إن الإنسان يمر في حياته بمواقف تستجيش ما في نفسه فتخرج منه عبارات صادقة لا تلون فيها ولا تكلف، عبارات تختزل المشهد بكامله في كليمات بسيطة، عبارات لو تلقفها فنان لشكل منها صورة فنية رائعة، ولو تلقفها شاعر لصاغها في أبيات لأروع القصائد، ولو تلقفها كاتب لألف منها أروع كتاب.
هذه العبارات تضاف إلى التراث البشري على شكل حكم وأقوال مأثورة تتوارثها الأجيال لتكون لهم نبراساً في مواقفهم الحياتية المماثلة.
هذا كله يتم مع عبارات قالها بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فما بالنا إذا جاءت هذه العبارات على لسان من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم؟
لقد ساق الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم عبارات في مواقف من حياته لو تمسكنا بها لاستقامت لنا كل شئون الحياة.
• ففي ﻟﺤﻈﺔ الحب والحنان.. يُدهشني تعبيره صلى الله عليه وسلم عن مدى حبه للسيدة خديجة رضي الله عنها بقوله: "إني قد رُزِقْتُ حُبَّها".
كما يدهشني أيضاً وصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تصف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع فمه الشريف موضع فمها على القدح حين تشرب وموضع فمها على اللحم حين تأكل.
♦ حينها أتعلم كيف أتودد لزوجتي وكيف أعبر لها عن حبي العميق ومشاعري الجياشة نحوها فتتهلل جدران بيتنا بالأنس والحب والسعادة.
• وفي لحظة الحزن .. يطن في أذني قوله صلى الله عليه وسلم عندما فقد ابنه إبراهيم "إنَّ العينَ تدمَعُ والقلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزنونَ".
♦ حينها تتأدب نفسي فلا تجزع لقضاء الله جزعاً منهياً عنه ولا تتلفظ بلفظ يغضب ربها.
• ﻭﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الضعف والهوان.. أطلق الزفرات معه صلى الله عليه وسلم وهو ﻳﺸﻜﻮ إلى ربه ﺿﻌﻒ ﻗﻮِّﺗﻪ ﻭﻗﻠﺔ ﺣﻴﻠﺘﻪ ﻭﻫﻮﺍﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ.
♦ حينها أتعلم كيف يكون حال الداعية حين يواجهه المدعوين بالإعراض والأذى.
• وفي لحظة المزاح.. أتذكر وصف الصحابة الكرام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح ولا يقول إلا صدقاً وكان يبتسم حتى تظهر نواجزه.
♦ حينها أنضبط في ألفاظي وأتزن في مشاعري فيزيدني ذلك حكمة ووقاراً.
• وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الرحمة.. أتذكر لعب الحسنُ والحسينُ على ظهرِه الشريف صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فإذا رفع رأسَه أخذهما بيدِه من خلفِه أخذًا رفيقًا ويضعُهما على الأرضِ، فإذا عاد للسجود عادا حتَّى إذا فرغ من صلاتَه أقعدهما على فخِذَيْه.
♦ حينها أذهب إلى أطفالي وأتصابى لهم لأزيل عن كاهلهم مُنغصات الحياة ولأدخل على قلوبهم السرور.
• ﻭﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الضيق.. تلمع ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻲَّ ﻭﻣﻀﺔ مِعْوَلِه صلى الله عليه وسلم في غزوة ﺍﻟﺨﻨﺪﻕ وهو يهوي به على الصخرة فيتطاير الشرر فيبشر صحابته الكرام بفتح الروم وفارس واليمن.
♦ وحينها تمتليء نفسي بالتفاؤل واليقين بنصر الله وتأييده لعباده المؤمنين.
• وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ والودّ والأنس.. أتذكر قوله صلى الله عليه وسلم ﻟﻤﻌﺎﺫ رضي الله عنه: "يَا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ".
♦ حينها أحرص على أن أهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم فما أترك أحداً من أحبابي إلا صارحته بحبي له فأجد الوشائج قد قويت والوجوه قد تهللت والأسارير قد انفرجت.
• ﻭﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الوحدة والخوف.. ﻳﺄﺗﻴﻨﻲ ﺻﻮته صلى الله عليه وسلم ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺭ الموحش وهو يقول لـﺻَﺎﺣﺒﻪ: "لا تحزن ﺇﻥّ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻌﻨﺎ".
♦ حينها أطمئن نفسي قائلاً: "من معه الله فمن يقهره؟ ومن معه الله فمن أين يعتريه الخوف والهلع؟ ومن معه الله فكفى به أنيساً.
• وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الثبات على المبدأ .. ﺃتذكر ثباته صلى الله عليه وسلم حين حاولت قريش أن تثنيه عن دعوته وأذكر قوله لصناديد قريش: "أترون هذه الشمس؟ قالوا: نعم، قال: "ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك من أن تشعلوا منها شعلة".
♦ حينها أوقن قدر التضحية وقدر التمسك بالحق مهما كانت العقبات ومهما عظمت التكاليف.
• وﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ الاﺧﺘﻴﺎﺭ.. أتذكر قوله صلى الله عليه وسلم عندما خطب في آخر حياته فقال: "إن عبداً خيَّره الله تعالى بين الخُلد في الدنيا ما شاء الله، وبين لقاء ربه، فاختار لقاء ربه".
♦ حينها أتذكر قوله تعالى: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾. وأوقن أن المسلم لابد وأن يؤثر الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.
• هذه لحظات عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه كُليمات من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم والحري بنا أن نحسن الاقتداء الاتباع والطاعة طامعين أن نُحشر في زمرته وتحت لوائه صلى الله عليه وسلم.
طبت حيا وميتا يا سيدي وحبيبي ونور عيني يا رسول الله