الحركة الإسلامية ومبادئ الإدارة الحديثة… أي موقع؟!

الرئيسية » بصائر الفكر » الحركة الإسلامية ومبادئ الإدارة الحديثة… أي موقع؟!
papers1-1091x520-c

تأتي قضية تحديث الهياكل الإدارية للحركة الإسلامية ومؤسساتها كأحد واجبات الضرورة في الوقت الراهن.

وبرغم الأهمية التي تحوزها هذه المسألة إلا أنها تتراجع إلى خلفية الاهتمام لأسباب عديدة، منها التحديات السياسية والأمنية والإعلامية التي تواجهها الحركات الإسلامية بشكل عام، وخصوصًا الحركة الصحوية، بالإضافة إلى استمرار سيطرة الأفكار القديمة على العمل الحركي بنسبة كبيرة، في ظل ضعف المفاهيم المتعلقة بمراكمة الأجيال وتجديد الدماء.

وفي حقيقة الأمر فإنه لا يمكن إنكار أن هناك الكثير من أشكال التطوير التي تمّ إدخالها على آليات عمل الحركة الإسلامية ومؤسساتها، وخصوصًا الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل الاجتماعي والدعوي، سواء على المستوى التنظيمي أو الإداري، أو على مستوى الأنشطة، مثل الأتمتة، واستخدام التقنيات الحديثة في مجال الدعوة والعمل الجماهيري.

ولعل هذا التطوير أوضح ما يكون في حالة المؤسسات العاملة في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ حيث هناك تعني التقنية والقواعد الإدارية الحديثة، معيار النجاح الحقيقي.

إلا أننا لا نتكلم عن هذه القضية على وجه التحديد؛ ذلك أن التقدم التقني صار فريضة على أصحاب الجيل الحالي في مختلف المجتمعات الإنسانية ، بما في ذلك أكثر المجتمعات الأفريقية تخلًّفًا.

وإنما المقصود في هذا الإطار، هو الحديث عن قضية الفكر الإداري الحاكم، ومنظومة التحديث المطلوبة له.

وتزداد أهمية هذه المسألة في شأن ضرورة البحث عن طرائق محددة وفعَّالة؛ لتحقيق هذا المستهدف التحديث الإداري من الزاوية الاستراتيجية التي تُعنى بالعقليات والأطر الحاكمة، قبل أن تُعنى بآليات العمل المباشرة على الأرض، في ظل تحدٍّ كبير يُضاف إلى التحديين السابقين: تحدي التطور التقني، وتحدي سيطرة مدرسة الجمود أو التقليدية على أقل وصف، على مفاتيح العمل الحركي، وعلى التنظيم ذاته.

وهذا التحدي يتعلق بحالة التعطيل التي أُصيبت بها الحركات الإسلامية، وهو تحدٍّ ينفرد به الواقع الحركي الصحوي في عالمنا العربي والإسلامي؛ حيث واجهت الحركة الإسلامية الصحوية بمختلف تلاوينها التنظيمية، في السنوات الفائتة، الكثير من المشكلات، وأعمال التعويق، من جانب أنظمة وحكومات، أو من جانب خصوم لها على مستوى الفكرة، وخصوصًا في مرحلة بعد ما يُعرف بثورات الربيع العربي.

وهذا التحدي له زاويتَان في علوم الإدارة الحديثة، في المجالات التطبيقية التي تتصل بأزماتنا ومشكلاتنا الحالية.

الزاوية الأولى- تتعلق بأثر التعطيل الإداري –التنظيمي بالمفاهيم الحركية- حيث إن عامًا واحدًا من الإهمال أو القصور أو الفشل، بحاجة إلى عشر سنوات لعلاجه!! هذه حقيقة، ويعرفها خبراء الإدارة في المدارس الإدارية المختلفة، بالذات المدارس التي تتبع دولاً عانت من هزائم عسكرية أو فوضى سياسية في تاريخها الحديث، مثل المدرسة الألمانية، والمدرسة اليابانية، واللتان كوّنتا خبرة كبيرة في هذا الأمر، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

الزاوية الثانية -لهذا الأمر- تتعلق بالمراجعات أي الـ"managerial" أو الـ"Administrative Reviews".

وفي حالة الحركات الإسلامية المعاصرة فإن إجراء المراجعات على أكبر قدر من الأهمية؛ لأنه -أولاً- يضمن وقف عملية التعطيل التي كلما طالت كانت الحاجة لوقت أطول لمعالجة تأثيرها التخريبي، وعامل الزمن هنا يتزايد بمتوالية هندسة وليس عددية حيث – كما تقدَّم– تصحيح أثر تعطيل العام الواحد، يستغرق عشرة أعوام.

في حالة الحركات الإسلامية المعاصرة فإن إجراء المراجعات على أكبر قدر من الأهمية؛ لأنه -أولاً- يضمن وقف عملية التعطيل التي كلما طالت كانت الحاجة لوقت أطول لمعالجة تأثيرها التخريبي، وعامل الزمن هنا يتزايد بمتوالية هندسة وليس عددية حيث – كما تقدَّم– تصحيح أثر تعطيل العام الواحد، يستغرق عشرة أعوام

ويتنامى أثر هذه المتوالية الهندسية في حالة الحركات الإسلامية الصحوية ذات الطابع الأممي؛ حيث إن انتشار الأعضاء والأتباع، وتباين الألسن والثقافات، واختلاف الظروف السياسية والمجتمعية، وعوامل أخرى كثيرة كل ذلك يزيد من صعوبة تحقيق أثر فوري أو فعَّال، ويطيل أمد خطط العمل المختلفة.

الأمر المهم المرتبط بذلك، هو مبدأ مهم تحرص عليه مختلف الحكومات والشركات في دول العالم الأول في وقتنا الراهن، وهو التحقيق أو الـ"Investigation" حيث هو أحد أهم أدوات صيانة، ومن ثَمَّ إصلاح النظام، بالمفهوم الإداري لكلمة "النظام" أي الـ"System".

في هذا الإطار فإن التحقيق والمراجعات، هي أهم أدوات صيانة وإصلاح النظام في المجال المجتمعي والسياسي كذلك، وهو أحوَج ما تكون إليه الحركة الإسلامية في الوقت الراهن  في ظل عدد من العوامل، لعل من أهمها هو ما يتعلق بالعوامل الذاتية أو الداخلية.

والعوامل الذاتية أو الداخلية، هي الأهم فمعطلات الحركة الخارجية قد توقف الكيان، لكنها قد لا تصيبه بالتخريب مثل السيارة التي تسير على طريق، وفجأة يجد قائدها –وقد تمتَّع بالحذر الواجب– أمامه مطبات وحُفَر فيتوقف... لحظتها سوف يتوقف، لكن سيارته سوف تبقى سليمة.

لكن العوامل الذاتية والداخلية للتخريب أو التعطيل على الأقل هي التي تمنح الخصوم فرصة إعطاء مصداقية للحرب الإعلامية، وبالذات في نقطة الصورة الذهنية المأخوذة ليس عن الجماعات والحركات الإسلامية، وإنما عن الصحوة الإسلامية، والمشروع الإسلامي بالكامل.

العوامل الذاتية والداخلية للتخريب أو التعطيل على الأقل هي التي تمنح الخصوم فرصة إعطاء مصداقية للحرب الإعلامية، وبالذات في نقطة الصورة الذهنية المأخوذة ليس عن الجماعات والحركات الإسلامية، وإنما عن الصحوة الإسلامية، والمشروع الإسلامي بالكامل

فعلى سبيل المثال، غياب إطار حازم وضابط داخل التنظيمات الإسلامية الصحوية التي تتبنى المشروع الإسلامي في صورته العمرانية الحضارية يحدد هوية المنتسبين -أفسح المجال أمام دعاة عنف وتخريب، وتورطوا بالفعل في أنشطة مصنَّفة إرهابية؛ لكي ينسبوا أنفسهم إلى إطار يتحرك في السياق الذي نعرفه عن المشروع الإسلامي بكل ما يحمله من تصورات حول البناء والنماء، وقدَّم نفسه للجمهور العام في العالم بأسره، وعبر عقود طويلة، على أنه تلك الصورة التي تمثل كفَّيْن يحملان بذرة الأخضر النامية.

هنا تتدخل عملية تحديث الجوانب الإدارية داخل الحركة الإسلامية ومؤسساتها المختلفة؛ حيث تضمن المراجعات والتحقيق في كل ما يتم، ووضع أطرٍ جديدة للحركة؛ للانطلاق في الطريق الصحيح الذي يحقق مستهدفاتها، وهو نشر الإسلام وتعاليمه بالصورة السليمة، والتي تريد الهداية والعمران للإنسانية بأسرها في ظلال الإسلام الوارفة.

وفي هذا الإطار فإن هناك جهدًا كبيرًا مطلوبًا من جانب الحركة الإسلامية في هذا المقام، ويبدأ بتمكين الشباب، والبحث عن آليات فعالة للضبط الإداري  داخل هذه الحركة أو تلك، والقيام بما يلزم من خلال المناهج التربوية، من أجل استبدال المفاهيم القديمة البالية، بتلك الجديدة المطلوبة بشدة في هذه المرحلة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …