تحدثنا في المقال السابق عن الانطواء وتعريفه وأسبابه عند الأطفال، وبينا أن أهم الأسباب تجمع بين البيت والمدرسة، أو الجهات التعليمية التي تناسب عمر الطفل.
واليوم نتحدث عن سبل العلاج، وكيف نربي أولادنا تربية سويّة صحيحة، تضيف لهم وتغرس فيهم الصفات الصالحة والسمات الطيبة لمشروع ابن يفخر به دينه ووطنه.
• ويكمن العلاج في عدة أمور:
أولاً- الاستقرار الأسري:
إن استقرار الحياة الأسرية والزوجية بين الوالدين من أهم مقومات العلاج لأية ظاهرة أو أزمة يتعرض لها الأولاد في الصغر، فلا شكّ في أن الإحاطة العاطفية والانسجام من مقومات التربية الناجحة، وآثارها على الأبناء إيجابية جداً.
لذلك كلما كان البيت مستقراً هادئاً يسوده الحب والوفاق والتوافق والمشاعر الصادقة، كان الأولاد في وضع أمان وسكينة وراحة بال، يظهر معها قدراتهم وطاقاتهم، بدلاً من ظهور الأزمات والأمراض النفسية لو كان العكس هو السائد.
كلما كان البيت مستقراً هادئاً يسوده الحب والوفاق والتوافق والمشاعر الصادقة، كان الأولاد في وضع أمان وسكينة وراحة بال
ثانياً- إياكم والتحقير:
إن السخرية من مشاعر الطفل وأحاسيسه والنظرة إليه بدونية من معجّلات انتشار الأزمات بداخله، لذلك فالأم المربيّة الواعية، والوالد الفاهم للتربية، عليه أن يعظّم من مشاعر أولاده، وينصت لكلامهم، ويردّد على آذانهم أنه مهتم بهم، ومقدّر لكلامهم، ويا حبذا لو دوّن مطالبهم وكافأهم، فتلك الأمور مع بساطتها تدفع الطفل لاحتضان والده، وهو فعل نفهمه كمتخصصين بأنه ترجمة للسعادة الغامرة عنده، ولحظة مهمة في حياته، لذلك يجب أن يكون هذا المسار والمسير، والحذر من التقليل والاستهزاء منه.
ثالثاً- عاقبه، ولكن
إن الأولاد أطفال يلعبون ويخطئون، ينصاعون أحياناً للأمر وكثيراً لا، فلا تظن أن طفلك ملاك مطيع، وإياك أن تحسبه شيطاناً رجيماً، هو طفل يعيش سنّه كما عشته أنت من قبل، لذلك إن أخطأ أو تمرّد فناده واصطحبه لغرفته بودّ وابتسامة، وأجلسه على قدميك، ثم ابدأ نصحه برفق، مصحوباً بقبلات على وجهه الباسم، وإياك أن تنزل به عقاباً أمام أحد، فتأثيره السلبي شديد عليه، فضلاً عن أنك تبعد المسافات بينك وبينه من حيث تظن أنك تبني رجلاً، وتربي أسداً وسنداً.
رابعاً- الثقة ثم الثقة:
إن من أهم مشاكل الأطفال التي تصحبهم في الكبر هي أزمة الثقة وضعف الشخصية، فالوالدان يريدان الانصياع والتنفيذ، ولا مجال للجدال أو النقاش، وكأن طفلهما في الجيش يؤدي الخدمة العسكرية، وهذا نمط تربوي صعب، وفيه نظرات كثيرة.
فغرس الثقة في الابن منذ الصغر مهم جداً جداً في تكوين شخصيته وبناء عقله، وأحسب أنه لا يوجد أب أو أم لا يحب أن يرى طفله نافعاً يافعاً، قوي الشخصية، متميز التفكير في الكبر، وعليه فإن غرس الثقة عبر الإحاطة العاطفية، وكثرة النقاش مع الطفل، والإنصات إليه، ومدحه أمام أصحابه من أهم عوامل الشخصية السوية الرافضة للانطواء والعزلة والقريبة من الناس، والمختلطة بالأصحاب والأقران والأقارب.
إن غرس الثقة عبر الإحاطة العاطفية، وكثرة النقاش مع الطفل، والإنصات إليه، ومدحه أمام أصحابه من أهم عوامل الشخصية السوية الرافضة للانطواء والعزلة
خامساً- التواصل مع الأب الثاني:
المدرس هو الأب الثاني، والمدرسة هي البيت الثاني، والمعلمة هي الأم الثانية، فالأوقات هناك كبيرة، والطفل يمكث بالساعات يتعلم ويرى، ويتصرف ويكتب، ويبكي أيضاً، وعليه، فإن الحوار مع المدرسة –إدارة، ومعلمين، ومعلمات- بخصوص وضع الطفل، والوصول معاً للاتفاق على تذليل العقبات بينهم، وتكملة الرسالة التربوية لهو أمر مهم جداً، فلا يصح أن يكون المعلم والمعلمة في كوكب، والبيت في كوكب أخر، فتنقطع بينهما مقوّمات التربية الصحيحة للطفل، في الوقت الذي يكون الطرفان يسعيان بقوة في الحياة؛ لتوفير كل ما يحتاجه الأبناء والأطفال، لذلك فالحوار والتواصل المستمر فرض لا مناص منه، وخير لابد منه.
ختاماً، نحن نجتهد أن يصل أطفالنا لوضع نفسي قويم بتكاتف جميع الجهات التربوية والتعليمية بلا تقليل من شأن أحد، وإلماماً بعظمة دور البيت كمؤسس للشخصية، والمدرسة كراعٍ ومكمّل لهذه الشخصية.