كثيراً ما تلفت أنظارنا كتباً تحمل عناوين مثل "تعلم لغة كذا، أو فن كذا، أو حِرفة كذا، بدون مُعلم" ولكن، هل لفت نظرك يوماً كتاباً بعنوان "تعلم الحُب بدون معلم"؟
حقاً، لو وجدنا هذا الكتاب لتمكنا من التغلب على مشكلات عديدة تعترض حياتنا ولكن لأن الحُب قائم على العاطفة الروحية والمشاعر الوجدانية ولأنه أثير لا مرئي فهو يقبل العوامل المُحفزة ولكنه من المستحيل أن يقبل طرفاً ثالثاً.
إذا أردت أن تأسر قلب من تحب فقدم له الحب الذي يشتهيه هو وليس الحب الذي تشتهيه أنت وحينها سيبادلك نفس الشعور ونفس الأسلوب فتتشبع نفسيكما بالحب والعاطفة والحنان.
ولكي أضع يدك على المفتاح الذي به تعرف حاجة شريكك من الحب ارجع بذاكرتك للوراء واسترجع العامل المشترك في كل شكوى له منك أو في كل مشكلة حدثت بينكما وحينها ستعرف مكنون نفسه وستضع يدك على حاجته التي يترفع عن أن يطلبها.
مساكين من يبخسون الحُب حقه ويفقدونه قيمته ويحصرونه في إشباع رغبة جسدية بين رجل وامرأة أو نزوة عابرة في لحظة طاش فيها العقل، إن الحُب الحقيقي عبارة عن منظومة شاملة متكاملة متداخلة بل متشعبة، هذه المنظومة بدايتها حب الله ورسوله ونهايتها حب لقاء الله وبينهما تمر بحب الصلاح والصالحين والخير والأخيار والذرية والأهل والأصدقاء وكل ما يدور في هذا المضمار كل حسب قدره ومكانته وكل ذلك ينطلق من قاعدة صلبة متينة قائمة على الحب والتفاهم والألفة والتناغم والمودة والرحمة ألا وهي الأسرة.
إن ديننا هو دين الحب الحقيقي النظيف العفيف الذي لا يخدش حياءً ولا يُبدي زينة لغير صاحبها ولا يخون ولا يسرق نظرة ولا لمسة ولكنه يصرِّف ذلك كله في مكانه وزمانه ولأهله في حدود ما أحله الله تعالى.
إن ديننا هو دين الحب الحقيقي النظيف العفيف الذي لا يخدش حياءً ولا يُبدي زينة لغير صاحبها ولا يخون ولا يسرق نظرة ولا لمسة ولكنه يصرِّف ذلك كله في مكانه وزمانه ولأهله في حدود ما أحله الله تعالى
إن الحب الذي أقره الشرع ورغب فيه هو ذاك الحب هو ذلك الحب الحسيس الدائم الذي يروي المشاعر ويُشبعها. إن الحب الذي يُستدعى في المناسبات لا يروي الظمأ ولا يشبع المشاعر إنما هو كمن أشعل ناراً وتركها تأكل كل ما حولها أو كمن أعد مائدة شهية لجائع نهم ثم أبعده عنها وحرمه منها وتركه يعذب من شكلها ورائحتها.
إن الحب بمفهومه الشامل علاج ناجع لكل الأمراض النفسية والبدنية والاجتماعية، والافتقار لطاقة الحب يجعل شتى الأمراض تتكالب على النفس فتهلكها وعلى المجتمعات فتفككها وعلى الحضارات فتبيدها.
إن الحب الذي يروي المشاعر ويُشبعها هو ذلك الحب الحسيس الدائم وليس الحب الدافق المتقطع الذي ينتظر سبباً ليكون ، إن مثل هذا الحب لا يروي الظمأ ولا يشبع المشاعر .
إن الحب الصادق لا ينتظر مناسبة ليحضر ولا يختفي ببعد المسافات بل إن وتيرته واحدة مع اختلاف الأوقات والأماكن ومع بعد المسافات.
إن الحب الصادق لا ينتظر مناسبة ليحضر ولا يختفي ببعد المسافات بل إن وتيرته واحدة مع اختلاف الأوقات والأماكن ومع بعد المسافات
إن الأوقات والأماكن والمناسبات تحفز الحب ولكنها لا تولِّد الحب.
إن الحب الحقيقي لا يُزيده قرب ولا ينقصه بُعد.
إن الحب الحقيقي لا يُزيده ثراء فاحش ولا يُنقصه فقر مدقع.
يقولُ الأستاذ سيد قطب رحمه الله: "إن الإسلام يهدفُ إلى إقامة مجتمعٍ نظيف، لا تُهاجُ فيه الشهوات في كلِّ لحظة، ولا تستثارُ فيه دفعات اللحم والدم في كل حين، والنظرة الخائنة، والحركة المثيرة، والزينة المتبرجة، والجسم العاري، كلها لا تصنعُ شيئاً إلاَّ أن تهيج ذلك السعار الحيواني المجنون! وإحدى وسائل الإسلام إلى إنشاءِ مجتمعٍ نظيف، هي الحيلولة دون هذه الاستثارة، وإبقاء الدافع النظري العميق بين الجنسين سليماً، وبقوته الطبيعية، دون استثارة مصطنعة، وتصريفه في موضعه المأمون النظيف" .
كما يقول أيضاً: "إن الميل الفطري بين الرجل والمرأة ميل عميق في التكوين الحيوي لأن الله قد ناط به امتداد الحياة على هذه الأرض وتحقيق الخلافة لهذا الإنسان فيها، فهو ميل دائم يسكن فترة ثم يعود، وإثارته في كل حين تزيد من عرامته وتدفع به إلى الإفضاء المادي للحصول على الراحة، فإذا لم يتم هذا تعبت الأعصاب المستثارة وكان هذا بمثابة عملية تعذيب مستمرة! والنظرة تثير، والحركة تثير، والضحكة تثير، والدعابة تثير، والنبرة المعبرة عن هذا الميل تثير، والطريق المأمون هو تقليل هذه المثيرات بحيث يبقى هذا الميل في حدوده الطبيعية، ثم يلبي تلبية طبيعية، وهذا هو المنهج الذي يختاره الإسلام، مع تهذيب الطبع، وشغل الطاقة البشرية بهموم أخرى في الحياة، غير تلبية دافع اللحم والدم، فلا تكون هذه التلبية هي المنفذ الوحيد! " أ هـ.
وأخيراً أقول: إنها لم تكن مُصادفة أن تقبض روح النبي صلى الله عليه وسلم بين سحر السيدة عائشة ونحرها، أي بين صدرها وذقنها، لنعلم مدى حاجة الإنسان إلى الحب والاستئناس بمن يحب في أصعب أحواله وحتى آخر أنفاسه.
اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.