ليس مسؤولا، ولا صاحبَ مؤسسات، أو من أثرياء القوم، ولا يدّعي أنه من النخبة التي كثيرا ما يتحدث عن دورها الإعلام، بل هو قارئٌ نهم للكتب، نذر نفسه لخدمة العلم والبسطاء من الناس بما توفر لديه من وقت وإمكانات، حدثني في جلسة أخوية عن أحوال البلاد والعباد بعد أن حاولتُ استنطاق حِكمته فقال: هل تدري أن كافة الحلول التي يسعى البعض إلى تقديمها بغرض حل مشكلات البلاد وتحقيق التطور المنشود لها لن تُجدي نفعا خاصة ونحن نعيش في عالم تَحكَّمت فيه القوى الكبرى التي ابتعدت عنّا بعقود من الزمن في جميع المجالات، علميا وتكنولوجيا وسياسيا واقتصاديا، وامتلكت من الوسائل ما لا قِبَلَ لنا به، بل لن نستطيع استيعابها حتى ولو أردنا؟ هل تدري أن مشكلتنا بالأساس ليست سياسية ولا اقتصادية ولا تقنية ولا علمية، وأننا لن نستطيع حلها وإن جنّدنا كافة الوسائل والإمكانات التقليدية، وأنه علينا البحث عن الحلول في مكان آخر؟ سألته: وما هي مشكلتنا في نظرك؟ وما حلولها؟ أجاب إجابة الواثق من نفسه، المستند إلى دروس التاريخ التي اطلع عليها، وعلى كرونولوجيا مضبوطة للحرب والحضارة والتقدم والتخلف: مشكلتنا الأساسية، أخي المحترم، أننا لم نعد نُحب بعضنا البعض… وإذا ما استطعنا حل هذه المشكلة تمكَّنا بعدها من كل شيء… وتشعّب بنا الحديث في أصل الداء والدواء… ووجدت أن ما يقوله بالفعل هو عين الصواب، ونحن عن ذلك من الغافلين… وطرحت على نفسي السؤال التالي: هل صحيحٌ أننا لم نَعُد نُحِبُّ بعضنا البعض، بهذه البساطة؟ وهل هذه مشكلة صغيرة، أم هي أصل المشكلات؟
ولم أحتَج إلى كثير من الوقت ليمرَّ أمامي شريط العلاقات بين الناس من قمة الهرم إلى قاعدته.. بالفعل لقد أصبحَتْ العلاقة بين بعضنا البعض خالية من هذا المعدن الذي لا يُقدَّر بثمن، إلا لدى قلة من رحمة الله الواسعة… وتسارعت إلى ذهني كلمات أحد الشباب يقول على مسمعي: إنني لا أدري من أين يأتي الناس بهذا الكمِّ الكبير من الكراهية وهم يُعلِّقون على موقف بسيط يختلفون فيه معي في الفضاء الأزرق؟ وتسارعت بعدها صور الشريط الأخرى تباعا، تؤكد ذات الموقف: كراهية بين السياسيين، كراهية بين المسؤولين، كراهية بين الأثرياء والمستثمرين، كراهية بين الفقراء، بل حتى بين المصلين في بيت الله الواحد، وقس على ذلك…
حقيقة، ما الذي يحدث في مجتمعنا؟ وهل نستطيع بناء دولة من غير أن تسود قيمة المحبة بين الناس؟ بل هل نسينا كمسلمين أن الحجر الأساس لبناء أول دولة في الإسلام كان هو الأخوَّة، وهي التي تشمل المحبَّة وما هو أعمق منها؟ من يستطيع أن يفعل ذلك؟ من يستطيع أن يعيد تفجير هذه الطاقة الخلاّقة الربانية والعرفانية بين الناس؟ لعله بالفعل أصبح سؤالاً ينبغي أن نطرحه قبل أي محاولات للإجابة… لقد صدقت أيها الصديق المحترم في تشخيص الداء ووصف الدواء.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الشروق الجزائرية