بتنا نعاني من اتهامات بالجملة بالزندقة وغالباً من يقوم بالتجديد والاجتهاد يُنعت بأوصاف جاهزة و معلبة.
الإسلام دين مبادئ لا دين قوالب، والمبادئ ثابتة؛ كالصدق والعدل والأمانة والشورى، لكن آليات تطبيق هذه المبادئ متغيرة ومختلفة باختلاف الزمان والمكان..
هناك بعض الدعاة لا يقبل ولا يحتمل انتقادات الناس وتعليقاتهم على ما جاء به عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيهجر هذه المواقع؛ هروبا من الانتقادات التي قد يكون بعضها لاذعا و مسيئاً
يلاحظ المتابع وجود حالة من الرتابة في الخطاب الدعوي المطروح أمام العامة في ظل انتشار وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي، وتشتت مصدر هذا الخطاب وكثر أصحابه، لكنه يفتقر لوجود أصحاب الصوت المسموع عند المتلقين.
ولم تخل الآونة الأخيرة من سقوط أوراق العديد من الدعاة الذين خذلوا شعوبهم في نقاط مفصلية، ما تسبب بإحداث شرخ بين العامة والدعاة.
الدكتور بشار شريف رئيس لجنة العلاقات العامة والإعلام لدى رابطة علماء الأردن كان ضيف بصائر للحديث عن معوقات التجديد في الخطاب الدعوي؛ فإلى الحوار:
بصائر: لماذا لا نشهد تجدداً في وجوه الدعوة؟ و ما هي العوامل المؤثرة على هذا الجانب وكيف يمكن تجاوزها؟
د. بشار شريف: الوجوه الجديدة تظهر عندما يصحبها أسلوب جديد وطرح جديد، وفي هذه الآونة للأسف لا نرى أسلوباً ولا طرحاً جديداً، غالباً كلام الوعّاظ كلام تقليدي ومكرر؛ لذا فإننا نأمل أن يكون خريجو كليات الشريعة قادرين على ابتكار منظومة خطابية فريدة معاصرة غير تقليدية بعيدة عن الحفظ مؤصِّلة للفهم.. جميل أن يتعلم خريجو كليات الشريعة الآراء الفقهية و المذاهب لكن الأجمل أن يتعلموا منهجية تلك المدارس الفقهية في التعامل مع واقعها؛ لنحسن التعامل مع واقعنا، و جميل أن يتعلم طلاب الشريعة في كلياتهم تاريخ الاجتهاد لكن الأجمل أن يتعلموا أن الاجتهاد ماض و حاضر و مستقبل، و أن يتعلموا الاجتهاد لزمانهم دون خوف أو تردد، عندها سيكون الخطاب الإسلامي مختلفاً.
وعندما يحاول أحدهم طرح أفكاره بأسلوب جديد وأفكار جديدة من خلال وسائل التواصل المتطورة يجد نفسه في مواجهة حرب شعواء من المتدينين قبل غير المتدينين. وبالتالي حتى لو كان عندنا مجددون وأصحاب أفكار فإنهم يتخوفون من إظهارها تجنباً لردات الفعل العنيفة ، بات أي مجدد معرضاً لاتهامات معلبة و جاهزة ، وهذه مشكلة أعتقد أن سببها اجتماعي إلى جانب وجود سلطة دينية تكاد تحرم "بالمعنى المجازي" كل جديد ودون دليل، فلو أردنا مثلاً أن نطور العمل الدعوي من خلال مشهد تمثيلي هناك 1000 محظور سيقف أمامنا، وبالتالي لن يتم العمل، وهنا نحن نغلق أبواباً من الخير بينما كل الأبواب مفتوحة أمام المجالات الأخرى والكل يعمل بحرية ، ثم بعد ذلك نتساءل لماذا تأثير الدعاة ينحسر و يقل؟؟!! ، والجواب هو "قل هو من عند أنفسكم" لذا يجب أن يكون هناك بعض المرونة.
بصائر: الناس منشغلون في طلب الرزق والظروف الاقتصادية والسياسية المتردية، لكن هل لاقوا خطاباً دينياً يوجههم للخروج من الأزمة؟
د. بشار شريف: الخطاب الديني فيما يتعلق بالرزق و المشكلات الاقتصادية ينقسم إلى قسمين؛ هناك خطاب حماسي يدغدغ عواطف الناس ويحمسهم و يطرب أسماعهم و يهاجم الفساد و الفاسدين و لكن دون اقتراح حلول عملية في النهاية، والخطاب الآخر هو الخطاب التخديري الموجه من قبل فئات أو جهات معينة بأن هذا ابتلاء ويجب علينا الصبر، ولكم أجر الصابرين. ولو تفكرنا في الخطابين لوجدنا أنهما لم يحلا المشكلة، فالأول يكرس المشكلة من خلال الخطاب التخديري والآخر يجسد بطولات من خلال الخطاب الحماسي.
لكن علينا أن ننظر كيف تحدث القرآن وأشارت السنة لموضوع "مشكلة الفقر والبطالة" وما طبيعة الحلول لهذه المشكلة، فمثلا لو أردنا الحديث عن الإسلام وكيف كافح الجريمة والبطالة فعلينا الخروج بحلول وتوصيات على ضوء الكتاب والسنة أمام أصحاب القرار، وحتى لو لم تصل لأصحاب القرار فأقل ما فيها نكون قد تركنا رسالة للناس أن هناك حلولاً عملية سواء كانت من صاحب قرار أو على مستوى شخصي، نضع الحلول أمام الناس حتى يتحدثوا فيها ويناقشوها. لكن أن يظل الخطاب محصوراً في الجانب التخديري أوالجانب الحماسي أو كليهما فهذه مشكلة، وللعلم فإن الخطاب الحماسي على حب الناس له إلا أنه قليل ويطغى عليه الخطاب التخديري ، ومع ذلك فإن الخطاب العقلاني الذي يخاطب العقول هو صاحب الحظ الأقل بكثير من الخطابيين "التخديري" و"الحماسي".
بصائر: كيف يمكن أن نؤسس لخطاب ديني عصري متزن يراعي الفروق بين الناس والتطور الذي تشهده المجتمعات؟
د. بشار شريف: من ضمن مشكلاتنا الدعوية وجود الفرق والأيديولوجيات، وهذه تحول دون تحقيق الكثير من الأحلام والطموحات التي من الممكن أن تكون فاعلة على أرض الواقع، فمثلاً لو دعونا إلى مؤتمر أوفعالية معينة، نتبنى فيها فكرة تقريب وجهات النظر؛ فإن أول سؤال سيطرحه هؤلاء المدعوون؛ لمن تتبع هذه الفعالية؟ من وراءها؟ الإخوان أم السلفيون مثلاً ؟ وبناء على ذلك سيقرر هؤلاء المشاركة من عدمها؟ والأغلب لن يشارك لذلك فإن تغلبنا على هذه القضية وذهبنا إلى أنها فئة مستقلة سيسألونك .. هل هي تابعة لجهة حكومية؟ وهنا نصطدم بقضية أن لا ثقة في الحكومات. لذا فإننا إن تجاوزنا موضوع الأيديولوجية في العمل الدعوي حتماً سنخطو خطوة فاعلة.
هناك مشكلة أخرى وهي عدم التفريق في العمل الدعوي بين المبادئ الثابتة في الإسلام والآليات المتغيرة، نعلم أن الإسلام دين مبادئ لا دين قوالب، والمبادئ ثابتة كالصدق والعدل والأمانة والشورى، لكن آليات تطبيق هذه المبادئ متغيرة ومختلفة باختلاف الزمان والمكان.
نحن الآن لا نفرق بين المبادئ والقوالب، نريد أن نركب قوالب الماضي على حاضرنا، وبالتالي نقع في معضلة أخرى تحول بيننا وبين التقدم. وهنا أقول: إننا حينما نخلط بين القوالب والمبادئ فهذا يعيق العمل والتقدم للأمام، و علينا أن لا نقدس القوالب التي تتغير باختلاف الزمان والمكان لأنها متغيرة.
وهناك نقطة أخرى متصلة بما سبق وهي الخلط بين الغايات والوسائل، فمثلاً لو نظرنا إلى سنة المسواك نجد أن الهدف منها "تنظيف الأسنان"، وفي هذا الزمان تطورت الوسائل واختلفت وصار هناك معجون وفرشاة، فما الداعي في هذا الزمان أن أقدس السواك وأضعه في جيبي وأستخدمه بطريقة قد تكون منفرة للبعض في هذه الأيام؟ هل النبي صلى الله عليه وسلم قدس شجرة الأراك في ذلك الوقت؟ فعندما نخلط بين الغاية والوسيلة ونحول الوسيلة إلى غاية، تكون هذه من ضمن العوائق التي تعرقل تقدمنا الدعوي، وللأسف هذا الكلام يدفع البعض باتهامنا بأننا ضد السنة إلى جانب تهم كثيرة جداً، ودعيني أقول : إن مشكلتنا "منا وفينا" للأسف الشديد.
ومن المشكلات التي نواجهها في الطروحات الدعوية أن كثيراً من سادتنا العلماء يظنون أن مفاتيح بعض أبواب النقاش بأيديهم فحسب، و هذا ظن خاطئ في زمن الانفجار المعرفي و وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقضيةٌ كـ "الردة" مطروحة بكثافة بين أوساط الشباب و كثير من العلماء و المتخصصين يتحفظون على طرحها من باب سد الذرائع!!!! وهذه مشكلة سببها الاعتقاد الداخلي الكلاسيكي القديم القائم على فكرة الوصاية؛ وبالتالي هم يريدون فتح الأبواب التي يريدونها وغلق الأبواب التي يريدونها، ويتجاهلون أن العالم يسير باتجاه آخر ويسبقهم بمئات الأميال وهم لا يزالون يراوحون مكانهم.
وأيضاً هناك بعض الدعاة لا يقبل ولا يحتمل انتقادات الناس وتعليقاتهم على ما جاء به عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيهجر هذه المواقع؛ هروبا من انتقادات الناس التي قد يكون بعضها لاذعا و مسيئا ، ولكن على العالم أن يتحمل تعليقات الناس؛ لأن الأنبياء تعرضوا لأكثر من ذلك وصبروا، صحيح أننا بشر ولا نتحمل ولكن الدعوة لها ضريبة والرسالة لها ضريبة ويجب أن يدفعها أهل العلم، كما أن على الناس أن تنتقد العلماء بذوق و احترام.
بصائر: المعلومات الدينية المغلوطة التي تنتشر بين الناس عبر الإنترنت هل برأيك هي مقصودة من جهات معينة أم أنها تنتشر بسبب جهل الناس؟ وكيف يمكن مكافحة هذه الظاهرة؟
د. بشار شريف: قد يكون هناك أشخاص يتقصدون نشر الإشاعات الدينية والمعلومات الخاطئة عبر الإنترنت، وذلك لربط الدين بالخرافة والغيبيات، وتناقل مثل هذه الرسائل بين المتلقين العوام ينتشر بشكل سريع ومتدحرج ، ومكافحة هذا الأمر يأتي بالتصحيح من قبل الجهات التوعوية أو المقالات لكن لا أضمن أنا شخصياً ومهما فعلنا فلن تكون سرعة انتشار هذه المقالات بسرعة الإشاعة نفسها.
وأذكر أن بعض الإخوة قاموا بعمل قناة "يوتيوب" تهدف لمكافحة الخرافات وكانت حلقاتهم تنتشر بشكل كبير، لكن وبالرغم من ذلك لم يستطيعوا الوصول لانتشار الخرافة نفسها، إذا مكافحة الخرافة والمعلومة المغلوطة موجود وليس أمامنا خيارات غير ذلك حالياً.
لكن لا زالت الخرافة أقوى والموضوع يحتاج لمنظومة ثقافية وصياغة وتشكيل لعقل المؤمن المعاصر.