إن أكبر خطأ وقع فيه المسلمون في هذا الزمان هو إبعاد الدين عن الدنيا وحصره بين جدران مسجدٍ لا تتعدى فيه نشاطاته بين صوم وحج وزكاة، غير أن الإسلام لا يرضى بنصف حياة بل لا خيار بين الدين والدنيا لأنهم جزء لا يتجزأ فما هو الإسلام السياسي؟ وكيف وصل المسلمون لهذا الحال؟ ومن المتسبب في كل هذا؟ وما هي أسباب هذا الهوان؟
إن الإسلام كدين من صلاة وزكاة وحج وصوم لم يكن يوماً شيئاً يقلق الغرب، إن ما يقلقهم إسلام ينازعهم الدنيا، إسلام ينازعهم السلطة من أجل توجيه العالم وبنائه ..الإسلام السياسي.إن مجرد الحديث عن الإسلام السياسي يضعك محل صدامٍ مع معسكر غربي يرفض المنافس أو البديل، فرغم ما يحمله المعسكر الغربي من انحلال وحرية فاقت الحدود إلا أنه استطاع أن يفرض فكرة أنه لا نهضة علمية ولا تقدم تكنولوجي دون هذا الانحلال الذي نعيشه. لهذا فإن الصدام الذي سيواجهك إذا أردت الخروج بالإسلام من المسجد سيبدأ من المسلمين أولاً قبل أن تصطدم بالأجنبي.
مع الكتاب:
تناول الكاتب أربعة عشر باباً وهم:
1- لا تقولوا الديمقراطية كفر: يقول الكاتب أن الحضور الإسلامي الكبير على الساحة العالمية بعمقه التاريخي تعرض لكل أنواع الحصار والتمزيق من قوى الاستعمار، لكن الإسلام ظل باقياً رغم البلاء، ولمّا لم تنفع تلك الفتن في القضاء على الإسلام طرحوا الفكرة الماركسية ومن لم يقبل بها استدرجوه إلى القومية والعروبة والذين تحمسوا للأخيرة نسوا أن الذي جعل للعروبة راية وصوتاً ووحدة كان الإسلام.
وعندما دارت الدوائر وسقطت الماركسية واختفت الشيوعية وافتضحت القومية أطلّوا بالليبرالية والعلمانية وكان هدفهم من هذه المرحلة هو عزل الدين وإخراجه من الساحة وإبطال دوره.
2- الإسلام السياسي: الساسة في الغرب لا يعادون الإسلام الطقوسي -الشعائر والعبادات- ولا مانع عندهم من أن تكون الآخرة كلها لنا، لكن عداءهم للإسلام الذي ينازعهم السلطة في توجيه العالم وبنائه على مثاليات وقيم أخرى ، الإسلام الذي يتجاوز الإصلاح الفردي إلى الإصلاح الاجتماعي والحضاري والتغيير الكوني، فهنا لا مساومة وإنما حرب ضروس، وقد يكون الرصاص من قوى سياسية داخل بلدك الإسلامي، وهكذا أصبح الإسلام السياسي يحارب في جبهتين فهو يحارب من أهله ومن الأجنبي في وقت واحد.
ويضيف أنه يجب عدم الخلط بين الإسلام السياسي والإرهاب؛ فالإسلام يقوم على الحرية ويرفض الإكراه، وهو اختيار واقتناع وسيلته الدعوة بالحسنى، ولا يرفع سلاحاً إلا رداً على عدوان ولا يقاتل إلا دفاعاً عن حقٍ مغتصب.
الإسلام يقوم على الحرية ويرفض الإكراه، وهو اختيار واقتناع وسيلته الدعوة بالحسنى، ولا يرفع سلاحاً إلا رداً على عدوان، ولا يقاتل إلا دفاعاً عن حقٍ مغتصب
3- الفتنة الكبرى: نحن نعيش في عصر التآمر الكبير ولا يملك المثقف إلا أن يقف من تلك الأحداث وقفة المرابطين وحراس الثغور، وما تلك الأصولية التي تدفع بالمسلم ضد المسلم إلا فتنة رسمها الأعداء بعناية، وأنفقوا عليها في سخاء، وجندوا لها الفئات الحاقدة، وتشترك في إشعال تلك الفتنة أيدٍ إسرائيلية وأجنبية بل وعربية.
ويشير إلى أنه يجب أن نقلد نبينا فيما انفرد به وتميز كمكارم الأخلاق، وأن الإسلام السياسي وعي وصناعة رأي عام مستنير ودعوة بالحسنى إلى كلمة سواء، وهو ليس مؤامرات وانقلابات وسباقاً على الكراسي .
4- المستضعفون في الأرض: حال المسلمين اليوم أصبح مثل حال اليهود بالأمس منقسمون يضرب بعضهم رقاب بعض، وأكثر الدول الإسلامية تتسول المعونات وتنتمي إلى العالم الثالث، والنار التي يصلاها المسلمون هي بلاء وامتحان وتأديب لفئة كان يجب أن تكون هي الصفوة لأنها حملة العلم وورثة الأنبياء، ولكنها خانت موروثاتها وأهملت كتابها وأعطت ظهرها للعلم الديني والدنيوي وعكفت على العاجل والزائل، ولم يرابط على الحق إلا القليل، وهؤلاء لزموا بيوتهم لينجوا بأنفسهم، فالمسلمون أكثرهم مقصرون وكلهم مبتلون.
5- يوم الحشر: بعد أن أصبح الشعار هو الطاعة والولاء قبل العلم والكفاءة، تدهورت القيم وهبط الإنتاج وضاع البلد والمواطن، لكن الكثرة العاطلة من الشباب ممكن أن تتحول إلى كثرة عاملة إذا صادفتها الخطة المدروسة والتأهيل المناسب، والتعليم الموجود يجب أن يتغير كله من حشو الرؤوس وتكديس الدروس إلى الإعداد المخطط والتأهيل المرسوم لكل فئة للأعمال التي تحبها.
6- الحقيقة واضحة كالنهار: أي عقلية تلك الأصولية التي تريد أن تسود وتحكم وهي لا ترى من الدين إلا النقاب والجلباب واللحية وحرمة التماثيل ثم تغلب هذه القضايا على جوهر الدين وعلى الهدف الذي جاء من أجله رسولنا الكريم وهو التوحيد والتقوى ومكارم الأخلاق والبر والعدل!
إن الذين نحتوا هذا الإسلام (الأصولية) وحاولوا أن ينشروه بيننا هذه الأيام هم في واقع الأمر يضحكون علينا ويستعلون به علينا كما فعل الشيوعيون من قبل حينما نحتوا لأنفسهم مصطلح التقدميين؛ ليجعلوا لهم منزلة علينا وليصوروا أنفسهم في منزلة أهل التقدم. وما كان في أصول الإسلام هذا التنطع في السطحيات وإنما أصول الإسلام هي التوحيد والتقوى ومكارم الأخلاق والشورى في الحكم واحترام حرية المواطن وكرامته وعرضه .
7- سقوط مصداقية أمريكا: تقف أمريكا وحدها أمام المجموعة الأوروبية تتحدث عن الحلول الدبلوماسية وعن سياسة التفاوض والحوار بين الأطراف المتصارعة رغم علمها بفشل تلك الحلول واستحالة الوصول إلى سلام.
ونحن أمام غابة ومعترك تشتبك فيه كل التيارات الأصولية وكل منها تحريف انفعالي متصلب ومتشنج اقتضاه موقف الصدام الوشيك والسنوات القادمة حبلى بالانفجارات، وفي نظر المفكر الفرنسي "روجيه جارودي" أن المخرج الوحيد من المأساة القادمة هو تنحية هذا التعصب الأصولي وبدء مرحلة جديدة من الحوار والانفتاح كل طرف على الآخر، مع تنازلات متبادلة من كل اتجاه مع طرح الشكليات والالتقاء في الأساسيات.
8- اللعب بالنار: يتساءل الكاتب: هل فكر المسلمون في حلفاء المستقبل؟ داعياً مسلمي العالم بالاتجاه إلى الصين، قائلاً: "تبقى الصين المارد الآسيوي الذي يصحو، ويجب أن تبدأ خطتنا من الآن في أن نوثق علاقتنا بالصين وهذه الكوكبة من النمور الآسيوية والجمهوريات الإسلامية الأخرى الصاعدة، فالصين أول من اخترع البارود والورق وهي مهد الديانات والفلسفات، ولن ترضى لنفسها بأقل من الصدارة وفيها من المسلمين أكثر مما في أكبر دولة عربية، وسوف يؤدي الاستفزاز الأمريكي والعنجهية الأمريكية إلى عودة الاستقطاب لا محالة فهذه طبيعة الأشياء، فالسياسة فن التأمل والتنبؤ وسبق الحوادث والتخطيط للبلاء قبل نزوله ، وهذا أفضل من تسول الصداقات بعد فوات الأوان.
9- حرب الخليج وكتاب هيكل: إن الإسلام السياسي ليس صناعة الانقلابات للوصول إلى السلطة وليس احتيالاً للوصول إلى الحكم، فشهوة الحكم إذا أصبحت حلم المناضل المسلم فإنه غالباً ما يفقد إسلامه قبل أن يصل إلى الكرسي.
إنما الإسلام السياسي دعوة وتوعية هدفها الوصول للرأي العام، ومرادها توصيل المنهج الإسلامي في صفائه وبساطته وشموله إلى عامة المسلمين الذين يظنون أن الإسلام مجرد صلاة وصيام، فنقول لهم بل هو حياة ومعاملة، وعلم وعمل، ورفق بالضعفاء، وشورى للحكام، وديمقراطية ومشاركة شعبية في القرار.
إذا أصبحت شهوة الحكم حلم المناضل المسلم فإنه غالباً ما يفقد إسلامه قبل أن يصل إلى الكرسي
10- عن الحزب الناصري: يرى أن الناصرية ما كانت إلا فكرا لقيطاً مستورداً وشعارات خاوية جوفاء وذريعة للقمع والتسلط.
11- مشكلة التعليم: انحدار المستوى العام لجميع الخريجين أصبح ظاهرة ملموسة ليس فقط في الكليات العلمية، ولكن في الكليات الأدبية وفي دراسات اللغات، كما وتراجعت اللغة العربية الفصحى، وشاعت الأمية اللغوية حتى بين خريجي الأزهر ودار العلوم، وكان لابد مع هذا التكدس والكم الهائل من الطلبة أن يهبط الكيف إلى الحضيض، ولا مانع أن تقدم الدولة خدمة تعليمية مجانية لمن تشاء بشرط أن تكون قادرة مادياً واقتصادياً على تقديم هذه الخدمة، ولا يوجد مخرج مما نحن فيه إلا بالعودة إلى الصدق، فتعطي الدولة حق المجانية للعدد الذي تستطيع الإنفاق عليه بالفعل.
12- مصر في القرآن: ذكر الكاتب خمس عشرة آية قرآنية ذكرت فيها مصر وأماكن محددة في مصر، منوهاً إلى أنه ما ذكرت تفاصيل وأمكنة بهذه الكثرة وبهذا التخصيص في القرآن إلا عن مصر، وإذا كان الفراعين القدامى طغوا بها والفراعين الجدد (الناصرين واشتراكيتهم) أفسدوا فيها فإنها محفوظة ببركة الله رغم المحن.
13- أنقذوا الأرض: الفكر التواكلي ليس فكراً إسلامياً، والإسلام دين حركة وعمل ، وللعبد فيه إرداة. كما أن لله مشيئة وبالتالي على الانسان أن يدبر حياته باجتهاده وعمله ولا يتواكل ولا ينجب أكثر من طاقته اتكالاً على رزق غيبي.
14- الجنة وكلام المفسرين: أكثر المفسرين يفهمون ما جاء بآيات الجنة ولذاتها ونعيمها بمفهوم لذات الدنيا، ولكن القرآن يصحح لنا هذا المفهوم الضيق المحدود فيقول لنا جل جلاله أن ما جاء عن الجنة إنما هو ضرب مثال وليس كل الحقيقة.
أما الحقيقة فهي فوق الخيال، وفوق التصور والخوض في تفاصيل النعيم والعذاب، وفهمه بمفهوم دنيوي هو تخليط وقصور في الفهم، كما أن التكوين النفسي مختلف فنحن بصدد ميلاد جديد ونفوس جديدة وأبدان جديدة ونشأة مختلفة.
مع المؤلف:
مصطفى محمود، ولد عام 1921، درس الطب وتخرج عام 1953، وتخصَّص في الأمراض الصدرية، ولكنه تفرغ للكتابة والبحث عام 1960م.
ألف 89 كتاباً منها الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات، ويتميز أسلوبه بالجاذبية مع العمق والبساطة.
قدم الدكتور مصطفى محمود 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان)، وأنشأ عام 1979م مسجده في القاهرة المعروف بـ "مسجد مصطفى محمود"، ويتبع له ثلاثة مراكز طبية تهتم بعلاج ذوي الدخل المحدود ويقصدها الكثير من أبناء مصر نظراً لسمعتها الطبية، وشكل قوافل للرحمة من ستة عشر طبيبًا، توفي الدكتور مصطفى محمود في 31 أكتوبر 2009 بعد رحلة علاج عن عمر ناهز 88 عاماً.
بطاقة الكتاب:
العنوان: الإسلام السياسي والمعركة القادمة
المؤلف: مصطفى محمود
عدد الصفحات: 134
سنة الإصدار: 1992م