تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن مدى أهمية اللغة العربية والتأصيل الشرعي لذلك من كتاب الله تعالى ومن أقوال أعلام الأمة وأرباب اللغة.
ثالثاً: شهادات غربية في حق اللغة العربية
• قال ارنست رينان في كتابه (تاريخ اللغات السامية): "تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ورقة معانيها وحسن نظامها، ظهرت كاملة من غير تدرج".
• ومدح المطران يوسف داوود الموصلي اللغة العربية قائلاً: "أقرب سائر لغات الدنيا إلى قواعد المنطق عباراتها سلسة طبيعية".
• وفي حديث للمستشرق ماسينون عام 1949 تحدث عن تركيب اللغات المختلفة فأوضح أن العربية تفضل العبرية والسريانية لقدرتها على الجمع بين خصائص السامية، والميزات الخاصة التي تتمثل في سعة مدارجها الصوتية من أقصى الحلق إلى ما بعد الشفتين، مما أدى إلى انسجام صوتي مع توازن وثبات بالإضافة إلى الرابطة القوية بين ألفاظها، ولكل صوت من اللغة العربية صفة ومخرج وإيحاء ودلالة ومعنى وإشعاع وصدى وإيقاع.
• يقول أحد المستشرقين: ليس على وجه الأرض لغة لها من الروعة والعظمة ما للغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أمة تسعى بوعي أو بلا وعي لتدمير لغتها كالأمة العربية.
رابعاً: فصاحة وبلاغة ونوادر من تراث اللغة العربية
• فصاحة أعرابي:
قال الأصمعي: كنت أقرأ: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " وكان بجانبي أعرابي فقال: كلام مَن هذا؟ فقلت: كلام الله. قال: أعِد. فأعدت، فقال: ليس هذا كلام الله. فانتبهتُ فقرأت: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" فقال: أصبت. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. قلت: فمن أين علمت؟ فقال: يا هذا، عزَّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع.
• شعر قُلعت عيناه فأبصر:
جاء في كتاب "خزانة الأدب وغاية الإرب" : كان للرشيد جاريهٌ سوداء، اسمها خالصة. ومرةً، دخل أبو نُوَاس على الرشيدِ، ومَدَحَهُ بِأَبْيَاتٍ بَليغةٍ، وكانتْ الجاريةُ جالسةً عندهُ، وعليها مِنَ الجواهرِ والدُرَرِ ما يُذهِلُ الأبْصارَ، فلمْ يلتفِتْ الرشيدُ إليه. فغضِب أبو النُواسِ، وكتبَ، لدى خُرُوجهِ، على بابِ الرشيدِ
لقدْ ضاعَ شعري على بابكمْ كما ضاعَ درٌ على خالصة
ولما وصلَ الخبرُ إلى الرشيدِ، حَنِقَ وأرسل في طلَبِهِ. وعنْد دُخولهِ مِنْ البابِ محا تجويفَ العينِ مِنْ لَفْظَتِيْ (ضاعَ) فأصبحت (ضاءَ). ثم مَثُلَ أمام الرشيدِ. فقالَ لهُ: ماذا كتبتَ على البابِ؟ فقالَ:
لقد ضاءَ شِعْرِي على بابِكُم كَما ضاءَ دُرٌ على خالِصَة
فأُعْجِبَ الرَّشيدُ بِذلِك وأجازه. فَقَالَ أحدُ الحاضرينَ : هذا شعرٌ قُلِعَتْ عَيْنَاهُ فَأبْصَرَ.
خامساً: بعض المقترحات للاهتمام باللغة العربية :
إن العلاج يجب أن يبدأ من البيت منذ نعومة أظافر الطفل، ويبدأ كذلك من المدرسة حيث يتم تلقين الطفل اللغة العربية تلقيناً صحيحاً، ومن هنا يمكن أن ندرك الدور الكبير للبيت والمدرسة معاً في سبيل معالجة هذه الآفة التي تنهش جسد اللغة العربية.
ومن مقترحات العلاج أيضاً:-
1- يجب الاهتمام بالمناهج التربوية التي تهدف إلى النهوض باللغة العربية، والعمل على تبسيط قواعد اللغة والتدرج في تعليمها بأسلوب شيق وجذاب يركز على الحد الأدنى على الأقل وهو تقويم اللسان وفهم القدر الكافي من قواعد اللغة التي تمكن من فهم الدين.
2- الاهتمام بتدريب المعلمين في كافة التخصصات على الاهتمام باللغة العربية وفهم قواعدها التي من شأنها تقويم اللسان وفهم الدين.
3- الاهتمام بتقنيات التعليم الحديثة في تدريس اللغة العربية وتدريب المعلم على ذلك قبل تعيينه واعتبار ذلك ضمن مصوغات التعيين.
4- الاهتمام باللغة العربية الفصحى في الوسائل المسموعة والمقروءة التي من شأنها مخاطبة المواطنين والابتعاد عن اللهجات العامية.
5- اهتمام الجامعات بتدريس اللغة العربية، والعمل على تعريب المناهج، مع الاستعانة بمجامع اللغة العربية للتدقيق ومراجعة المصطلحات الجديدة على اللغة.
- هذه بعض المقترحات ومن المؤكد أن هناك غيرها الكثير والكثير ولكننا لابد وأن نضع أقدامنا على بداية الطريق فمن سار على الدرب وصل.
وختاماً: هل آن لنا الأوان بعد معرفتنا بهذه القشور الرقيقة عن لغتنا العتيقة أن نزيل الرماد عن لغة الضاد؟ نزيل عنها الرماد لترجع لسابق عهدها وسمو مكانتها التي تليق بكونها لغة القرآن الكريم!
اللهم احفظ لغتنا واحفظ القائمين على أمرها وفقهنا في علومها وأطلق ألسنتنا بفصيحها