قال تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ {8}" (آل عمران).
جاء في معجم المعاني: لدن أخص من (عند)؛ لأنه يدل على ابتداء نهاية.
وقال بعض أهل اللغة: لدن أبلغ من عند وأخص.
أولاً: وردت كلمة (من لدنك) سبع مرات في القرآن الكريم منهم مرتين في الآية (75) من سورة النساء.
1- قال تعالى: "رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ {8}" (سورة آل عمران).
2- قال تعالى: " إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً{10}" (سورة الكهف).
3- قال تعالى: " هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء{38}" (سورة آل عمران).
4- قال تعالى: " وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً{75}" (سورة النساء).
أي: واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا، ونصيرًا ينصرنا على الظالمين.
5- قال تعالى: " وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً{5}" (سورة مريم).
6- قال تعالى: " وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً{80}" (سورة الإسراء).
إن مجموع ما طُلِب من الله تعالى في هذه الآيات هو (رحمة - ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً - وَلِيّاً - نَصِيراً - سُلْطَاناً نَّصِيراً). ومن يُمعن النظر في هذه الأشياء الخمسة يجد أنها تحتوي على قوام وسعادة الدارين وبتحقيقها تتحقق مقاصد الشريعة كلها.
إن مقاصد الشريعة هي حفظ (الدين - النفس - العقل - النسل - المال).
ومتى تحققت هذه المطلوبات الخمسة حُفظت مقاصد الشريعة وبالتالي عاش العبد في المجتمع الذي يكفل له سعادة الدنيا والآخرة.
- ثانياً: وردت كلمة (من لدنا) الخاصة بعطاء الله تعالى لعباده، خمس مرات في القرآن الكريم:
1- قال تعالى: " وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً {67}" (سورة النساء).
2- قال تعالى: " فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً{65}" (سورة الكهف).
3- قال تعالى: " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً {12} وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً{13} وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً{14} وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً{15}" (سورة مريم).
4- قال تعالى: " كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً{99}" (سورة طه).
5- قال تعالى: " وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ{57}" (سورة القصص).
إن مجموع ما أعطاه الله تعالى لعباده في هذه الآيات هو (أَجْراً عَظِيماً - عِلْماً - وَحَنَاناً - وَزَكَاةً - ذِكْراً - رِزْقاً).
لو نظرنا لعطاء الله تعالى في هذه العطايا الستة لوجدناها (عطايا معنوية) وإن بدا في بعضها الجانب المادي ولكنها معنوية في حقيقتها.
- لو نظرنا إلى قوله تعالى (وَزَكَاةً) لوجدنا أن معناها (العمل الصالح - البركة - الطُّهر) وذلك حتى لا تفهم بمعناها الظاهري.
- ولو نظرنا إلى قوله تعالى (رِزْقاً) لوجدنا أن الرزق منه المادي ومنه المعنوي. والمادي منه قائم على الرضا به والقناعة والشكر عليه وهي أمور معنوية بحتة.
وختاماً: نجد أن طلب العبد من الله تعالى قائم على تحقيق أمور الدنيا والدين، أما عطاء الله تعالى للعبد فهو قائم على البناء الداخلي والصحة النفسية التي بدونهما لا يستمتع الإنسان بالدنيا كما يحب ويرضى ولا يقيم الدين كما يحب الله تعالى ويرضى.
من هنا نجد أن عطاء الله تعالى قد جاء مُكملاً لما طلبه العبد لنفسه بأمور قد تخفى على العبد أو يجهل عنها ويعلم الله تعالى قيمتها وأهميتها لصلاح أحوال العباد.
ومن هنا أيضاً تتجلى حكمة النبي ﷺ حين قال في دعائه: "اللَّهمَّ إنَّا نسأَلُكَ مِن الخيرِ كلِّه عاجِلِه وآجِلِه ما علِمْنا منه وما لَمْ نعلَمْ ونعوذُ بكَ مِن الشَّرِّ كلِّه عاجِلِه وآجِلِه ما علِمْنا منه وما لَمْ نعلَمْ".