تأتي أهمية هذا الكتاب في وقت يعيث فيه اليهود فساداً في مشارق الأرض ومغاربها، فاليهود أبعد ما يكونون عن الإنسانية، وإن كانوا على شكل بشر، وأعمالهم من تخريب وتدمير وسفك للدماء وتجاوزهم كل المعايير الإنسانية في ذلك لتحقيق مآربهم في فلسطين خير شاهد عليهم.
جاء هذا الكتاب ليبين حقيقة اليهود، ويرسم ملامح الشخصية اليهودية كما عرضها القرآن الكريم، لا كما يسعون هم لتصديرها للعالم، لعلّ غافلاً يفيق من غفلته، وذا عقل ترجع إليه بصيرته، فيضبط المسلم رؤيته وفق الرؤية الإسلامية في حقيقة الصراع وطبيعته مع اليهود، فتبقى ماثلة أمامه لا يشوبها شائبة، أو تطالها الغشاوة التي يحاول البعض أن يمررها على حين غفلة.
وأهم ما يميّز هذا الكتاب أنّ المؤلف اعتمد على المنظور القرآني في عرضه وتحليله للشخصية اليهودية، فلم يتجاوز نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، ففصّل ما فصّل به القرآن الكريم، والتزم الصمت فيما سكت عنه؛ إذ هو الكتاب الذي لم يأته الباطل، وقد تكفّل الله بحفظه من أي مساس قد يطاله بالتحريف والتبديل.
جاء الكتاب في خمسة فصول وخاتمة.
الفصل الأول: بنو إسرائيل واليهود في السياق القرآني:
انطلق المؤلف في حديثه عن اليهود منذ البدايات الأولى لهم زمن يعقوب عليه السلام، ثم تحدّث عن هجرتهم إلى مصر، وفترة الاضطهاد التي عاشوها تحت حكم فرعون، وتحدث عن قصص أنبياء بني إسرائيل، وبعض من مواقفهم من هؤلاء الأنبياء، ثم أشار إلى صفات اليهود وطباعهم وأخلاقهم التي عرضها القرآن الكريم، وإلى ضرورة الاستفادة من معرفة هذه الصفات في التعامل معهم، والاقتداء بالهدي النبوي في ذلك، حتى يستفيد المسلمون اليوم في التعامل مع هذا الخطر الماحق الذي يهدد البلاد والعباد.
ويشير المؤلف إلى قضية مهمة، وهي أنّ القرآن الكريم عندما تحدث عن انحرافات اليهود وأخلاقهم ونفسياتهم لم يقتصر على اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام، وإنما التاريخ والواقع يؤكدان انطباق هذه الصفات على اليهود حيثما كانوا، وأينما وجدوا!
ثم أشار المؤلف لبعض من جوانب الحكمة من التفصيل القرآني في الحديث عن بني إسرائيل، مستشهداً ببعض الحكم التي ذكرها "سيد قطب" في ظلاله، ثم وضّح المؤلف الفرق بين بني إسرائيل واليهود، وأنّ اسم اليهود هو المنطبق عليهم الآن، بعدما أطلقه القرآن عليهم في الفترة المدنية، وبناء على ذلك علينا الالتزام بما يقرره القرآن.
وبيّن المؤلف أنّ انتساب اليهود إلى يعقوب وإبراهيم عليهما السلام لا يعني أنهم ورثة الأنبياء؛ لأنّ القرآن الكريم يفرّق بين صلة النسب، وبين وراثة الدين والإيمان والعقيدة، ثم تحدّث عن اللطائف من استعمال القرآن الكريم لصيغ (هادوا) و(هدنا) و(هُود)، وأشار إلى اللطائف من دلالة اليهود وبني إسرائيل في الاستعمال القرآني، ووجوب التفرقة بينهما، وأشار للحكمة من تأخير اسمهم الجديد "اليهود" إلى ما بعد الهجرة، حيث فقدوا الوراثة الإيمانية في هذه الفترة.
واليهود يفضّلون اسم بني إسرائيل على اسم اليهود، وعرض المؤلف حرص اليهود على استغلال كل ما يربطهم بإسرائيل، خاصة عندما أقاموا دولتهم في فلسطين، ويوضّح المؤلف قضية مهمة وهي قيام البعض برفض كل ما يتعلق ببني إسرائيل، بحجة الصراع الذي بيننا وبينهم، ويردّ المؤلف أنّ هذا الموقف مرفوض، فنحن المسلمين نؤمن بأنبياء بني إسرائيل، ونحن أولى بأنبيائهم منهم، وعليه يجب التفريق بين الحق والباطل في تاريخ بني إسرائيل، فهناك فارق بين التوراة التي أنزلت على موسى، وبين التوراة التي تناولتها الصياغة البشرية اليهودية الحاقدة، وبين الألواح وبين التلمود، وبين موسى عليه السلام كما يصوّره القرآن الكريم وبين موسى اليهودي كما تظهره التوراة.
الفصل الثاني: خلاصة تاريخ اليهود من خلال القرآن:
في هذا الفصل تحدث المؤلف عن قيام اليهود في تحريف التاريخ لصالحهم، ويظهر ذلك جليّاً في نصوص التوراة التي تكفّلت بالحديث المفصّل عن تاريخ بني إسرائيل، بل وانحيازها انحيازاً تاماً لليهود، ووضّح المؤلف أنه اتبع المنهج القرآني في البحث عن تاريخهم؛ لأن المرجع لنا كمسلمين إنما هو نصوص القرآن الكريم التي سلمت من التحريف والتبديل، لذلك هناك حلقات مفقودة من تاريخ اليهود، وبناء على ذلك، فنحن نلتزم بما قدّمه القرآن الكريم، ونعرض عمّا أعرض أو سكت عنه. فكانت هذه منهجية المؤلف في كتابه وفي حديثه عن تاريخ بني إسرائيل الذي تناول فيه يعقوب وأولاده الاثني عشر، وتحدّث عن موت يوسف عليه السلام، وذكر الحكمة من تعبير القرآن الكريم عن موت يوسف بالهلاك، وتناول اضطهاد فرعون لبني إسرائيل، وتحدث عن ولادة موسى عليه السلام، ومن ثم كونه رسولاً لهم.
وتناول الأحداث التي تسلسلت مع نبي الله موسى عليه السلام مع القوم في سيناء، ومطالبهم من موسى عليه السلام ابتداء من مطلبهم لعبادة الأصنام، مروراً بطلبهم للماء، وتنوّع الطعام، ورؤية الله جهرة، وتناول الحديث عن أمرهم بذبح البقرة التي برزت فيها الطبيعة اليهودية في نظرتهم لأنبياء الله، والتأخر بالتزام وتنفيذ الأوامر، ومزاجيتهم المتقلبة، ورغبتهم المفرطة في المهادنة والمراوغة.
ثم عرض موقفهم الجبان من دخولهم الأرض المقدسة، وتيههم في صحراء سيناء، ثم تحدّث عن وفاة موسى، وتناول قصته مع ملك الموت، وقد فقأ عينه عليه السلام، وأعقب الحادثة تعقيباً يرد به على من ينكرون الحديث، وأنه عليه السلام توفي قبل دخول بني إسرائيل الأرض المقدسة، وبيّن أن الحكمة من تمكين بني إسرائيل وتكريمهم بدخول الأرض المقدسة كان أساس التكريم هو الإيمان والعمل الصالح، وتناول المؤلف موقفهم من الملك طالوت، وتحدّث عن صفات الحاكم الراشد التي ذكرها القرآن الكريم، كما بدت في داود عليه السلام، وأنّ حكم داود وسليمان عليهما السلام كان حكماً إسلامياً، وليس يهودياً.
الفصل الثالث: سمات اليهود وأخلاقهم من خلال القرآن الكريم:
تناول المؤلف قضية تفضيل بني إسرائيل على العالمين، وكيف أنه كان تفضيلاً خاصاً موقوتاً، وله أسبابه وعوامله، وكيف أنهم استغلوا هذه القضية لصالحهم، وأشار كذلك للحكمة من كثرة الأنبياء والرسل لهم، ووضّح النفسية اليهودية المعقدة منذ بدايتها الحاقدة، والتي كانت في إخوة يوسف عليه السلام، ثم عرض المؤلف المزاعم اليهودية من حيث إنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم لا يعذّبون في النار إلا أياماً، وغير ذلك من المزاعم، وذكر الردّ القرآني على هذه المزاعم ونقضه لها.
تناول المؤلف كذلك افتراء اليهود على هاروت وماروت، ونظرتهم لجبريل عليه السلام، وافتراءهم عليه، وحربهم لعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وتحدّث عن أخلاقهم كما عرضها وبيّنها القرآن الكريم، وأنّ هذه الأخلاق هي خطوط مستقرة في النفسية اليهودية.
الفصل الرابع: الكيان اليهودي المعاصر من خلال المنظار القرآني:
تحدث المؤلف في بداية هذا الفصل عن الحرب النفسية التي يقودها اليهود ضد المسلمين، ثم تحدث عن الكيان اليهودي المعاصر من خلال القرآن الكريم، والذي عرضه في كل من سورة (آل عمران، والمائدة، والأعراف، والحشر)، ثم تناول الإفسادين لبني إسرائيل كما ورد في سورة الإسراء، ومن خلال فهم وتفسير جديد للآيات، وعلى ضوئه بيَّن أن الإفساد الأول لهم كان في المدينة المنورة، والذي أزاله الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، وبيَّن متى يكون إفسادهم الثاني، وكيف ومن سيزيل هذا الإفساد.
الفصل الخامس: معالم قرآنية في صراعنا مع اليهود:
القرآن الكريم هو النبراس والقائد لنا في معاركنا مع أعدائنا، وهو الذي يوضّح لنا طبيعة المعركة وأساليبها، ويبين لنا ملامح العدو وأساليبه، ويضع بين أيدينا ونصب أعيننا أسباب الانتصار، والسبيل للعزة والتمكين، ويخبرنا القرآن الكريم عن عداوة اليهود الأبدية لنا، حيث ذكر الكثير من الشواهد على حقد اليهود ومحاربتهم للإسلام والمسلمين.
ويبيّن المؤلف أن الصراع بين اليهود والمسلمين هو صراع بين رسالتين، صراع بين رسالة الإيمان ورسالة الكفر، مهما حاول البعض التمويه أو الخداع والتضليل، وجعله صراعاً قومياً أو استعمارياً، فما هذه إلا حِيَل؛ لإبعاد الأمة عن الطريق الصحيح، ويبين المؤلف من خلال استشهاده بشواهد من كتب السيرة بداية الصراع، ثم يبين من خلال النصوص الصحيحة نهاية هذا الصراع، ثم يذكر طبيعة اليهود في حقدهم الدائم على المسلمين، ويبيّن جبنهم في صراعهم مع المسلمين، ثم يذكر صفات عملائهم وصفات الذين يكتب الله على أيديهم هزيمة اليهود.
ثم يوضح المؤلف معالم النصر على اليهود وحلّ القضية الفلسطينية، وأنّ الحل هو اعتماد الحل الإسلامي، بعيداً عن الحلول الجاهلية، وضرورة إقامة المجتمع المسلم وتحقيق العبودية لله، وإعداد الأمة جهادياً، وإدخال القرآن الكريم في المعركة، وضرورة أسلمة القضية الفلسطينية.
الخاتمة: رؤية مستقبلية إسلامية للأمة المسلمة وللكيان اليهودي:
ختم المؤلف كتابه بهذه الرؤية التي استشرفها من خلال تقريرات القرآن الكريم وحقائقه، ومن خلال المبشرات والوعود القرآنية والسنة النبوية التي تحدد:
أولاً- الإسلام هو مستقبل البشرية، وأنّ هذا الواقع المر الذي تعيشه الأمة اليوم ما هو إلا غاشية سرعان ما تزول، وتسترد الأمة عافيتها وإيمانها وإسلامها.
ثانياً- الكيان اليهودي في فلسطين مخالف لكل الأسس والمقاييس والتصورات والنظريات، ولا يملك أي عامل من عوامل الدوام والاستمرار، فهذا الكيان أشبه ما يكون بالداء الطارئ على الجسم، والجسم الغريب الذي يتداعى له سائر الجسد بالمقاومة والرفض حتى يذيبه ويقضي عليه.
مع المؤلف:
صلاح عبد الفتاح الخالدي: ولد في مدينة جنين في (1 ديسمبر 1947)، بدأ طلب علم بحصوله على بعثة للأزهر سنة (1965)، وهناك أخذ الشيخ الثانوية الأزهرية، ثم دخل كلية الشريعة وتخرج منها سنة (1970)، ثم درس الماجستير سنة (1977) في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان: "سيد قطب والتصوير الفني في القرآن"، حصل الشيخ على درجة الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن سنة (1984) من الجامعة نفسها، وكانت الرسالة بعنوان: "في ظلال القرآن –دراسة وتقويم" .
من أبرز المشايخ الذين تتلمذ على يديهم الشيخ "موسى السيد" –أحد علماء فلسطين-، والشيخ " محمد الغزالي"، والشيخ "عبدالحليم محمود". تأثّر الخالدي تأثراً كبيراً بالشيخ المرحوم" سيد قطب"، وكانت صلته بالشيخ صلة محبه وتلمذة، أما الصلة الشخصية فلم يكن بين الشيخ "صلاح" وبين الأستاذ "سيد قطب" صلة شخصية، إنما تتلمذ الشيخ على كتبه.
من مؤلفاته:
"سيد قطب الشهيد الحي"، "مفاتيح للتعامل مع القرآن"، "تصويبات في فهم بعض الآيات".
بطاقة الكتاب:
اسم الكتاب: "الشخصية اليهودية من خلال القرآن: تاريخ وسمات ومصير".
دار النشر: دار القلم- دمشق.
الطبعة الأولى: (1419هـ-1998م).
عدد صفحات الكتاب: (406).