأمر يملأ القلب حسرة وأسى على حال الذين يُفترض أنهم أصلح الناس وأحسنهم، حيث قال الله تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [فصلت:33]!!
إن التناصر المطلوب بين الجماعات الإسلامية؛ يقذف الغيظ في قلوب المغرضين المفسدين بين الأحبة، الباغين للبرآء العنت.. ولا ريب أننا في هذا الوقت أحوج إليه من أي وقت مضى، بسبب ما نرى من تكالب الطغاة وأعوانهم وأبواقهم على الإسلام وأنصاره، إلا أن الواجب على الحركات الإسلامية أن تُقنع نفسها بأن التآلف والتآخي والتزاور والتناصر والتعاون واجب شرعي قبل كل شيء؛ فرَضَه الله تعالى من فوق سبع سماوات، وأن توفيق الله ونصره بعيد عن المفرّطين في هذا الواجب، المستبدلينه بالتنازع والتباغض، {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال:46]، {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير} [الأنفال:73].
الواجب على الحركات الإسلامية أن تُقنع نفسها بأن التآلف والتآخي والتزاور والتناصر والتعاون واجب شرعي قبل كل شيء؛ فرَضَه الله تعالى من فوق سبع سماوات، وأن توفيق الله ونصره بعيد عن المفرّطين في هذا الواجب، المستبدلينه بالتنازع والتباغض
ليس المطلوب إظهار مواقف آنية تفرضها مصالح حزبية ضيقة، حتى لا نكون ممن قال الله تعالى فيهم: {تحسبُهم جميعاً وقلوبهم شتى} [الحشر:14]، والقناعة الذاتية بتقصيرنا في تطبيق فريضة الأخوة وما يترتب عليها من واجبات؛ هي الكفيلة وحدها بفتح صفحة جديدة بين الجماعات الإسلامية.. صفحة بيضاء نقية، تفتحها قلوب رحيمة تقية، لا يعرف الحقد والحسد وسوء الظن طريقاً إليها، فهي محصَّنة بآيات الأخوة الكريمة، وأحاديث المحبة الشريفة.
إنه لم يعد خافياً ما تحتاجه ساحة العمل الإسلامي من توحيد الأعمال المبعثرة، التي لا شك أنها ستكون أكثر نجاعة، وأعظم تأثيراً في الواقع؛ إذا ما تعدّدت الجهات القائمة عليها، والداعية إليها، والمتضافرة لإنجاحها.
نحن قوم نؤمن بالله تعالى، وبأن كلامه - سبحانه - حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه الهادي إلى سواء السبيل.. وإذ ذلك كذلك؛ فإنه مما يشيننا أن نُعْرض عن قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة:2].
نقر بأن الدعوة إلى "دمج" الجماعات الإسلامية في كيان واحد؛ يكاد يكون مستحيلاً، إنْ لم يكن مستحيلاً بالفعل.. بيد أن التعاون بين هذه الجماعات على البر والتقوى أمرٌ ممكنُ التحقّق، يسير المنال، فلماذا لا يكون؟ ومتى سنُلقي وراء ظهورنا كل الحجج الواهية التي تقف حاجزاً بيننا وبين فريضة التعاون؟!
إن قطب الدين هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخيرية الأمة مرتبطة به، ولا تتحقق هذه الخيرية في عمل فردي متعدد، ولذلك قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} [آل عمران:104].
لقد شرّف الله تعالى الجماعات الإسلامية بالقيام بهذه المهمة، التي شابها قصور بسبب تمحور كل جماعة على نفسها، وعدم تعاون بعضها مع بعض، مع أن الانخراط في جماعة لا يلزم منه أن نلغي فريضة التعاون بين الجماعات، والتي يؤدي التزامها إلى القيام بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خير قيام.
لقد شرّف الله تعالى الجماعات الإسلامية بالقيام بهذه المهمة، التي شابها قصور بسبب تمحور كل جماعة على نفسها، وعدم تعاون بعضها مع بعض، مع أن الانخراط في جماعة لا يلزم منه أن نلغي فريضة التعاون بين الجماعات
ولا شك أننا في حاجة ملحة إلى مثل هذا التعاون في الوقت الذي نرى فيه حرباً تُشنّ على الهوية الإسلامية، بغض النظر عن انتماء صاحبها إلى جماعة من الجماعات، وهذه الحرب التي نراها جليةً فوق هذه البسيطة؛ تتطلب منا أن نكون على مستوى من الوعي؛ يدفعنا إلى تنسيق الجهود لمجابهة هذه الحرب القائمة على قدم وساق.
وكلّنا أمل في هذه الجماعات أن ترتقي إلى مستوى المسؤولية الملقاة على كاهلها، وتوحد جهودها في "المتفق عليه" بينها؛ من إنكار المنكرات الظاهرة، ودفع العدوان على الإسلام، ونصرة المظلوم، وغيرها من قضايا العمل الإسلامي المشترك.
ولكي نصل إلى هذا المبتغى، وتكون الوسيلة ناجعة؛ فإننا بحاجة إلى تشكيل مجلس تنسيقي بين الجماعات والهيئات الإسلامية، ليكون الراعي والهادي لتحقيق هذه الفريضة الغائبة.. وتالياً معالمه فيما ترجح لدي:
الفكرة:
تأسيس مجلس لتنسيق جهود العاملين للإسلام، وتقوية أواصر الأخوة بينهم.
شعار المجلس:
"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
الرسالة:
تأدية أمانة الدعوة، والسعي إلى رفعة الإسلام وتمكينه، من خلال جهد جماعي يشترك فيه العاملون للإسلام على قاعدة التعاون على البر والتقوى.
دواعي التأسيس:
- لأن الله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، وعلينا أن نلتزم بهذا الأمر الإلهي، وفي ذلك إحياءٌ لفريضة أغفلها كثير من المسلمين.
قال ابن كثير: "يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البرُّ، وترك المنكرات وهو التَّقوى، وينهاهم عن التَّناصر على الباطل، والتَّعاون على المآثم والمحارم".
وقال الطاهر ابن عاشور في تفسيره: "أي ليُعن بعضكم بعضاً على البر والتقوى. وفائدة التعاون: تيسير العمل، وتوفير المصالح، وإظهار الاتحاد والتناصر، حتى يصبح ذلك خلقاً للأمة".
وقال الإمام الغزالي رحمه الله في "الإحياء" (2/307) في قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى": "وهو أمرُ جزمٍ، ومعنى التعاونِ الحثُّ عليه، وتسهيلُ طرق الخير، وسدُّ سبُل الشر والعدوانِ بحسب الإمكان".
- لأن هناك هجمة شرسة على الهوية الإسلامية، الأمر الذي يتطلب جهداً كبيراً لصد هذه الهجمة عن أمة الإسلام، ولن يتحقق ذلك بدون تضافر جهود الجماعات الإسلامية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
هناك هجمة شرسة على الهوية الإسلامية، الأمر الذي يتطلب جهداً كبيراً لصد هذه الهجمة عن أمة الإسلام، ولن يتحقق ذلك بدون تضافر جهود الجماعات الإسلامية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
- لأن التنازع بين الدعاة يفضي إلى الهزيمة والفشل، كما قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحكم} [الأنفال:46].
- لأن أعداءنا وحّدوا جهودهم لإفشال المشروع الإسلامي، ولا يمكن أن نجهض مخططاتهم إلا بوحدة مضادة.
- لأن التعاون ينمّي روح الأخوة والتناصر بين المسلمين، ويقوي رابطة الولاء بينهم، والتي تقف حائلاً دون الفتنة والفساد الكبير، قال تعالى: {والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير} [الأنفال:73]، وقال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً} [آل عمران:103].
قال الإمام السعدي رحمه الله: "فإنّ في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكّنون مِن كلِّ أمر مِن الأمور، ويحصل لهم مِن المصالح التي تتوقَّف على الائتلاف ما لا يمكن عدُّها، مِن التَّعاون على البرِّ والتَّقوى".
- لأننا لم نجنِ من تفرقنا سوى ضعف جبهتنا، وهواننا على الناس، ولا غرابة فقد قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي. هَارُونَ أَخِي. اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي. وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29-32].
قال مقاتل بن سليمان رحمه الله: "(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) يقول: اشدد به ظهري، ليكون عونًا لي (وأشركه في أمري) الذي أمرتني به، يتَّعظون لأمرنا ونتعاون كلانا جميعاً".
- لأن هذا التعاون يحقق مفهوم الجسد الواحد للأمة المحمدية، ففي الحديث المتفق عليه: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى".
- لأن "يد الله مع الجماعة" كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
الأهداف:
1- التعاون على القواسم المشتركة بين الجماعات والهيئات الإسلامية، ومناصرة بعضها بعضاً، خصوصاً عند وقوع الظلم على أحدها.
2- نشر ثقافة الحب والأخوة بين الجماعات الإسلامية، من خلال النصوص الشرعية، والتراث العلمي لسلفنا الصالح وعلماء الإسلام وقادة هذه الجماعات.
3- إبراز المشترك بين الجماعات الإسلامية وترويجه بين أفرادها.
4- تفعيل فقه الخلاف، القائم على قاعدة "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، وأن المجتهد المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد، وكلاهما على خير.
الهيكل التنظيمي وطريقة عمل المجلس:
- يُشكَّل المجلس من أفراد ترشحهم الجماعات والهيئات الإسلامية، بحيث تصطفي كل جماعة شخصاً واحداً على مستوى عالٍ من اللباقة والخلق والثقافة، ويكون ذا مركز مهم في جماعته.
- يجتمع المجلس مرة واحدة في الشهر ليناقش الأعمال المقترحة التي من خلالها تُحقَّق أهداف المجلس، ويجتمع المجلس أكثر من مرة في الشهر في الحالات التي يقرر ثلث أعضائه على الأقل أنها "طارئة".
- يتم انتخاب مقرر لاجتماعات المجلس سنوياً، وتنحصر وظيفة المقرر في التالي:
1- تذكير الأعضاء بمواعيد الاجتماعات.
2- متابعة الأعضاء فيما يتعلق بتطبيق القرارات الصادرة عن المجلس.
3- كتابة محاضر الاجتماعات والاحتفاظ بها للتوثيق.
4- إدارة الحوار في الاجتماعات.
5- ترتيب الزيارات المشتركة بين رموز الجماعات الإسلامية.
6- دعوة المجلس للانعقاد في الأوضاع الطارئة.
- يتم الاتفاق على الأعمال والفعاليات المشتركة بالتوافق والتراضي، لا بالتصويت، ولا يُلجأ إلى التصويت إلا في التراتيب الإدارية والتنظيمية التي لا تتعارض مع ما جاء في هذه الورقة التي من المفترض أن يكون الجميع قد اتفق على ما فيها.
- في حال عدم توافق الجميع على عمل ما؛ يُكتفى بمشاركة الجهات المتفقة، مع تقدير الرأي المخالف والتماس العذر لصاحبه.
- تُدرس إمكانية تخصيص صندوق مالي لتغطية الأعمال المشتركة.
وسائل مقترحة:
- تبني قضايا الأمة المصيرية المتفق على وجوب نصرتها، كقضيتي فلسطين وسوريا وغيرهما.
- العمل المشترك لتهيئة المجتمع وتوجيهه نحو تحكيم الشريعة.
- الدفاع عن المعتقلين المظلومين من أي جماعة كانوا.
- مناصرة أية جماعة إسلامية تتعرض بسبب نشاطها الدعوي للاعتداء المادي والمعنوي.
- تأسيس موقع الكتروني يروّج لفكرة المجلس ونشاطاته، ويوثّق فعالياته وبياناته.
- تنظيم حملات تخدم أهداف المجلس على مواقع التواصل الاجتماعي.
- طباعة النشرات والكتيبات التي تروّج للفكرة وتخدم أهدافها.
- تفعيل الزيارات الأخوية بين قيادات العمل الإسلامي ورموزه.
- إقامة ندوات مشتركة لتوضيح وجهة نظر كل جماعة تجاه الأحداث، وتدريب أفراد الجماعات على الحوار الهادئ الرصين، وتفعيل فقه التعامل مع الخلاف.
- إقامة مؤتمرات تسعى لتعميم الفكرة في حال نجاحها لتصبح عالمية.
- التدخل لدى الجماعات الإسلامية التي يقع بينها خلافات في البلدان الأخرى، بهدف حل النزاع.
- إقامة فعاليات مشتركة، كمهرجان خطابي، لنصرة قضية من قضايا المسلمين مثلاً.
- إصدار بيانات مشتركة في القضايا الهامة.
- تبني بعض أنشطة الجماعات، وتكثيف المشاركة فيها من الجميع.
- محاربة الفساد بجميع أشكاله.
- حض الجماعات على ضرورة استدخال ما يؤيد فكرة المجلس في مناهجها التربوية والتثقيفية.
- إقامة الفعاليات الشبابية المشتركة بين الجماعات، رياضية أو ترفيهية أو ثقافية... وغيرها.
وبعد:
فهذه ورقة عمل مقترحة، يمكن تعديلها أو الإضافة عليها بما هو أنفع وأنجع، سائلاً ربي سبحانه أن تلقى آذاناً صاغية، وقلوباً واعية، واستجابة عملية.