ليس سهلاً أن تتحدث لطفل عن شخص لم يره، وعن زمن بعيد في كل تفصيلاته عن عالمه الصغير، لكنه ليس صعباً أيضاً في حال أمسكنا بالمفاتيح الصحيحة لطرح السيرة النبوية الشريفة على مسامع أطفالنا، وإغراقهم بالمعلومات الصحيحة التي ستحفر في العقول والنفوس على رغم صغرها، وستزيدهم حباً لله الخالق والنبي محمد.
يعتبر يوم المولد النبوي فرصتك الذهبية للبدء بتعريف الطفل بالنبي صلى الله عليه وسلم وقصة حياته بدءاً من المولد، كيف ولد؟ ومن أبوه ومن هي أمه؟ كيف عاش يتيمأ؟ مرضعته ومضارب بني سعد، عودته لمكة ويتمه المتكرر بوفاة الأم والجد، كيف كان قبل البعثة "الصادق الأمين"، إلى جانب الكثير من المحطات، مع ضرورة الاستمرار في الحديث المتكرر واليومي عن النبي وتفاصيل القصة حتى الوفاة، وأن لا يكون التطرق للسيرة النبوية مقتصراً على يوم المولد فقط.
اغرسوا حبه في نفوس أبنائكم
يفتتح الداعية الدكتور أسامة جابر حديثه لبصائر بالقول: "ذكرى المولد النبوي فرصة رائعة جداً، تتيح لنا الفرصة في أن نقصّ على الأبناء بشكل جميل محطات من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والأحداث التي سبقت ذلك اليوم وتبعته، ليسمعوا منا الصلاة الكثيرة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، ولنناقشهم في بعض القضايا المتعلقة بالنبي عليه الصلاة والسلام والتحديات التي عاشها وربط ذلك اليوم بسورة الضحى، هذه السورة التي يمكن أن تكون أحد العناوين التي نستذكرها في يوم المولد ونبين لأبنائنا كيف أن الله سبحانه وتعالى آوى النبي صلى الله عليه وسلم في يتمه ووجده عائلاً فأغناه.
ويضيف جابر: موضوع التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وقصة مولده من الأشياء الجميلة التي نستثمر فيها مثل هذا اليوم، فيمكن إقامة مسابقة في البيت أو المركز أو المدرسة في أبرز محطات حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن نعطي الأطفال المشاركين مجموعة من الكتب حول السيرة لكي يستخرجوا منها المعلومات التي سنسألهم عنها في المسابقة. كذلك بعض الأناشيد الجميلة التي أحبها أولادنا ورددوها، يمكن أن نقيم لهم مسابقة تحت اسم "مواهب المحبين" فيرسم الطفل رسمة أو ينشد أنشودة أو يلقي قصيدة أو يقرأ آية بصوت جميل أو غيرها من الأفكار ذات البعد المتعلق بالمواهب.
ويضيف: الاحتفاء بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أمر مشروع، وأفضل وسيلة لغرس محبة النبي في قلوب الأبناء هو التعريف به وبسيرته وأخلاقه وتعاملاته، ومن أجمل الأشياء أن يعرف الطفل كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال والأهم من ذلك كه أن نتعامل نحن مع أبنائنا بشكل طيب ونخبرهم أننا نحسن إليهم لأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتعامل هكذا مع الأطفال ونحن نقتدي به.
ويؤكد جابر على أنه لا بد من ربط حبنا للنبي صلى الله عليه وسلم بحبنا لله تعالى، وذلك لتفضي محبته للمزيد من حب الله عز وجل، ولذلك يجب أن نقوم بتوجيه نظر الطفل باعتبار محمد صلى الله عليه وسلم هدية من الله للعالمين، بعد انتشار الظلمات والمظالم في الأرض خلال الفترة التي سبقت مبعثه.
وأضاف جابر: "إن الحديث عما قبل محمد ومقارنته بما بعده مهم جدا" في بناء وعي الطفل ومعرفته بالرسول الكريم وحبه والرغبة بالصلة به من خلال ذكره والصلاة عليه ".
وأرشد جابر أنه ينبغي عند قراءة السيرة مع الطفل التركيز على الجوانب الاجتماعية والعاطفية خاصة مع الأطفال والفتيان.. وصور من علاقة الرسول الكريم معهم قبل البعثة وبعدها، كالحديث عن علاقته مع أبنائه وأحفاده وأبناء الصحابة وحبه لهم وعلاقته بهم وصور تعامله معهم، بالإضافة لقراءة قصص فتيان الصحابة كجابر وابن عباس وابن سمرة ومعاذ وزيد وعلي وأمامة وعائشة "للفتيات" وغيرهم رضوان الله عليهم.
وقال جابر: لن يشعر الطفل بأثر ذلك كله إلا أن يرى ما نقرؤه له حياً في تعاملنا معه ، وأن نبين له أن تعاملنا الإيجابي معه نابع من التزامنا بوصايا رسول الله واتباعا" لسنته، وهذا أهم تجسيد لسيرة رسولنا في حياة الطفل حتى لا تبقى أسيرة صورة تاريخية بعيدة عن واقع الطفل اليومي.
ويشجع جابر الآباء والأمهات على عرض المقاطع المصورة في رواية السيرة النبوية لأثر ذاك القوي على أبنائنا، وقوة الصورة في إرسال الرسالة المطلوبة مع جلسات حوار ونقاش قصيرة بعد مشاهدة كل مقطع لضمان ترسيخ المفاهيم الإيجابية ومجالاتها في حياتنا الحالية، مضيفاً أن الفضاء الإلكتروني متاح فيه الكثير من المقاطع المرئية المفيدة التي تصور كرتونيا"أحداث السيرة النبوية" وتقربها من الطفل بشكل مميز وأنصح هنا بمنتج: (حبيب الله) وهو مسلسل تلفزيوني جيد بإخراج ممتاز.
كيف نجعل هذا اليوم مميزاً؟
المدربة آمنة السقا قالت في حديثها لبصائر بأن يوم المولد النبوي الشريف هو يوم يُنتظر بشوق في كل عام، فهو اليوم الذي كان لنا من خلاله شرف الحصول على وسام الفوز بنيل أعظم رسالة و أعظم دين، ولذلك حري بنا أن نميّز يوم ولد فيه حبيبنا علىه الصلاة والسلام، من خلال أفكار مناسبة وإبداعية تساعدنا على إضفاء رونق وجمال يرسخ في أذهان أطفالنا ويسعدنا أيضاً، سواء كان هذا النشاط في المدرسة أو البيت أو التجمعات المختلفة.
وتقترح السقا أن يتم الاستعداد والتخطيط في المحيط الأسري ليوم المولد النبوي من خلال الاجتماع والمناقشة، و تحديد الأعمال والأنشطة التي يرغبون بالقيام بها في البيت إلى جانب الأنشطة التي يرغب أبناؤنا أن يشاركوها زملاءهم في المدرسة، فهذه الأجواء التحضيرية تلهب جذوة الفرح والترقب، فنبدأ اليوم من الاستيقاظ باكرا مع الفجر والذهاب للصلاة في المسجد مع أطفالنا لنكون قدوة لهم، مع ترديد الصلاة على النبي طوال الطريق أو إنشاد مدائح اتفقت العائلة على حفظها.
وتضيف السقا أنه يمكن تعريف الأطفال بالأطعمة التي كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكلها بشكل عملي، فيمكن أن تقوم الأم بتحضير فطور مميز، كالتمر والدباء (القرع) والرطب والقثاء (القتة، الفقوس، وهو قريب الشبه بالخيار، ولكنه أطول، ويؤكل في الغالب نيئاً، كما يدخل في إعداد السلطات والمخللات)، وتزيينها بعبارات و مطبوعات جميلة فيها ذكر النبي عليه السلام وتصاميم ممكن أن تتميز كل أم بذوقها و ترتيبها، يتخلل ذلك جو من الروحانيات بقراءة أذكار الصباح ووضع أناشيد مدح النبي عليه السلام.
وحول النشاطات المدرسية تقترح السقا تخصيص عرض لقصص من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، إلى جانب عرض بطاقات قصصية عن سيرته مع إرفاق صور تقريبية للبيئة ومكان الأحداث والرموز الخاصة بالمسلمين، أو عمل مسرح دمى فيه مقتطفات تروي حدث مولد النبي من خلال حوار بين دمى بشرية أو حيوانات ناطقة، وهذه الأساليب دائما ما تجذب الأطفال وتترك في ذاكرتهم أثرا لا يمحى.
وأضافت السقا أن استخدام الألوان التي كان يحبها النبي صلى الله عليه وسلم في تغليف الحلوى أمر جميل لأن الطفل سيتعرف عليها وسيحبها، كما يمكن تحضير حلوى يزينها الطلاب بهذه المناسبة باللون الأخضر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه.
وقالت السقا: "من الممكن عمل نشاط فني بكل ما يخص النبي من أدواته ومقتنياته وأسمائها ودلالاتها فمثلا راية رسول الله، ويذكر في هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان من خلقه تسمية دوابه و سلاحه و متاعه، فكان اسم رايته العقاب، و اسم سيفه الذي يشهد به الحروب ذو الفقار، و كان له سيف آخر يقال له المخذم، و آخر يقال له الرسوب". (رواه الطبراني).
وتضيف السقا: "يتسنى لنا في هذا اليوم ذكر هدي النبي عليه السلام في اللباس، و أمور كان يفعلها، وذكر صفاته الجسدية والخلقية ، ومن الجميل الاتفاق على صفة معينة نتمثلها في هذا اليوم، وتقرير ما كان عليه السلام يحب ويكره، وإحياء سنن النبي عليه السلام خاصة المهجورة منها والمقصود منها تذكير الناس بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، وما شرعه لأمته، في زمن ترك الناس العمل بأغلب ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم وهي من الأفكار المؤثرة جداً.
وتستشهد السقا بتجربة أحد النوادي الصيفية حيث أقيم نشاط يتمثل بعمل زاوية خاصة لكل سنة من السنن المهجورة مع بطاقات وشرح وعرض بطريقة محببة ومميزة بحيث يخرج المدعوون بنتائج باهرة كحفظ هذه السنن ومحاولة تطبيقها كما وأن العمل بها ملزم في وقتها.
ومما اقترحته السقا عمل مشروع يبدأ من هذا اليوم مثل عمل حصالة صدقات على شكل المسجد النبوي الشريف أو صندوق مزين بالصلاة على النبي.
وختمت السقا حديثها لبصائر بالقول إنه من المحبذ استثمار أفكار الأبناء من خلال عمل عصف ذهني لطرح أكبر عدد من الأفكار الإبداعية لعمل مشاريع هادفة يقوم عليها أبناؤنا ويكونون هم محور التعلم والعمل فيها ، بحيث نراقبهم كمشرفين موجهين لأفكارهم وإبداعهم دون التقليل من شأن أي فكرة يطرحوها بل العمل على دمجها مع أفكار أخرى ومدحهم على مبادراتهم وربط ذلك بحديث النبي عليه السلام: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز..) (رواه مسلم).