القرآن كائن حي

الرئيسية » كتاب ومؤلف » القرآن كائن حي
غلاف القرآن كائن حي

يعتبر الكتاب رحلة ماتعة شاملة، تخاطب كل كينونة القارئ، جسدا وروحا، فكرا ووجدانا.

والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات، تتصدرها المقالة بعنوان "القرآن كائن حي"، يلفت المؤلف فيه إلى وجه مُعجز من وجوه إعجاز القرآن، وهو ما أسماه بالمسمار أو البنية الهندسية أو التركيب العضوي أو الترابط الحي بين الكلمة والكلمة. مفردات القرآن وإن بدا أنها تتكرر بكثرة، لكنها كما الخلية في الكائن الحي، تتعدد حتى تصنع وحدة متميزة، ولكل منها دلالتها الخاصة.

من ذلك – مثلا – لفظة العلم، التي تحمل في كل مرة ترد فيها مشهداً جديداً أو تفصيلاً يضيف لتصورنا الكلي عن ماهية العلم، وأنواعه، والفارق بين ظاهر العلم وحقيقته، وغاية العلم والتعلم: "فهناك علم بالكون، وعلم بالنفس، وعلم بالله... والعلوم الكونية وحدها لا تصنع من الإنسان عالماً، فالعلم بظواهر الأشياء ومقاديرها وعلاقتها هو دائماً علم ناقص، وأهل الغفلة هم الذين يقتصرون على هذه العلوم الظاهرة... ولا يكون العلم كاملاً إلا إذا أوصلك إلى العلم بنفسك ثم إلى العلم بالله، فهذا هو العلم حقا".

مفردات القرآن وإن بدا أنها تتكرر بكثرة، لكنها كما الخلية في الكائن الحي، تتعدد حتى تصنع وحدة متميزة، ولكل منها دلالتها الخاصة

بل كثيرا ما يرد العلم في القرآن بلفظة "النظر" التي تعني التفكر والتدبر: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق} [العنكبوت: 20].

وحتى الحرف في القرآن لا يرد حيث يرد إلا لضرورة ولا يمكن أن ترفع حرفاً من مكانه أو تستبدله بحرف آخر، فتكرر نفس الآية – ظاهريا – في الصبر باعتباره من العزائم في موضعين:

• إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ: لقمان – 17
• إِنَّ ذَلِكَ لمِنْ عَزْمِ الأمُورِ: الشورى – 43

أضيف حرف اللام في الثاني لأن "الصبر على أذى الغريم الذي تستطيع أن ترد عليه بأذى مثله يجتاج منك إلى عزم أكبر. فالصبر هنا ليس كالصبر على مصيبة لا حيلة لك فيها".

وهكذا يمضي المؤلف يسوق الأمثلة على الترابط القرآني، ويمتد الحديث عن الدلالة القرآنية للمقالة التالية (النفس والروح)، فيبين المؤلف كيف أن النفس غير الروح وإن خلط بينهما التعبير الدارج.

فالضجر والاشتهاء والوسوسة والشح والألم والكسل كلها من أحوال النفس لا الروح، والنفس هي المتهمة في القرآن بمختلف تلك العوارض، وإن كان يمكن لها أن تترقى في المدارج للنفس اللوامة أو المطمئنة.

إلا أن الروح لا ترد في القرآن إلا بدرجة عالية من التقديس والتشريف، ولا يذكر لها أحوال علو أو هبوط ولا أنها تخرج من الجسد أو تذوق الموت، بل لا تأتي الروح إلا منسوبة لله تعالى، فهي دائما في حركة من الله وإليه، لا تجري عليها الأحوال الإنسانية والصفات البشرية:

- {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى: 52] - {وأيدهم بروح منه} [المجادلة: 22] - {ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29].

فالإنسان مركب من جسد مادته الطين وروح مادتها نفخة سماوية، والنفس بينهما مجال الابتلاء والاختبار، وهي معرضة دائماً للاستقطاب إما بالانجذاب لحمأة الطين والشهوانية أو ارتقاء لمعارج المثل والقيم الربانية.

الإنسان مركب من جسد مادته الطين وروح مادتها نفخة سماوية، والنفس بينهما مجال الابتلاء والاختبار

ويلي ذينك المقالين مقال عن سؤال (لماذا خلقنا الله؟). وبعكس ما قد يتوقعه القارئ من بدء المقالة بالرد على السؤال، بمنهجية مباشرة أو فلسفة وجودية، يبدأ المقال بعبارات تقريرية متسارعة، من تسارعها وصراحتها تعيد توجيه دفة القارئ من رحلة "تفلسف" لرحلة "تكشف"، كأنها صفعات متتالية تضع القارئ أمام نفسه أولا:

(في كل لحظة منذ ميلاد الإنسان حتى موته.. منذ يقظته في أول ساعات الصباح حتى دخوله في الفراش لينام.. وهو يتعرض لامتحان تلو امتحان!
كل لحظة تطرح على الإنسان موقفا وتتطلب منه اختيارا بين بديلات.
وهو في كل اختيار يكشف عن نوعية نفسه وعن مرتبته ومنزلته دون أن يدري.
قد تكون شهوة إلى طعام، أو شهوة إلى إمرأة، أو شهوة إلى سلطة، أو شهوة إلى جاه!
و يقول لك سلوكك من أنت بين هؤلاء الشهوانيين.. وأي نوع من الحيوان أنت!
فإذا رفضت هذه الشهوات جميعها واستجبت لنداء المنطق والاعتدال.. فأنت من أهل النظر والعقل، وأنت إنسان ولست حيوانا!
ومعنى هذا أن الحياة تعريك في كل لحظة، وتكشف حقيقتك وتنزع عنك قشرتك لتخرج مكنونك ومكتومك وبقدر ما تمتد حياتك يوما بعد يوم.. بقدر ما تتمزق عن وجهك الأقنعة.. ويظهر ويفتضح أمرك وينتهك سرك! ) ا. هـ.

كل لحظة تطرح على الإنسان موقفاً وتتطلب منه اختيارا بين بديلات. وهو في كل اختيار يكشف عن نوعية نفسه وعن مرتبته ومنزلته دون أن يدري!

وتمضي المقالة على هذا المنوال "الصادم"، ثم يأتي في الختام تقرير الحقائق الوجودية المعلومة من غاية الخلق.

ويلي مقال عن أسلوب خطبة الجمعة، ينوه فيه المؤلف إلى أن أسلوب الخطبة التقليدي لم يعد يجدي في الدعوة الصحيحة التي تبلغ المقصود منها، فى عصر تعددت فيه السبل إلى قلوب الشباب، وأعداء الدين أصبحوا حيتاناً بأسنان ذرية وعقول إلكترونية، وعلينا أن نحاربهم بأسلحتهم هم حتى لا يسحرونا بها، "وعلينا قبل كل شيء أن نتعلم السباحة فى مياههم، ولا نسجن الدين فى قوقعة سلحفاة تنادي من على منبر مهجور وفى يدها سيف خشبي!". وكما أن خطيب الجامع يتكلم من ميكروفون، فعليه بالمثل أن يتكلم مستخدماً كل ما يهبه العصر من معارف وعلوم أخرى.

وبقية الكتاب مقالات أقل طولا مما سبق وأكثر شخصية، في شكل خواطر وتأملات.

مع المؤلف

د. مصطفى محمود، وهو طبيب وكاتب مصري، عُرف بأدبه الذي يجمع الرصانة العلمية إلى جانب الشفافية الأدبية والروحانية الدينية، ويمزج مزجا عجيبا بين العمق والبساطة. بلغ عدد مؤلفاته التسعين، بين الكتب العلمية والدينية والفلسفية والاجتماعية إضافة إلى الحكايات والمسرحيات وقصص الرحلات والمذكرات الشخصية. وقدّم حوالي 400 حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير (العلم والإيمان)، وأنشأ عام 1979م مسجده في القاهرة، المعروف بـ (مسجد مصطفى محمود).

بطاقة الكتاب

العنوان: القرآن كائن حي
المؤلف: د مصطفى محمود
الناشر: مكتبة مصر
الطبعة: الأولى 2013
عدد الصفحات: 139

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

تراث القدس.. سلوة النفس

يعد هذا الكتاب القيّم تراثًا مقدسيًّا فلسطينيًّا مبسّطًا - إلى حد ما - ومجمّعًا بطريقة …