أمنية الإمام البنا التي لم تتحقق!

الرئيسية » بصائر الفكر » أمنية الإمام البنا التي لم تتحقق!
hasan albanna 2

كثيرٌ من المسائل الشرعية والقضايا الواقعية التي ما زال الإسلاميون يتنازعون فيها إلى الآن؛ حسمها الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى قبل عشرات السنين. والمتأمل فيما يدلي به الإمام في رسائله ومقالاته المتفرقة؛ يستشعر عظمة هذا الرجل، وسعة فهمه، وعلو كعبه في تفكيك المسائل المعقدة، وإخضاع الفرعيات للكليات بطريقة منطقية سلسة.

وإن من القضايا التي جرى بها على الجادة قلمُ الإمام البنا ولسانُه؛ قضية التعاون بين جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها رحمه الله، وبين الجماعات الإسلامية الأخرى.

لم يسمح الإمام البنا لنفسه أن تغوص في بحر من الظنون؛ فتشكِّك في صدقية الجماعات الإسلامية الأخرى ، كيف وهو يعلم أن صدق النية والتوجه إنما هو من أعمال القلوب، وهل يطلع على القلوب إلا علام الغيوب؟! ليس هذا فحسب، إنما هو - مع تقريره أن الجماعات الإسلامية تعمل لنصرة الإسلام - يتمنى لها النجاح في الوصول إلى غاياتها التي رسمتها بقناعاتها الشرعية، ويجعل من منهاج الإخوان المسلمين التقرّب من هذه الجماعات والهيئات، والعمل على توحيدها حول الخطوط العريضة والمبادئ العامة، قال البنا في "مجموعة الرسائل" (ص145):

"والإخوان المسلمون يرون هذه الهيئات -على اختلاف ميادينها- تعمل لنصرة الإسلام، وهم يتمنون لها جميعاً النجاح، ولم يَفُتْهم أن يجعلوا من منهاجهم التقرّب منها، والعمل على جمعها وتوحيدها حول الفكرة العامة".

لقد كان فؤاد الإمام البنا رحمه الله يفيض غيرةً على المسلمين، ويتفطر لوعة على الفُرقة التي مزقت صفّهم، وضربت بينهم بسور من الشحناء والبغضاء ، وكان يرى أن علاقة الإخوان المسلمين مع الجماعات الإسلامية الأخرى إنما هي علاقة حب وتعاون، وأن الآراء الاجتهادية التي تحتملها النصوص لا ينبغي أن تفرّق بين قلوب العاملين للإسلام، ولا يُخفي أمله في تحقق حلمه بوحدة عملية للصف الإسلامي؛ تزيل الحواجز الموهومة، وتضع حداً لفُرقة أدمت قلوب المخلصين.. يقول رحمه الله في "مجموعة الرسائل" (ص216):

"وأما موقفنا من الهيئات الإسلامية جميعاً على اختلاف نزعاتها؛ فموقف حب وإخاء، وتعاون وولاء، نحبّها ونعاونها، ونحاول جاهدين أن نقرّب من وجهات النظر، ونوفّق بين مختلف الفِكَر، توفيقاً ينتصر به الحق في ظل التعاون والحب، ولا يباعد بيننا وبينها رأي فقهي، أو خلاف مذهبي... ونعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تزول فيه الأسماء والألقاب، والفوارق الشكلية، والحواجز النظرية، وتحلّ محلّها وحدة عملية؛ تجمع صفوف الكتيبة المحمدية".

كان البنا يرى أن علاقة الإخوان المسلمين مع الجماعات الإسلامية الأخرى إنما هي علاقة حب وتعاون، وأن الآراء الاجتهادية التي تحتملها النصوص لا ينبغي أن تفرّق بين قلوب العاملين للإسلام

ولكي لا تأخذ الظنون بعيداً بعضَ متلمّسي العثرات؛ يبيّن البنا في "مذكرات الدعوة والداعية" (ص255) أن منهج الإخوان في كلامهم عن الوحدة لا يشمل الحركات الباطنية المتسترة بالإسلام، وهي في حقيقتها تشوّه جماله ونصاعته، فيذكر من قرارات المؤتمر الثالث للإخوان في القاهرة ما نصّه:
"7- الإخوان المسلمون يُخلصون لكل الهيئات الإسلامية، ويحاولون التقريب بينها بكل الوسائط، ويعتقدون أن الحب بين المسلمين هو أصلح أساسٍ لإيقاظهم، وهم يناوئون كلَّ هيئة تشوّه معنى الإسلام، مثل البهائية والقاديانية".

ورغم أن الإمام البنا يذكر في "مجموعة الرسائل" (ص145) أنه عندما بدأ مكتب الإرشاد ينفّذ قرار العمل على توحيد جهود العاملين في حقل الدعوة الإسلامية "وجد روحاً طيبة من كل الهيئات التي اتصل بها وتحدث إليها، مما يبشر بنجاح المسعى مع الزمن إن شاء الله".. رغم هذا؛ إلا أننا لم نرَ لهذه الجهود على أرض الواقع ما يدل على نجاح هذه الفكرة التي بقيت أمنية قضى الشهيد البنا قبل أن تتحقق في حياته.

ولعل أهم أسباب عدم تحقق هذه الأمنية؛ انشغال الإمام البنا نفسه بتمتين الجبهة الداخلية للإخوان، والتصدي لمحاولات النيل من جماعته التي فرّغ وقته كله لبنائها والدفاع عنها ، والظروف القاسية الداخلية والخارجية التي كانت تعاني منها مصر بشكل عام، والجماعات الإسلامية بشكل خاص، وربما لعدم تنبّه بعض الجماعات إلى خطورة هذه الفُرقة المدمّرة، وعدم وصولها إلى درجة من الوعي الذي وصل إليه الشهيد البنا فيما يتعلق بهذه المسألة الخطيرة.

لقد مرّ على الكلام السابق للإمام البنا عشرات السنين، وإنْ كان البنا لم يُفلح في تحقيق هذه الأمنية لظرف أو لآخر؛ فحريٌّ بـ"الإخوان" أن يبذلوا جهودهم لتحقيق هذا الحلم الجميل، وتحويل التنظير السديد إلى تطبيق عملي يلامس أرض الواقع، ويعبّر عن القول بالعمل.

لقد مرّ على الكلام السابق للإمام البنا عشرات السنين، وإنْ كان البنا لم يُفلح في تحقيق هذه الأمنية لظرف أو لآخر؛ فحريٌّ بـ"الإخوان" أن يبذلوا جهودهم لتحقيق هذا الحلم الجميل، وتحويل التنظير السديد إلى تطبيق عملي يلامس أرض الواقع، ويعبّر عن القول بالعمل

إن على جماعة الإخوان -وهي التي حازت لقب الجماعة الأم- أن تتبنى العمل على نشر ثقافة الحب بين الجماعات الإسلامية، وتسعى للوصول إلى صيغة عمل مشترك بينها، بعيداً عن فرض الرؤية الأحادية على الآخرين، وأخذ العبرة من تجربة تأسيس "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، التي لم تفلح في توحيد الجهد الإسلامي المتنوع على القاسم المشترك؛ لأنها كان يراد لها -كما صرّح كثيرٌ من قيادات الإخوان- أن تكون واجهة سياسية للجماعة ليس أكثر.. وهكذا كانت!

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وصحفي في جريدة "السبيل" الأردنية، باحث في شؤون الحركات الإسلامية.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …