بدأ العام الـ70 على تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، في مناخ سياسي تكثفت غيومه على القضية الفلسطينية، في ظل التواطؤ السافر بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة، سعيًا إلى تقويض عمل الوكالة تمامًا، للخسف بحق العودة نهائيًا.
ففي البداية لابد من إدراك أن وكالة "الأونروا" لم يكن تأسيسها من قبل الدعم التام للحق الفلسطيني، أو الإيمان بقضية شعب اقتلِع من أرضه بقوة الإرهاب؛ بل هي محاولة للالتفاف على التآمر الدولي، بما يجعل المجتمع الدولي، والغرب بالتحديد، أوروبا والولايات المتحدة، بمنأىً عن أي التزام مستقبلي تجاه اللاجئين الفلسطينيين لوضعهم المتعلق باعتبارات سياسية متضاربة، لتبرير استثنائهم من اتفاقية 1951م، وبروتوكولها لعام 1967م، والتي وضعت لإيجاد حل لمشكلة اللاجئين في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
كما تجدر الإشارة إلى أن إنشاء الوكالة لم يكن للاعتراف بحق العودة الفلسطيني دوليًّا، بل لتسهيل تنفيذه واقعيًّا، بعد الإقرار به؛ إذ تشير النقطة (11) من القرار (194) للأمم المتحدة، لعام 1948م، إلى وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة لديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة لديارهم، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي.
من هو اللاجئ؟
يُعرَّف "اللاجئ" وفقا للاتفاقية الدولية الخاصة بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، والصادرة عام 1951م، بأنه:"كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل كانون الثاني/يناير1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد، لعرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته؛ ولا يستطيع، أولا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية ويوجد خارج بلد إقامته نتيجة مثل تلك الأحداث ولا يتمكن من العودة للأسباب السابقة".
ويأتي استثناء الفلسطينيين، في النقطة (د)؛ إذ تنص على" أن هذه الاتفاقية لا تنطبق على الأشخاص الذين يتمتعون حاليًا بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سُوِّيَ نهائيًّا طبقًا لما يتصل بالأمر من القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يصبحون، بجراء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذه الاتفاقية".
وتأسيسًا على ماسبق؛ فإن حقوق اللاجئ الفلسطيني تتوقف على تحويل قضيته من مسألة سياسية إلى حاجة إنسانية ، تتوقف على وجود وكالة "الأونروا"، المعترف الوحيد باللاجئ الفلسطيني "المُهجر" بسبب النكبة؛ إذ تصفه بأنه: "الشخص الذي كانت فلسطين مكان إقامته الطبيعي خلال الفترة ما بين 1 يونيو/ حزيران 1946 وحتى 15 مايو/ أيار 1948 والذي فقد منزله ومورد رزقه نتيجة الصراع الذي دار عام 1948، والمنحدرون الذكور من صلب الآباء الذين ينطبق عليهم ذلك التعريف".
ويتبين من التعريف أن الوكالة لا تعترف بأي لاجئ لم يتم تسجيل بيناته بها، كما أنها لا تعترف أصلًا بالنازحين جراء نكسة 1967م، والقادمين المتأخرين، فضلًا عن اقتصار خدماتها على اللاجئين المقيمين في أحد الأقطار التي تمارس فيها الوكالة عملياتها، وهي: سوريا، ولبنان، والأردن، وغزة، والضفة الغربية. ورغم ذلك لا يحصل اللاجئ الفلسطيني الذي لا تتوافر فيه شروط الاستفادة من الأونروا، على خدمات المفوضية السامية لحقوق اللاجئين.
لا تعترف الوكالة بأي لاجئ فلسطيني لم يتم تسجيل بيناته بها، كما أنها لا تعترف أصلًا بالنازحين جراء نكسة 1967م، والقادمين المتأخرين، فضلًا عن اقتصار خدماتها على اللاجئين المقيمين في أحد الأقطار التي تمارس فيها الوكالة عملياتها، وهي: سوريا، ولبنان، والأردن، وغزة، والضفة الغربية
حرب التقويض
وبالرغم مما سبق، ومن ضيق المربع السياسي الذي تتحرك فيه الوكالة وأنشطتها؛ فإنها، ومع مرور الوقت، والتطورات السياسية التي مرَّت بها القضية الفلسطينية، والصراع العربي الصهيوني بشكل عام؛ ظلت في النهاية، تشكل ناقوسًا دائم الدق باسم حق العودة.
فقد كان الظن عند تأسيسها –كما سبق القول– أنه سوف تكون هيئة مؤقتة للسيطرة على اللاجئين وحصرهم، تمهيدًا لتصفيتها في غضون أعوام قليلة من حرب النكبة، وهو ما نصَّ عليه ميثاقها التأسيسي؛ حيث يتم تجديد مهمة "الأونروا" كل بضعة سنوات، وكان آخرها في ديسمبر 2016م، ولمدة ثلاث سنوات.
وبالتالي؛ تحول الاحتلال والقوى التي تسانده إلى خطوة أبعد، وهي إخراس هذا البوق بشتى الطرق.
وتزايدت الحملة بوجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأجندته الجمهورية الشعبوية المنحازة للكيان الصهيوني.
فشهدت الوكالة خلال العام 2018، بداية لسنوات جديدة من العجز؛ إذ شن عليها الرئيس الأمريكي حرب التقويض، بعد مطالبة رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بتفكيكها، واتهامها بالتحريض ضد "إسرائيل"، وتخليد مشكلة اللاجئين بدلًا من حلها.
ففي منتصف يناير الماضي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقليص المساعدات المالية للأونروا، وأوقفها تمامًا في أغسطس الماضي.
إلا أن التقويض لم يتوقف على التضييق المادي؛ إذ نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مجموعة من الرسائل البريدية بين صهر الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنر، وعدد من المسؤولين، بينهم المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، جايسون جرينبلات، أكد خلالها الأول ضرورة تعطيل عمل الوكالة، مشددًا على أن إدارة ترامب على استعداد لصياغة شروط قضية اللاجئين، لصالح إسرائيل.
ونشر موقع "i24" "الإسرائيلي"، تقريرًا أشار فيه إلى أن مجلس الشيوخ الأمريكي تقدم بمشروع قانون لتحديد عدد اللاجئين الفلسطينين المسجلين بـ"الأونروا"؛ إذ يعتمد على إعادة تحديد مفهوم اللاجئ، وقصره على المتضررين من أحداث النكبة 1948م، وعددهم 40 ألفًا فقط، دون شمول أبنائهم وأحفادهم البالغ عددهم 5.2مليون لاجئ، ومن ثم إعادة تحديد الميزانيةا وفقًا لذلك الطرح.
المقاومة هي الحل
وليس من قبيل المصادفات، أن تتزامن ذكرى إنشاء "الأونروا"، مع مرور عام على قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، وفي الوقت الذي أعلنت فيه البرازيل وسويسرا اتباع الولايات المتحدة في أمر السفارة؛ وهو مايشير بقوة إلى أن القضية لا يبشر مسراها الراهن بالخير، وأن مخطط تهويد القدس الذي بدأ رسميًّا، بشرعة أمريكية منذ عام، ليس بعيد التطبيق على قضية اللاجئين وحق العودة الفلسطيني، في سبيل التخلص من كل مرتكزات مفاوضات السلام.
وإذا ماكانت التحليلات السياسية تشير إلى أن يد الشر التفت بقوة لتصفية القضية، فلابد من تفعيل دور الإعلام للتوعية بالأبعاد السياسية للقرارات المطروحة ؛ إذ إن التركيز على الجوانب الإنسانية فقط، قد يحله دعم مادي من جهات عربية أو أجنبية تؤمن بعدالة القضية، إلا أن المفهوم النضالي هو المرتكز الأساسي الذي يسعى الاحتلال لنسفه تماما.
إن التركيز على الجوانب الإنسانية فقط، قد يحله دعم مادي من جهات عربية أو أجنبية تؤمن بعدالة القضية، إلا أن المفهوم النضالي هو المرتكز الأساسي الذي يسعى الاحتلال لنسفه تماماً
وليس أكثر مناسبة من اليوم العالمي للقضية الفلسطينية، لإعادة البوصلة المعرفية لوجهتها الحقيقية، عبر الانتقال من التذكير بفلسطين عبر رقصات الدبكة، ومشغولات الصوف، إلى التقارير التسجيلية لتاريخ الاحتلال الوحشي، وتكرار إيضاح الحق الفلسطيني التاريخي والقانوني والدولي.
إن تهويد القدس، ثم حق العودة، ومن بعده تجريم المقاومة دلائل واضحة لمن أراد التبصر بما قد تتضمنه ما توصف بـ"صفقة القرن"، فمن ادعى إبهامها سياسيًّا أراد الصمت حتى ينقضي الأمر، ويقدم إداناته وشجبه المعتاد.
ولايزال الحراك الفلسطيني البعيد عن سقف المحافل الدولية وقاعات المؤتمرات، يحفر تأثيره المربك لقيادات الاحتلال، لذا وبعد الفشل في إدانة حق الشعب الفلسطيني في حماية وجوده وأراضيه، فإن المقاومة كانت وستظل الحل الأقرب للمنطقية، في هذه المهزلة السياسية القائمة .