تعج الكثير من المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي باستشارات وشكاوى من قبيل: "ماذا أفعل قد جاوزتُ الثلاثين ولم أتزوج؟! إنني أخشى أن يمضي بي العمر، ولا أجد الشخص المناسب، وأعيش وحيدة!" أو "إنني أشعر بفراغ كبير في حياتي، فقد أنهيتُ دراستي وتخرجت من الجامعة، ولكنني لم أتقن مهارة أو أتوظف قط على أمل أنني كنت سأتزوج، والآن أنا وحيدة وتعيسة، أرجوكم ساعدوني!"...إلخ. وفي هذا المقال سنعرض بعض الاقتراحات التي قد تعين بإذن الله على الخروج من تلك الأزمة.
ولكن بداية، لنعلّق على فحوى شكاوى تلك الفتيات، فمن يقرأ كلمات إحداهن يتراءى له للوهلة الأولى أنها وقعت في بئر عميقة، وأنها إنما تروي قصة نهايتها، ولكن من يُنعِم النظر قليلًا، سيجد أنها تعاني في الحقيقة من مشكلتين أساسيتين، يعاني منها الكثيرات -سواء من المتزوجات، أو من غيرهن- ويتغلبن عليها بأنفسهن، وبالاستعانة بالله تعالى، ثم بآخرين ممن ييسرهم الله كإخوة أو صحبة أو أسرة.
-المشكلة الأولى: الوحدة
والحل المجتمعي الغالب للأسف -بالذات في حالة العازبات- هو الزواج، وإن كان من الشخص غير الكفؤ أو غير المناسب ، وهذا هو عين الحل الذي يخطر في عقل كثير من الفتيات في تلك السن، لذا، فإنه لا غضاضة على التفكير فيه كواحد من الحلول، فهو قد يكون مؤثرًا وفي محله إذا يسر الله لك الزواج من الشخص الصحيح، وبالتالي تنشغل المرأة بالزوج والأطفال، وتنال أجر الزوجة المطيعة والأم الرؤوم، وتستثمر وقتها بما يرضي الله وينفعها والأمة.
وإنما تكون الغضاضة في حصر الحلول في حل واحد وحيد، ألا وهو الزواج، والذي يعد رزقًا قد يكتبه الله للإنسان وقد لا يكتبه، وفي كل -لا ريب- خير! ويغيب عن بال الفتاة التفكير في أحوال من تزوجن ربما قبل الثلاثين بكثير، ثم من عاشت أرملة، أو مطلقة، أو مُعلَّقة، أو وحيدة حتى في زواجها، فالشاهد أنه إذا كُتبت على إنسان الوحدة، فلا رادَّ لها، والوحدة قد تكون ابتلاءً من الابتلاءات، ولكنها يقينًا ليست أعظمها، علاوة على أن الزواج ليس حلّها الوحيد، هذا إذا افترضنا كونه حلًا !
إنما تكون الغضاضة في حصر الحلول في حل واحد وحيد، ألا وهو الزواج، والذي يعد رزقًا قد يكتبه الله للإنسان وقد لا يكتبه، وفي كلٍّ لا ريب خير
فهناك حلول أخرى منها: الصحبة، والصداقة، والأخوة، وصلة الرحم، أوليس كل هذه أمور تمنع الوحدة؟! أوليست هي كذلك رزق يؤتيه الله من يشاء؟! بل قد تصبح أحيانًا خيرًا من الزواج في علاج تلك المشكلة! بل والأدهى من ذلك أن الفراق في بعض تلك الأحوال يكون أقل ضيرًا من فراق الزواج، فلا طلاق يَكسِر المرأة، ولا أطفال تدفع ثمن الفراق! فحبذا لو تحرص الفتاة التي تشكو تلك الشكوى على بناء علاقات طيبة بمن تتوسم فيهم الصلاح من أسرة وأقارب وصديقات، فلا تدري لعلّ الأيام تدور، ويكون أحد هؤلاء الصاحب أو الرفيق، سواء كان أبًا أو أخًا، أو أمًا، أو أختًا أو صديقة أو غيرهم.
-المشكلة الثانية: الفراغ
وتلك كذلك يعاني منها الكثيرات –للأسف-، وعلى رأسهن العديد من المتزوجات، والحل يأتي في عدة خطوات:
أولًا: هو أن تشغل الفتاة نفسها بما ينفع، فإذا كانت جامعية مثلًا، فلم لا تستفيد بشهادتها تلك وتعمل في تخصصها؟! والعمل على ما فيه من العيوب والابتلاءات، فهو لا يخلو من التجارب والدروس المفيدة تمامًا كابتلاءات الحياة.
ثانيًا: أما إذا لم ترغب في العمل، أو لم يتيسر لها، فيمكنها أن تشغل نفسها بأنشطة مختلفة، كالقراءة أو الكتابة، ولتحرص على تعلم مهارة تفيدها في دنياها أو آخرتها أو كليهما، مثل: أن تحفظ القرآن، أو تتعلم الخط، أو لغة جديدة، أو مهارة ودَّت تعلمها دائمًا: كالطبخ أو الرسم، أو ربما شيء جديد لم يخطر على بالها من قبل، أو ربما خطر وتجاهلته، أو أجلته؛ لتركيزها على موضوع الزواج وحرصها عليه، فالآن حان وقت تنفيذه إذن.
كذلك من المحبذ ألا تَغفل الفتاة أن يكون لها مصدر رزق تكون هي مسؤولة عنه، كمشروع تقوم به، أو تجارة صغيرة، أو عمل حر، أو مدخرات، أو غيرها، فكثيرات ممن يخشيْن الوحدة أو يرغبن بالزواج، يكون سبب خوفهن الأساسي ودافعهن الرئيسي هو عدم وجود عائل مستقبلًا، فلتثق الفتاة في رحمة الله أولًا، ولتأخذ بالأسباب ثانيًا، وذلك بأن تحرص على توفير مصدر رزق لها، وإن صَغُر.
من المحبذ ألا تَغفل الفتاة أن يكون لها مصدر رزق تكون هي مسؤولة عنه، كمشروع تقوم به، أو تجارة صغيرة، أو عمل حر، أو مدخرات، أو غيرها
ثالثًا: يصل الإنسان أحيانًا إلى مرحلة التشبع من إفادة ونفع نفسه، فلتستغل الفتاة تلك الفترة في نفع الآخرين، فإذا كانت تملك القدرة على الشرح مثلًا، فلتعلِّم غيرها ما تعلَّمتْه هي، سواء كانت لغة أو مهارة يدوية، أو غيرها، وإن كانت تحفظ القرآن، فلتقم بتحفيظ غيرها، وبهذه الطريقة، تشغل وقتها، وتنفع أحدًا، وتكسب بإذن الله أجرًا.
وأخيرًا، الله ثم الله في حياتك، فأكثري من الدعاء والرجاء والصدقات وحسن الخلق والعطاء ، فإذا ضاع الخير مع أهل الدنيا، فإنه مع الله لا يضيع، وكلما شغل هذا الأمر إحداهن وخطر على بالك، فلتستكثر من الاستغفار والدعاء، ولتفوض أمرها إلى الله ولتطمئن، فلا تدري لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرًا!