الإسلام منذ نشوئه وحتى ظهور السلطنة العثمانية

الرئيسية » كتاب ومؤلف » الإسلام منذ نشوئه وحتى ظهور السلطنة العثمانية
الإسلام منذ نشوئه حتى ظهور السلطنة العثمانية - غلاف أمامي

يُعتبر ميدان الاستشراق من بين أهم ميادين المعارك التي يخوضها الإسلام؛ حيث تجري في الجبهة الأهم للدعوة الإسلامية، وهي جبهة الإسلام خارج أرضه، وفق المصطلح الموفَّق الذي استعمله الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله.

وفي حقيقة الأمر؛ فإن هذه القضية ليست بالتصور السطحي البسيط الذي يراه البعض؛ حيث إن موضوع الاستشراق والصورة الذهنية التي يعكسها عن الإسلام في المجتمعات الغربية، إنما هو باب واسع ومتعدد الأبعاد، ومن أهمها باب واسع تهمله الصحوة الإسلامية، وهو باب المستشرقين المنصفين، الذين يشكلون رأس حربة مهمة للغاية في التصدي للتشويش الذي يقوم به مستشرقون آخرون، معادون للإسلام والحضارة الإسلامية؛ حيث يُعتبر التواصل والتنسيق مع هؤلاء المنصفين، أحد أهم واجبات الوقت.

والكتاب الذي بين أيدينا، "الإسلام منذ نشوئه وحتى ظهور السلطنة العثمانية"، للمستشرق كلود كاهن، هو أحد أهم الكتب التي خرجت إلى النور في الغرب، متضمنةً صورة مختلفة عن الإسلام وحضارته، وصوَّبت الكثير من التعسُّفات والأخطاء التي احتوتها كتابات استشراقية أخرى.

اختار المؤلف في هذا الكتاب رصد رصد تاريخ الإسلام، دولةً ومجتمعًا، في الفترة التي كانت فيها السيطرة على الخلافة الإسلامية عربية، وجاء في 14 دراسة أساسية، كان ترتيبها في إطار خط زمني، مع احتواء هذه السردية الزمنية على تقسيم موضوعي، سياسي واجتماعي واقتصادي، وغير ذلك من صور النشاط الإنساني العام.

بدأ الكتاب بتناول واقع العرب قبل ظهور الإسلام، وكيف كانوا أمةً متفرقة، وتلعب دورًا هامشيًّا في صيرورات الحضارة الإنسانية في ذلك الحين، ثم كيف حولهم الإسلام إلى ما أطلق عليه مسمى "إمبراطورية عربية إسلامية كبرى".

وفي السياق، تناول واقع المشهد الديني والاجتماعي في بلاد العرب، وموقعهم ضمن السياق الجيوسياسي المحيط بهم في مرحلة ما قبل الإسلام، والعوامل الطبيعية والأنثروبولوجية التي شكَّلت الشخصية العربية في تلك المرحلة.

في هذا الإطار؛ فإن المؤلف أكد على أهمية رافدَيْن أساسيَّيْن للتحولات الهائلة التي طرات على العرب، وهما تعاليم الإسلام ذاتها، وشخصية الرسول الكريم، محمد "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"؛ حيث تناول في دراسة مستقلة، معالم من شخصية الرسول "عليه الصلاة والسلام"، وتأثيره على المسلمين، وكيف كان هو والقرآن الكريم من أهم عوامل وحدة العرب، والمسلمين فيما بعد.

بعد هذه المجموعة من الأوراق والدراسات التأسيسية؛ فإنه تناول بعد ذلك السياق الزمني المشار إليه لتطور "الإمبراطورية العربية الإسلامية"؛ حيث بدأ بالدولة الأموية، ثم القرن العباسي الأول الذي أفرد له أهمية خاصة؛ حيث أشار إلى أن تلك الفترة شهدت تشكيل فيه ثقافة سياسية واجتماعية جديدة في العالم العربي الإسلامي، وأن القوة الإسلامية الصاعدة في ذلك الوقت، قد أثَّرت على منظومة القوى في العالم القديم بُرمَّته، وكذلك السياق الحضاري والثقافي بفعل المنجزات التي بدأ المسلمون في تحقيقها في مختلف هذه الاتجاهات.

وفي هذا الإطار، فإنه لم يهمل الواقع الاقتصادي ودوره في صناعة هذه الصورة، وكذلك أثر تأسيس المسلمين لجيش قوي في عهد الخلفاء العباسيين الأقوياء في رسم الخريطة السياسية والحضارية في العالم في حينه.

ولكنه أشار إلى دور دخول غير العرب إلى جيش الفتوحات الإسلامية الذي كان العرب هم صُلبه حتى مرحلة متقدمة من الدولة العباسية، في صدد إضعاف ما وصفه بالهيمنة العربية على الجيش ومؤسسات الدولة، ثم في المجتمع بشكل عام، بعد اتساع نطاق الدولة الإسلامية لكي تشمل شعوبًا وألسن كثيرة.

الثلث الثالث من الدراسات أو المقالات التي تضمنها الكتاب، تناولت مراحل التفكك التي عرفتها "الإمبراطورية العربية الإسلامية"، بعد ضعف الدولة العباسية ثم سقوطها على أيدي المغول في القرن الثالث عشر.

وهنا تداخل الخط الزمني أو الـ"Time Line" الذي اعتمده المؤلف كمنهجية لكتابه مع الجوانب الموضوعية للتناول؛ حيث إنه قدم عرضًا متضمَّنًا للحركات السياسية الدينية التي ظهرت في تلك المرحلة التي تصنَّف كمرحلة ضعف وتراجع في التاريخ الإسلامي، ودور هذه الحركات في إضعاف الدولة الإسلامية الواحدة في ذلك الحين.

كما أشار إلى الأثر الاجتماعي والمذهبي لهذه الحركات، مركزًا على ما قادت إليه من أعمال تمرد على سلطة الخليفة العباسي في بغداد، كما تم في حالة ثورات الزنج والقراطمة والشعوبيين، وغيرها من الظواهر التي عرفها العالم الإسلامي في تلك الفترة، والتي طالت لقرنَيْن ونيِّف من الزمان.

ولكنه لم يرَ هذه الفترة باعتبار أنها فترة ظلامية أو تراجع حضاري بالكامل؛ حيث نظر إلى هذه الحركات، والظواهر التي رافقتها بشكل عام، على أنها شكل من أشكال التعدد، قاد إلى تنوُّع ثقافي عرفه العالم الإسلامي في العصر الوسيط، والذي عنى به الفترة ما بين القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلادي، عندما بدأت إرهاصات ظهور العثمانيين في الصورة.

وهنا ثمَّة ملاحظة لها أهميتها، وتتعلق بأنه بالرغم من المركزية التي وضعها للغزو المغولي في صدد إعادة تشكيل العالم العربي والإسلامي بالكامل، على المستويات كافة؛ السياسية والاجتماعية والثقافية، فإنه أهمل جانب الحملات الصليبية، بالرغم من أنها كانت فترة شديدة الخصوبة للتناول في مجال عرض خرائط التفكك أو التنوُّع الذي كانت عليه الشعوب والأمم العربية والإسلامية.

ومن بين أبرز الملاحظات التي يمكن قولها عن منهجية التدوين لدى كاهن، هو أنه اعتمد بشكل شبه كامل على مصادر عربية وإسلامية في رسم ملامح كل مرحلة من هذه المراحل، مثل "تاريخ الطبري"، لكن كتابه لم يخل من بعض الأخطاء العلمية سواء في التوصيف، أو في بعض أحكامه.

كما أنه كان شديد الحرص على التأكيد على دور العرب والمسلمين في الحضارة الإنسانية، من خلال منجزاتهم في مجال الفن والعلوم والثقافة والآداب، ومختلف مجالات النهضة الحضارية، وأثر ذلك على الحضارة الغربية.

مع المؤلف

المؤلف، كلود كاهن‏ (1909م - 1991م)، هو مستشرق فرنسي، ماركسي المذهب، وبالرغم من أنه ينحدر من عائلة يهودية، ولكنه لم يكن من مؤيدي قيام دولة الكيان الصهيوني.

تخصَّص كاهن في مجال التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى، ودرس الحروب الصليبية، وتميَّز عن غيره من المستشرقين والمؤرخين الغربيين الذين أرَّخوا للحضارة الإسلامية، بأنه كان يستقي معلوماته وكتاباته من المصادر الإسلامية.

كما كان أكثر اهتمامًا بالجوانب الاجتماعية للدول والحضارات التي أقامها الإسلام، ولذلك هو مُلَقَّب بـ"عميد التاريخ الإسلامي الاجتماعي"، ومن أكثر مؤرخي القرن العشرين تأثيرًا بشكل عام.

ومن أشهر مؤلفاته، كتاب بعنوان "مقدمة لتاريخ العالم الإسلامي في القرون الوسطى بين القرنَيْن السابع والخامس عشر الميلاديَّيْن"، وهو من أكثر المصنفات مرجعية في هذا المجال في الغرب، ولكن لم تتم ترجمته إلى العربية، خلافًا للكتاب الذي بين أيدينا الآن.

بيانات الكتاب:

اسم المؤلف: كلود كاهن
اسم الكتاب: الإسلام منذ نشوئه وحتى ظهور السلطنة العثمانية
ترجمة: حسين جواد قبيسي
مكان النشر: القاهرة
الناشر: المنظمة العربية للترجمة – بدعم من مؤسسة عبد الحميد شومان
الطبعة: الأولى
تاريخ النشر: 2010م
عدد الصفحات: 527 صفحة

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
"باحث مصري في شئون التنمية السياسية والاجتماعية، حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية والإدارة العامة من جامعة القاهرة عام 1997م، كاتب في موقع "بصائر"، عمل سكرتيرًا لتحرير مجلة "القدس" الشهرية، التي كانت تصدر عن "مركز الإعلام العربي" بالقاهرة، وعضو هيئة تحرير دورية "حصاد الفكر" المُحَكَّمة، له العديد من الإصدارات، من بينها كتب: "أمتنا بين مرحلتين"، و"دولة على المنحدر"، و"الدولة في العمران في الإسلام"، وإيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط"، وأخيرًا صدر له كتاب "أسس الحضارة والعمران في القرآن الكريم"، وله تحت الطبع كتاب بعنوان "الدولة في العالم العربي.. أزمات الداخل وعواصف الخارج".

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …