نظرة أخرى!

الرئيسية » حصاد الفكر » نظرة أخرى!
usps_missing_mail

أراد رجل أن يبيع بيته وينتقل إلى بيتٍ أفضل، فذهب إلى أحد أصدقائه وهو رجل أعمال وخبير في مجال التسويق، وطلب منه أن يساعده على كتابة إعلانٍ لبيع البيت، وكان الخبير يعرف البيت جيداً، فكتب وصفاً مفصلاً له، أشاد فيه بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة والتصميم الهندسي الرائع!

ثم قام بقراءة كلمات الإعلان على صديقه الذي كان يصغي إليه باندهاش شديد، وقال له: أرجوك أعِد قراءة الإعلان!
وحين أعاد خبير التسويق القراءة، قال له صاحب البيت: يا له من بيت رائع، لقد ظللتُ طول عمري أحلم باقتناء مثل هذا البيت ولم أكن أعلم أنني أعيش فيه إلى أن سمعتك تصفه!

ثم ابتسم قائلاً: من فضلك، لا تنشر الإعلان، فبيتي غير معروض للبيت!

بعيداً عن فكرة أن الإعلانات التجارية تجعل «من البحر طحينة» كما يقول المثل العامي، وهي في الغالب تخدعنا بكلمات رنانة تشبه إلى حد كبير لائحة الطعام في الطائرة ! أول مرة سافرتُ فيها أعطوني لائحة الطعام قرأتُ فيها شيئاً يشبه: طحين مستخرج من سنابل القمح الذهبية التي ترتوي من ماء نقي يتدفق من بين الصخر الشامخ، مع بيض الدجاج المربى في أحسن المزارع الذي يسمع الموسيقى ويرقص الباليه ! مع أشهى التوابل العالمية المستوردة خصيصاً، بالإضافة إلى الخضروات التي يُشرف عليها مُختصون متخرجون من أرقى جامعات العالم!

قلتُ في نفسي لا شك أن هذا طبق من أطباق الجنة، أو على الأقل هو الفالوذج الذي أقرأ عنه في أخبار الخلفاء والأمم الغابرة! لدرجة أنني لم أقرأ الخيار الثاني لشدة رغبتي في أن أرى هذه الوجبة، التي كانت عجة والتي يوم تصنعها أمي في البيت أعرف أن الحجة في هذا اليوم مفلسة أو على شفا الإفلاس أو أنها تقوم بغسل السجاد ولا وقت لديها لصناعة المعجزات!

وبالعودة إلى صاحبنا صاحب البيت، أسأل: لماذا على الآخرين أن يخبرونا دوماً بالأشياء الجميلة التي نملكها ! مشكلتنا أننا نريد أن نملك دوماً أكثر بدل أن نفكر في أن نستمتع بالأشياء التي نملكها!

نحن دوماً نريد بيتاً أكبر، ولكننا ننسى أن البيت ليس جدراناً وأثاثاً فقط، إنه وطن صغير فيه من المشاعر والحكايا والذكريات أكثر مما فيه من المساحة والأثاث!

نحن دوماً نريد وظيفة أفضل ولكننا ننسى أن هذا العالم يغص بالعاطلين عن العمل، وأن الوظيفة ليست مالاً يُجنى فقط، إنه كرامة ورغيف خبز بِعِزة، وإحساس رائع بالإنتاج والعطاء!

نحن دوماً رجالاً ونساء، نريد زوجة أفضل، وزوجاً أفضل، وننسى أن نكون نحن الأفضل أولاً!

لا شيء في سعي الإنسان لامتلاك بيت أكبر، أو الحصول على وظيفة أرقى، أو الرغبة في العيش مع شريك عمر ممتاز، ولكن لماذا علينا دوماً أن نشعر بالنقص تجاه الأشياء التي لا نملكها بدل أن نشعر بالامتنان تجاه الأشياء التي نملكها!

معلومات الموضوع

الوسوم

  • الحياة
  • النعم
  • مراجع ومصادر

    • الوطن القطرية
    اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    قراءة سياسية في عبادة الصيام

    عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …