أظهرت العديد من الدراسات أن المتفائلين هم أكثر حكمة من المتشائمين، وتُفعل لديهم آليات التحفيز والتعزيز الذاتي، مما يمدّهم بالقوة والقدرة على مواجهة التحديات، أما المتشائمون، فإنهم يبالغون في التنكر لإيجابيات الحياة، ولقدراتهم وإمكاناتهم، فتمر الفرص من أمامهم فلا يرونها؛ لانشغالهم بالتركيز على السلبيات وأوجه القصور لديهم.
وبالعودة الى السيرة النبوية العطرة، فقد كان النبي صلى الله وعليهم وسلم دائم التفاؤل في حياته رغم كل الصعاب والأحوال التي مرّ بها، فكان دائماً يبشّر أصحابه بالنصر كما حدث في غزوتي بدر والخندق، وكان دائم التفاؤل، ويستبشر برحمة الله، ولم يكن يحزن على أمر من أمور الدنيا أبداً.
والعديد من المواقف للنبي صلى عليه وسلم كانت مليئة بالتفاؤل وحسن الظن بالله تعالى، وما أحوج الناس في الوقت لاتباع سنته صلى الله وعليه وسلم، {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} [الأحزاب،آية:21]، وخاصة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية من حالة الإحباط واليأس والتفكك.
فما هو مفهوم #التفاؤل في الإسلام؟ وكيف أحيا القرآن الكريم روح البشر بالتفاؤل في الوقت الذي حاول فيه المنافقين أن يدبوا في الأمة روح التشاؤم والفشل والهزيمة؟
التفاؤل والثقة بالنفس:
الدكتور "جودت المظلوم" -المحاضر بكلية الدعوة الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف بغزة- قال: "إن التفاؤل يعني الشعور بالرضا والسعادة، وتبني وجهة نظر مفعمة بالأمل، مما ينعكس بالإيجاب على حياة الإنسان ، على عكس التشاؤم الذي يحطم إرادته، ويدفعه لإساءة الظن بالله وبالحياة، ويترقّب فعل الشر وممارسة سلوكيات سلبية تجاه الآخرين".
والقرآن الكريم أكّد في العديد من آياته على التفاؤل والنظرة الإيجابية، والابتعاد عن السوداوية في الحياة، وكل مايعيق العمل، وعدم التطير، كما أشار "المظلوم" حيث يقول تعالى: {وبشر الصابرين}، وقوله تعالى: {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرنَا بِكُم} [يس، آية:18]، {قَالُواْ اطَّيّرنَا بِكَ وَبِمَن مَعَك} [النمل، آية:47]، وهي تستعمل للخير والشر، فالحظ من الخير ومن الشر، قال تعالى: {وَكُلَّ إنسانٍ أَلزَمنَاهُ طائرهُ فِي عُنًقِهِ} [الإسراء، آية:13] .
ولفت "المظلوم" إلى أن التفاؤل يُصلح قلب الإنسان وسلوكه بعيداً عن القلق والتشاؤم، كما يعزز شعوره بالاطمئنان، ويجلب له السعادة وبهجة الحياة واستقرار الروح، ويدفعه للاعتدال خلال تعامله مع الآخرين في كافة أمور حياته وعمله وعلاقاته؛ لتحقيق أهدافه، دون الشعور بالفراغ النفسي، مشيراً إلى أن الإنسان بطبعه يحب البشرى وتطمئن إليها نفسه.
التفاؤل من صفات النبي صلى الله عليه وسلم:
وأضاف "المظلوم": "لذلك حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على التفاؤل من خلال مواقفه وتوجيهاته وأحاديثه الشريفة، وكان يتمثَّله أمام أصحابه واقعًا معاشًا في أموره وأحواله كلها، في حِلِّه وترحاله، في حربه وسِلمه، في جوعه وعطشه"، مشيراً إلى أن العديد من الأحاديث النبوية تناولت موضوع التفاؤل أو التشاؤم، ففي الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يسِّروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تُنفِّروا) (رواه البخاري).
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال ما هي، قال: (أخذنا فألك من فيك)، فينبغي لمن تفاءل أن يتأول بأحسن تأويلاته، ولا يجعل لسوء الظن على نفسه سبيلاً، فقد روي: (إن البلاء موكل بالمنطق).
كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (إذا ظننتم فلا تحققوا، وإذا حسدتم فلا تبغوا، وإذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا) (رواه ابن ماجه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من تطيّر فليقل: اللهم لا يأتي بالخيرات إلا أنت، ولا يدفع بالسيئات إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
مواقف ونماذج:
وأشار إلى موقف الرسول صلى الله وعليه وسلم في حادثة الغار كنموذج للصبر والثبات والتفاؤل، حين وقف الكفار على بابه، وكان أبو بكر يخشى عليه، وقال له: "لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلغة المطمئن والواثق بنصر الله: (يا أبا بكر، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما!).
وأضاف تعليقاً على الحادثة: "مهما كان الإنسان في أمر صعب وعجز، فإن الله قادر على إخراجه من هذا الضيق؛ لأنه متوكّل على الله : {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه} [الطلاق،آية:3]"، واستدل بقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل،آية:62].
كما أشار "المظلوم" إلى قول رسول الله صلى الله وعليه وسلم حين رأى أحد أصحابه وقد أصابه الهم والحزن، وتراكمت عليه الديون، فقال له -ليعلمه معنى التفاؤل والصبر- قل: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، ومن العجز والكسل، ومن البخل والجبن، ومن غلبة الدين وقهر الرجال)، فإن الله سيذهب عنك همَّك، ويقضي عنك ديْنك، وبالفعل لم تمضِ سوى أيام قليلة حتى تحقق ذلك.
وحذّر "المظلوم" من أن يصاب الإنسان المؤمن باليأس والإحباط والكسل؛ لأن ذلك يدفعه إلى النكد، وتكالب الهموم، والقعود عن فعل أي شيء، والعيش في ظلمات الضيق، لافتاً إلى أن النبي صلى الله وعليه وسلم كان يؤكد على منهج التفاؤل والأمل لأصحابه حتى يترسموه.
وأضاف: "لذلك واجب الدعاة إلى الله دعوة الناس للتفاؤل، وتبيين ثمراته وفوائده الطبية، حيث يعين الإنسان على مواجهة المواقف المعقدة والصعبة، واتخاذ القرار الصحيح ، ويمنحه السعادة والسرور، سواء في البيت، وبين الأصدقاء أو العمل، والقدرة على التأقلم مع الوسط المحيط، والعلاقات الاجتماعية مع الآخرين".
دأب الأنبياء
من جهته قال الداعية بوزارة الأوقاف "رامز العرقان": "إن التفاؤل هو الأمل والنظرة المستبشرة للغد، وتوقع الأفضل، والمتفائل قرينه النجاح، على عكس المتشائم الذي يعاني من الهزيمة والضعف والفشل".
مشيراً إلى أن القرآن الكريم حثّ الناس على الأمل، ورفع المعنويات في العديد من الآيات التي تشحذ الهمم والعزيمة.
وذكر العرقان في حديث "لبصائر": "العديد من الآيات والأحاديث النبوية التي تحث على الأمل في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة، آية:32]، وقوله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} [الرعد، آية:17].
وأشار "العرقان" إلى العديد من المواقف للأنبياء والرسل، وهم أفضل خلق الله الذين تعرّضوا لها، فكان يأتي الفرج من الله تعالى لهم، بعد أن يشتد الكرب والبلاء، مشيراً إلى حياة النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين أصبح شيخًا كبيرًا ولم يُرزَق بعدُ بولد، فيدفعه حسْن ظنِّه بربه أن يدعوَه: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات، آية:100]، فاستجاب له ربُّه ووهب له إسماعيلَ وإسحاق عليهما السلام.
وسرد "العرقان" قصة سيدنا يعقوب حين وصل إلى قمة اليأس والإحباط، بعد فقدان ابنه "يوسف"عليه السلام، ورغم ذلك، لم يفقد الأمل بكل ثقة فيما عند الله تعالى، وقال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف، آية:83]، وقوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف، آية:87]".
ولفت إلى أن النبي صلى الله وعليهم وسلم خير من تفاءل، وكان يحب الفعل الحسن، والفأل، ويكره الطيرة، حيث أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا عدوى ولا طِيَرة، ويُعجِبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة).
ثمرات التفاؤل:
وحول ثمرات التفاؤل أشار "العرقان" إلى أن التفاؤل من صفات الذين يدخلون الجنة بلا حساب، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، لا يَرْقُونَ، وَلا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (أخرجه مسلم وأحمد).
وقال: "التفاؤل يدفع العبد إلى التوبة عن المعصية، والعودة إلى الله، وتجاوز المحن، وتدريب النفس على الثقة بالله والرضا بقضائه، وراحة القلب "، مضيفاً: "المتفائل بالخير سيحصد الخير في نهاية المطاف، وسيكون أسعد الناس؛ لأنه يرى الحياة جميلة".
واختتم حديثه: "لذلك على العلماء دور مهم في قيادة الأمة والأخذ بيد الناس، وشحذ هممهم، وبث الأمل والثبات في نفوسهم، وحسن الظن بالله في هذه الأوقات الصعبة التي تمر بها الأمة، وذلك على نهج القرآن وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)".