سبق أن ذكرنا خطورة الرضوخ للنظريات والفلسفات الفكرية المشبوهة لكونها بديلاً عن الحروب بل أكثر منها دماراً لأن ما يُهدم من عمران يمكن تعويضه إنما ما يُهدم من كيان الإنسان فهذا لا يعوض أبداً.
لقد حدد أعداء الأمة هدفهم جيداً حيث يقول أحد المستشرقين: "إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي: هدم الأسرة- هدم التعليم- إسقاط القدوات والمرجعيات".
من هنا بدأ تصدير المصطلحات التي تُقوِّض دور الفئات الثلاث مثل مصطلح "المراهقة" الذي يعتبر عاملاً مشتركاً بين الفئات الثلاث المستهدفة.
إن الترويج لهذا المصطلح في مجتمعاتنا ومؤسساتنا التربوية يعتبر من باب الحق الذي يُراد به باطلاً حيث أن هذا المصطلح لم يكن له وجود قبل 200 عام من الآن.
إن الذي يبين أن مصطلح المراهقة مصطلح دخيل على ثقافتنا وعلى النظريات التربوية الحديثة أننا لو نظرنا إلى صدر الإسلام لوجدنا أن الشباب في هذا السن كان لهم دور بارز في فهم الإسلام وحمل رسالته والعمل على نشرها بل والجهاد في سبيلها.
نسوق هنا مجموعة من النماذج لتكون نبراساً لشبابنا وللآباء والمربين ليعلموا أن هذه المرحلة إنما هي مرحلة البذل والعطاء والجهد والمثابرة إذا أحسنا قيادة دفتها وأحسنا الأخذ بزمامها دون إفراط ولا تفريط كما بينا سابقاً.
إن هذه المرحلة كالطوفان الجارف الذي إذا أحسن توجيهه جاء بالخير والنماء، وإذا ترك ليحدد مساره ومصيره أتى على الأخضر واليابس وما خلف وراءه إلا خراباً ودماراً.
إن هذه المرحلة كالطوفان الجارف الذي إذا أحسن توجيهه جاء بالخير والنماء، وإذا ترك ليحدد مساره ومصيره أتى على الأخضر واليابس وما خلف وراءه إلا خراباً ودماراً
1- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "بعثَني النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إلى اليمَنِ قاضيًا فقلتُ: تبعثُني إلى قومٍ وأَنا حدَثُ السِّنِّ ولا عِلمَ لي بالقضاءِ؟ فوَضعَ يدَهُ على صَدري، فقالَ: ثبَّتَكَ اللَّهُ وسدَّدَكَ، إذا جاءَكَ الخصمانِ فلا تَقضي للأوَّلِ حتَّى تَسمعَ منَ الآخَرِ، فإنَّهُ أجدرُ أن يَبينَ لَكَ القضاءُ قالَ: فما زِلتُ قاضيًا" (رواه أحمد).
2- جابر بن عبدالله رضي الله عنه وهو مِن رُواة الحديث، كان عمره عند الهجرة ستةَ عَشَرَ عامًا، حضر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم إلا غزوةَ بدر وغزوة أُحُد وذلك لأن والده قد منعه ليشهدهما هو وبعد أن استشهد والده في أُحُد، لم يتخلف جابر رضي الله عنه عن غزوةٍ بعدها.
3- عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما شارك في غزوة الخندق وهو ابن 15 سنة.
4- عبدالله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه شهد بيعةَ الرضوان وعمره 17 عامًا.
5- أسامة بن زيد رضي الله عنه قاد جيش المسلمين وبه كبار الصحابة وعمره 18سنة.
6- الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه جعل بيته مقراً لالتقاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالصحابة رضوان الله عليهم في مكة وعمره كان 16 سنة.
7- طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أسلم مبكرًا، فكان أحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وهاجر إلى المدينة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي إلا غزوة بدر حيث كان بالشام، وكان ممن دافعوا عن النبي محمد في غزوة أحد حتى شُلَّت يده، فظل كذلك إلى أن مات.
8- الزبير بن العوام رضي الله عنه أسلم وهو ابن ست عشر سنة، وقيل ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل ابن ثمان سنوات. كان إسلامه بعد إسلام أبي بكر الصديق، فقيل أنه كان رابع أو خامس من أسلم. كان أول من سلّ سيفه لله في الإسلام وهو حواريّ النبي صلي الله عليه وسلم. شارك في جميع الغزوات في العصر النبوي، فكان قائد الميمنة في غزوة بدر، وكان حامل إحدى رايات المهاجرين الثلاث في فتح مكة، وكان ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمدد إلى عمرو بن العاص في فتح مصر، وجعله عمر بن الخطاب في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده.
9- معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوّذ بن عفراء رضي الله عنهما قتلا أبا جهل في غزوة بدر وهم دون 15 عاماً وكان أبو جهل قائداً للمشركين.
10- زيد بن ثابت بن الضحّاك الأنصاري رضي الله عنه أسلم يوم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عمره 16 سنة وكان يتيماً حيث توفي والده يوم بُعاث وسنه لا يتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلم مع أهله وباركه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء. كان كاتب الوحي، شيخ المقرئين، مفتي المدينة، وكان من رواة الحديث.
إن النماذج الشبابية ليست قاصرة على الرجال فقط فما دور السيدة أسماء في الهجرة عنا بخفي، وما دور السيدة أم كلثوم بنت عقبة بن معيط رضي الله عنها بمجهول، تلك الفتاة التي تحدت قومها وهاجرت للمدينة وفيها وفي أمثالها نزلت آيات سورة الممتحنة وغيرهن كثيرات.