من مشكلاتنا على شبكات التواصل .. (2) عدم التحقق من صدق الأخبار المنقولة

الرئيسية » خواطر تربوية » من مشكلاتنا على شبكات التواصل .. (2) عدم التحقق من صدق الأخبار المنقولة
facebook22

يتهاون الكثيرون في نقل الأخبار ونشرها على صفحاتهم لمجرد أن يقرؤوها في صفحة أخرى، وكأنها أصبحت يقيناً وواقعاً، فيمثل تكرار نشرها من شخص لآخر تأكيداً لها دون التثبت، كأن ينشر أحدهم مقتل فلان، أو اختفاء فلان، أو خيانة هذه، والشكّ في تلك دون تأكيد الخبر، فيتسبب بنشره لمصيبة لا يعلم مداها إلا الله، والمجتمعات العربية على وجه العموم تقع فريسة تلك الآفة، خاصة على صفحات الفيس بوك، نظراً لما تمر به الأمة من حالة ضعف وتردٍّ، وهو السبب الأول في ظاهرة انتشار الشائعات؛ حيث يكون الإنسان على استعداد نفسي لتقبل أي خبر، حتى لو كان منسوجاً من الأكاذيب، وذلك هروباً من الواقع المرّ الذي يعيشه في حياته اليومية.

وتكتسب الأخبار الكاذبة أهميتها حسب مشكلات كل مجتمع، فإن كانت المشكلة المسيطرة على الواقع مشكلة سياسية، دارت الشائعات في هذا المضمار، وهكذا إن كانت المشكلة الأولى في المجتمع مشكلة اقتصادية أو أمنية أو اجتماعية أو أخلاقية.

جهات نشر الشائعات

تحرص الكثير من الجهات على نشر الشائعات للكثير من الأسباب، وبالطبع لن يكون هناك هيئة للكذب –خصيصاً- وإلا لانكشف أمرها سريعاً للناس وتجنبوها، وإنما معظم تلك الهيئات تقوم بنشر الكثير من الأخبار الصادقة، لكنها غير هادفة لتحقيق أهداف تقوم عليها، مثل نشر الفتن أو التقليل من شأن جهة أخرى، أو الدفاع عن النفس في قالب هجوم على الآخر وتشويهه، ومن هذه الهيئات، جهات تابعة للأنظمة سياسية أو أمنية أو إعلامية، ومنها ما هو تابع لمنظمات أو أحزاب سياسية، ومنها ما يتبع فرد أو مجموعة من الأفراد، جمعهم هدف واحد.

يبدأ النشر بأخبار صادقة، ثم يتخلّلها الكذب، بحيث لا تستطيع أن تفرّق بين الحقيقة والكذب، ولا تستطيع معها تنقيح الخبر، أو البحث عن مصدر يثبته جملة، فيتم قبوله وتداوله مع التأكّد من صدقه.

وقد تلجأ بعض الجهات المخابراتية أو الدولية أو الحزبية أو الهيئات التي تحمل أيدلوجية لنشر أخبار تستهوي الغالبية العظمى من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أو تتفق مع ميول أغلبيتهم، بإنشاء صفحات مؤيدة لفكرة ما، فيلتف حولها الشباب والمؤيدون، لتبث من خلالها الأفكار التي تريد غرسها في وعي هؤلاء، فتشكل توجههم من حيث لا يشعرون، بينما هم لا يدرون أنهم يتبعون جهة معادية لفكرتهم.

ولذلك، فإن الشائعات والأخبار الكاذبة تمثل خطورة مجتمعية كبيرة على متابعيها، في الوقت الذي يحسب الناقل أنه يحسن صنعاً، وقد كان حريّاً به التثبت إذا كان الخبر يمس العامة، ويهمّ غالبية الناس، وعلى جانب آخر، فهناك بعض القضايا التي لا يجوز نشرها وإن ثبتت، ولا يجوز التثبت منها إن توقف الأمر على نشرها دون دليل، ومن هذه الأخبار، ما يتعلق بأعراض الناس، أو حياتهم الشخصية، فليس يعني القارئ المتابع زواج فلانة من فلان، أو ملابس تلك المرأة ونشرها شبه عارية، وليس يهم المتابع أخبار الطلاق والإنجاب، طالما لا ينبني عليه مصلحة تمس الأمة من قريب أو بعيد، بل هي أخبار لا يجوز التثبت منها، بل يستوجب على الفرد تركها بالجملة، والنأي بنفسه عن تلك الدائرة المشبوهة؛ لأن لها من التبعات السلبية ما يدخل في نشر الفاحشة، ويستوجب العقاب الرباني!

فقبل أن ينقل أحدهم خبراً يجب عليه التثبت إن كان من الأخبار العامة التي تهم الناس، والإعراض عنه إن كان لا يضيف قيمة إيجابية إلى المجتمع الذي يوشك على الانهيار الأخلاقي.

الحكم الشرعي في نقل الأخبار الكاذبة

وقد حذّر الشارع أشدّ التحذير من نقل الشخص لكل ما يسمعه، فعن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع) (رواه مسلم في المقدمة).

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يحدِّث بكل ما سمع) (السلسلة الصحيحة).

قَالَ النَّوَوِيّ: "فَإِنَّهُ يَسْمَع فِي الْعَادَة الصِّدْق وَالْكَذِب، فَإِذَا حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ فَقَدْ كَذَبَ لإِخْبَارِهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ، وَالْكَذِب: الإِخْبَار عَنْ الشَّيْء بِخِلَافِ مَا هُوَ، وَلا يُشْتَرَط فِيهِ التَّعَمُّد".

وعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) (رواه البخاري).

قال عمر رضي الله عنه: "إياكم والفتن، فإن وقْعَ اللسان فيها مثل وقع السيف"، وانتشار الشائعات في الأمة قد يودي بها، ويغيّر مسارها، وقد وقعت أحداث في صدر الرسالة كادت توقع بالجماعة المؤمنة لولا رحمة الله، ومن تلك الأمثلة، بعد هجرة المسلمين من مكة إلى الحبشة، أشيع أن أهل مكة أسلموا بعد خروجهم، فرجع بعض الصحابة من الحبشة، وتكبّدوا عناء الطريق حتى وصلوا إلى مكة، ووجدوا الخبر غير صحيح، ولاقوا من صناديد قريش التعذيب، وكل ذلك بسبب الإِشاعة.

وفي غزوة أحد، لما قتل "مصعب بن عمير" أُشيع أنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقيل: قُتل رسول الله، فانكفأ جيش المسلمين بسبب الشائعة، فبعضهم هرب إلى المدينة، وبعضهم ترك القتال.

ومن الشائعات التي تركت أثراً بليغاً في المجتمع المدني، وما أكثرها اليوم، حادثة الإِفك التي اتهمت فيها السيدة عائشة البريئة الطاهرة بالفاحشة، وما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه من البلاء، وكل ذلك بسبب شائعة منافق.
فكيف إذاً يمكن أن نتعامل مع الخبر المنشور في إطار الفهم الإسلامي؟

هل هناك حكم إسلامي بهذا الشأن؟ بالفعل هناك إجراءات حين التعرض لخبر أو مجموعة أخبار قد تكون مثيرة، يقوم قارئها بنشرها، وقد لا يتوقف الأمر عند النشر، وإنما يمتد للإضافة والحذف حتى يغلّف الخبر بإثارة مضافة، تدفع المتابع للتفاعل معه، ومن هذا الإجراءات:

- الصبر والتروي والتأني:

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (التأني من الله، و العجلة من الشيطان) (السلسلة الصحيحة 1795).

- التثبت والتحقق:

إذا كان من الأخبار العامة التي لا تخدش حياء المسلمين، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} [الحجرات، آية:6]، وفي قراءة (فتثبتوا)، وقد وصف القرآن في هذا الموضع ناقل النبأ بالفاسق حتى يتم التبين والتحقق من صحة الخبر.

ويقول العلماء في سبب نزول الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث "الوليد بن عقبة بن أبي معيط" إلى بني المصطلق؛ ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا، وخرجوا ليلتقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة".

فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يحدّث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: "يا رسول الله، إنّا حُدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنّا خشينا أن يكون إنما ردّه كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله!"

وأن رسول الله استعتبهم، وهمّ بهم، فأنزل الله عز وجل عذرهم في الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين} [الحجرات، آية:6].

معنى التثبت: بذل الجهد لمعرفة الحقيقة؛ ليعرف أثبت هذا الأمر أم لا.

والتبين: التأكد من حقيقة الخبر وظروفه وملابساته.

يقول الحسن البصري: "المؤمن وقّاف حتى يتبين".

وكثير من الأخبار -خاصة المفرح منها- ينتشر بين الناس على تلك الصفحات بسرعة البرق، فينتظر الناس نتيجته بلا طائل، وتقل المصداقية، وتكتب على ناشرها كذبة وهو لا يدري...

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …