حين نكون مسلمين ..الإحسان

الرئيسية » بصائر تربوية » حين نكون مسلمين ..الإحسان
china-muslim-majority-unrest-ramadan

في خضم حديثنا عن صورة المجتمع المسلم حين نكون مسلمين سوف نستعرض أهم سمات ذلك المجتمع، فمن المفارقة العجيبة أن تجد أن معظم المسلمين يجهلون صفة ذلك المجتمع الذي يحكمه الدين، وللجهل بتلك الصفات نجد الكثيرين يكرهون الإسلام أو يخشونه، ويبطنون بنفوسهم غير ما يظهرون، وتلك الصورة هي ظلم بيِّنٌ للإسلام، يقع فيه تسبب من الدعاة من ناحية، والإعلام الموجه من ناحية أخرى، مما يستوجب على العاملين له أن يبينوا تلك الصورة فيتحركوا بها، ويحدثوا الناس عنها، ليس قولاً، وإنما سلوكاً وحركة وفعلاً.

ومن جملة الصفات التي تميز المجتمع الإسلامي هي خلق "الإحسان".

و #الإحسان هو الخلق أو الصفة المحبوبة لله عز وجل، فهو سبحانه الذي "يحب المحسنين"، ورغم أن الأصل في الدين "الإحسان"، إلا أنه أصبح صفة غريبة في المجتمع الذي من المفترض أن يكون مسلماً، فما هو ذلك الإحسان؟

الإحسان في أبسط صورة هو الإتقان، إتقان العمل، إتقان المعاملة ، يقول يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) (رواه أبو يعلى وغيره).

ويقول تعالى في فضل الإحسان: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين} [آل عمران،الآية:134]، ويقول تبارك وتعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} [الأعراف، الآية:56]، ويقول سبحانه: {واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين} [هود، الآية:115]، ويقول تبارك وتعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس، الآية:26]، والزيادة -كما قال العلماء- هى رؤية الله عز وجل.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، وكتب أي فرض، وفي "كل شيء" أي في القليل والكثير، الكبير والصغير، ومثالاً على ذلك الذبح، الذي يعني إنهاء الحياة تماماً، فإن هي إلا دقائق ويستريح الكائن تماماً من كل ألم، ومع ذلك فلم يتركها الإسلام لحكم الذابح، فاهتمّ بأدق تفاصيل الذبح، فيقول نبي الإسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (رواه مسلم).

صفة لأفعال الله:

الإحسان صفة الله تعالى، يقول الله تبارك وتعالى: {الذي أحسن كل شئ خلقه} [السجدة، الآية:7]، لا نقص، لا اعوجاج، ويقول تبارك وتعالى: {وزيناها للناظرين} [الحجر، الآية:16]، ويقول: {فارجع البصر هل ترى من فطور} [الملك، الآية:3]، فليس هناك صانع يطلب من المشتري أن يعيد النظر مرات ومرات؛ ليبحث عن نقص أو عيب في صنعته غير الله "أحسن الخالقين".

فكيف يكون المؤمن "محسناً"؟ وكيف يكون الإحسان سمة من سمات المجتمع؟

الإحسان في العبادة:

فتأدية الصلاة ليست هي الغاية، وإنما النهي عن الفحشاء والمنكر هو ثمرة الصلاة، فالإحسان فيها -ظاهراً وباطناً- هو إتيان ثمرتها، وكذلك الصوم والزكاة والحج وسائر العبادات، ففي حديث جبريل قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكِتَابِهِ وَلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِسْلاَمُ؟ قَالَ: (الإِسْلاَمُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّىَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وتحج البيت). قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لاَ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ) (رواه الشيخان).

تستحضر رؤية الله عز وجل وكأنه أمامك، فإن لم يكن أمامك وتراه فهو يراك، وذلك أدنى الإحسان.

-الإحسان بالوالدين:

يقول عز وجل: {وبالوالدين إحساناً} [البقرة، الآية: 83]، جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، أبايعك على الهجرة والجهاد"، فقال له النبي: (هل من والديك أحد حي؟)، قال: "نعم، بل كلاهما"، قال: (أتبتغي الأجر؟) قال: "نعم يا رسول الله"، فقال: (فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتها).

-الإحسان للبنت:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل تدرك له ابتنان أو أختان، فيحسن إليهما ما صاحبها، أو صاحبتاه إلا أدخلتاه الجنة)، أحسن لها بحسن تربيتها، وتعريفها دينها والأخذ على يدها لتستقيم، فبإحسانه إليها يعدّ أملاً ومستقبلاً لتلك الأمة.

-الإحسان في التحية بين الناس وإفشاء السلام:

يقول الله تبارك وتعالى: {إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها} [النساء، الآية:86].

-الإحسان في الجدال:

يقول الله تبارك وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل، آية: 125].

-الإحسان في الكلام:

فحديثك مع الناس يجب أن تزنه قبل النطق به، فلا تجرح إنساناً، ولا ترفع صوتك فوق صوت والديك، تخضع برقة للمحتاج، وتلين في القول لمن يسألك، تخفض صوتك لمعلميك، تتخير ألفاظك مع الصغير، الإسلام ليس عجرفة، وليس فحشاً.

وأحسن الكلام هو الدعوة إلى الله، وتحبيب الله عز وجل إلى الناس، {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً} [فصلت، الآية:33].

-الإحسان بين الأزواج:

حسن اختيار الزوجين أحدهما للآخر، ثم العشرة بالمعروف، والإحسان من الزوج للزوجة بحثّها وأمرها على الصلاة والعبادات، والخوف عليها من النار وغضب الله أكثر من خوفه عليها من الجوع والاحتياجات الدنيوية.

حتى الإحسان في الطلاق والفراق، فيقول تبارك وتعالى عن المهر: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض} [النساء، الآية:21]، فيجب على الزوج أن يراعي أيام العشرة بينهما.

-إحسان الزوجة في بيتها:

فترتيب البيت، وطهي الطعام، وتربية الأبناء، والإحسان لأهل الزوج، كل ذلك إذا أحسنته وأتقنته واستحضرت النية -خالصة لله عز وجل- تحولت أعمالها الاعتيادية إلى عبادة.

-الإحسان في العمل المهني:

فإذا اتبعنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)؛ ستتغير حياتنا، ومن العجيب أن تجد الغرب اللاديني يتبع ذلك الحديث بحذافيره، مما غيّر صورة المجتمع الغربي.

-الإحسان في الحرب:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم للجيش في غزوة مؤتة عند خروجهم: (انطلقوا باسم الله، على ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانيا، لا تقتلوا امرأة، لا تقتلوا صغيراً، لا تقتلوا رضيعاً، لا تهدموا بناء، لا تحرقوا شجراً، لا تقطعوا نخلاً، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين).

إنه مجتمع محسن، يتسم بالجمال والرقة والإتقان والترتيب والنظام والنظافة، فقط حين نكون مسلمين.

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • خلق المسلم - الغزالي
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …