"سلام الخيارات الصعبة، هذه ليست دعوة للتشاؤم، لكنها محاولة صادقة لقراءة الواقع المعاش في الشرق الأوسط"، بهذه الكلمات مهّد مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا، لما قدمه من سفر سياسي، حاول دراسة موانع تحقيق السلام مع الكيان الصهيوني، من وجهة نظر العدو.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه: "إن الحرب قائمة على رفض الآخر، وتهدف دائماً إلى نفيه عن الوجود، أو على الأقل السيطرة عليه وإقرار رؤانا الذاتية عليه، أما السلام، فإنه يهدف في المقام الأول إلى قبول الآخر، في وضع متساوٍ وليس في وضع دوني، وإذا كان السلام يولد من رحم الحرب، فإن السلام في الشرق الأوسط يصبح أمرًا بعيد المنال؛ لأن الحرب تكاد تكون واقعًا معاشًا، وبدونه لا يمكن تخيل الشرق الأوسط، فالحرب هناك هي القاعدة، والسلام استثناء".
-توطئة:
هل يعدّ السلام بين العرب و”إسرائيل” واقعًا بعيد المنال؟ هل ترجع أسباب ذلك إلى تعنت العرب في قبول “إسرائيل” في المنطقة كشريك كامل؟ وهل يجب على العرب قبول العدو قسرًا في المنطقة؟
رغم إرجاع الكاتب أزمة الشرق الأوسط إلى الوجود اليهودي في فلسطين بعد ظهور الصهيونية، ومحاولة تفريغ فلسطين من سكانها بإنشاء كيان احتلالي بها، إلا أنه آثر الاستناد إلى طرف وصفه بالمحايد، بعيداً عن وجهة النظر العربية أو الصهيوينة، وهي جماعة "elders"، التي عمد تقديم تقريرها الصادر في أكتوبر 2010م، قبل سرد فصول الكتاب.
وتشير سطور الكتاب إلى أن جماعة "elders" أسسها الزعيم "نيلسون مانديلا"، وتضم مجموعة من السياسيين من أنحاء العالم، بينهم "جيمي كارتر" -راعي أول اتفاقية سلام في الشرق الأوسط (كامب ديفيد)-، ونظمت تلك الجماعة زيارة لمصر وغزة والأردن وسوريا والضفة الغربية خلال الفترة (16-22 أكتوبر2010م)، لدراسة الوضع، وتقديم الدعم لجهود السلام في المنطقة.
وأورد تقرير "elders" شروطًا لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، بينها: إنهاء الاحتلال الصهيوني للمناطق الفلسطينية، بالإشارة إلى حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لإمكانية تحقيق السلام، وضرورة وضع القدس في بؤرة الحلول المقدمة لإنهاء الصراع (الفلسطيني- ”الإسرائيلي”)، بالإضافة لإنهاء حالة الحصار التي يعايشها قطاع غزة، ووصف إبعاد قادة حماس عن مسار عمليات السلام بالأمر غير المجدي.
ورغم مطالبة التقرير المجتمع الدولي باتخاذ مواقف أكثر فعالية فيما يخص الأزمة الفلسطينية، وإشارته إلى أن “إسرائيل” أصبحت دولة معزولة يتعامل سكانها ببرود مع فكرة السلام، إلا أنه رفض بشكل قاطع أي شك في حقها في الوجود في المنطقة، والتنعم بالسلام مع جيرانها.
-لماذا هذا الكتاب الآن؟
يوضح الكاتب سبب ترجمته لعدد من البحوث ”الإسرائيلية”، في إطار مسار السلام وموانعه، خلال هذه لفترة تحديدًا، مشيرًا إلى أن الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة شهد تغيرات سياسية ضخمة، أهمها ثورات الربيع العربي، والثورة المصرية تحديدًا، وما تبعها من تحركات سياسية، جعلت الكيان الصهيوني يترقب تأثيرها على استقرار اتفاقيات السلام، ومساره مع دول المنطقة.
-بين دفتي الكتاب:
يمثل الكتاب الذي بين أيدينا محاولة من باحثين “إسرائيليين” في مجالات مختلفة، لدراسة موانع تسوية الصراع (الفلسطيني- الصهيوني) كما تبدو من وجهة نظرهم، عبر ثلاثة عشر فصلاً.
الفصل الأول- يناقش (الموانع السوسيو- نفسية لحل الصراع) بنظرة على المجتمع ”الإسرائيلي”، وينقسم لثلاثة أجزاء، يعرض أولها إطارًا مفاهيميًا للموانع (السوسيو ـ نفسية) التي تحول دون تسوية الصراع، والتي تتضمن الاعتقادات الأيدلوجية والاجتماعية، والنفسية التي تحول دون تقبل المجتمع ”الإسرائيلي” لفكرة السلام، ومنها: التصور السلبي للعرب، والشعور بالتضحية، والمشاعر السلبية المؤيدة للصراع والمعتمدة على الذاكرة الجمعية، بالإضافة لعدم الثقة في القيادة الفلسطينية كعنصر راغب وقادر للوصول لاتفاق.
أما الجزء الثاني من ذلك الفصل، فيحلل أحجار العثرة في طريق مباحثات السلام، والمتمثلة في مشكلة الأرض والحدود، وطبيعة الدولة المقامة، ومشكلة القدس، والاستيطان، وأزمة لاجئي (1948و1967)، ويتضمن ذلك التحليل قياس الرأي العام تجاه تلك الأزمات.
الفصل الثاني- "موانع تسوية الصراع في الجانب الفلسطيني"، قسم هذا الفصل تلك الموانع إلى: موانع هيكلية تمثلت في: (الانقسام الفلسطيني، والإثارة العربية في مواقفها من القضية)، موانع أرضية وجغرافية، وهي: (صعوبة التوصل لتسوية بشأن حدود1967، أزمة دولتين لشعبين، وأزمة الشتات المتعلقة باللجوء والاقتلاع)، وموانع سياسية، تمثلت في: (انعدام الثقة في القيادة الفلسطينة)، كما تطرق الفصل لموانع أخرى تمثلت في الهوية المنعكسة على تقديس الفلسطنيين لفكرة المقاومة، واستخدام مصطلحات مثل النكبة لما حدث في 1948م.
الفصل الثالث- جاء الفصل الثالث يفصل بشكل دقيق الموانع المفاهيمية في طريق تحقيق السلام، وهو ما انعكس على توصياته بإجراء المزيد من المباحثات واللقاءات الشعبوية المشتركة؛ لتعزيز فكرة تقبل الآخر، فضلًا عن تلميع صورة النساء في المفاوضات باعتبارهن أكثر إيمانًا بإمكانية تحقيق السلام، وفقاً لإحصائيات مراكز البحوث داخل دولة الاحتلال.
الفصل الرابع- يعتبر ذلك الفصل امتدادًا لسابقه، إلا أنه عني بدراسة الخوف كعنصر رائد في تغيير المواقف والإقناع في الصراعات الدولية، كما يعتبر هذا الفصل جزءًا من بحث أوسع ضمن مشروع العدل والسلام الدائم المدعوم من الأمم المتحدة، وقد درس هذا البحث تأثير عنصر الخوف على المجتمع اليهودي، واستغلاله سياسيًا من قبل القائمين على صنع القرار.
(الفصول: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع، والعاشر): يمكننا تصنيف تلك الفصول تحت مفهوم الموانع الأيديولوجية لتحقيق السلام؛ إذ تتضمن القيم المحمية باعتبارها موانعًا نفسية تعوق التقدم في مسار المفاوضات، وبينها المفاهيم المقدسة -سواء بتقديس الأماكن ( كما هو الحال في مدينة القدس وغيرها من المقدسات الفلسطينية)، أو الأفكار المتعلقة بحق المقاومة وحقوق الإنسان، والعدل، وحرمة الحياة- كما يتطرق البحث لإمكانية استغلال تلك القيم لإبرام صفقات تحقق المصالح السياسية.
كما تتطرق بحوث تلك الفصول لمفهوم العدل واختلاف مدلوله بين الجانبين العربي والصهيوني، فضلًا عن مانع الدين الذي يعد محركاً قوياً في الصراع، وتعلقه بعمليات الاغتيال وإشعال فتيل المقاومة...إلخ، بالإضافة للمانع الثقافي والمتعلق بالتراث واللغة، والروايات التاريخية، والقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دراسة الزمن كعنصر مؤثر في التطورات والتغييرات في جميع الجوانب السابقة.
(الفصول: والحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر): درست تلك الفصول موانع السلام من الجانب السياسي والقانوني والدولي بشكل مركز، فبحثت القرارات الاستراتيجية ووقوفها عقبة في سبيل تحقيق السلام؛ إذ تشير تحليلات الفصل الحادي عشر إلى أن “إسرائيل” لم تضع أي خطة جدية لتحقيق السلام مع الجانب العربي، اعتقاداً منها بأن العرب لن يقبلوا بأي اتفاق وهو ما يفسر عدم التزامها بجوانب عدة من اتفاقية أوسلو حتى الآن.
وجاء الفصل الثاني عشر ليبحث تفصيلاً تأثير الخريطة الجيوسياسية على عملية السلام تطبيقاً على اتفاقية أوسلو، بتسليط الضوء على غياب التفكير الاستراتيجي وتقديم القوة العسكرية، وإظهار عدم التناغم بين القوتين العسكرية والسياسية في جانب الاحتلال، ليأتي الفصل الثالث عشر، والأخير في الكتاب موضحًا أبعاد الصراع العربي، الصهيوني في القانون الدولي، ودور القوى الإقليمية الفاعلة، بالإضافة لتحليل دور الطرف الثالث في عملية الحسم –لاسيما- وأن الراعي الأمريكي لعملية السلام لم يثبت نجاحه حتى الآن.
مع المؤلف:
أحمد عبد اللطيف حماد، يعمل أستاذًا للدراسات "الإسرائيلية"، في كلية الآداب، بجامعة عين شمس، في القاهرة.
يعد من المختصين في الدراسات الصهيونية والترجمة عن اللغة العبرية، وله عدد من المؤلفات؛ من بينها: (“إسرائيل” والثورة الشعبية المصرية: تحد وجودي جديد)، و(تاريخ اليهود: مشروع رؤية جديدة).
معلومات الكتاب:
العنوان: سلام الخيارات الصعبة "رؤية “إسرائيلية” لاستحالة التسوية مع العرب".
ترجمة: د.أحمد حماد.
دار النشر: مركز النيل للدراسات الاستراتيجية، القاهرة، ومركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية، ببيروت.
سنة النشر: 2013.
عدد الصفحات:523.