"إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا".
سبق أن ذكرنا في الجزء الأول من هذا الموضوع بعض الأدلة التي تؤكد على حجية السنة، كما قمنا بتعريف السنة وأقسامها وبعض الآيات التي تدل على حجيتها.
وفي الجزء الثاني ذكرنا بعض الآيات والأحاديث التي تؤكد حجية السنة، كما تحدثنا عن مدى اتباعِ الصحابة رضي الله عنهم للنبيِّ ﷺ.
وفي الجزء الثالث تحدثنا عن بعض أقوال التابعين في حجية السنَّة، كما تحدثنا عن موقف السلف الصالح مِمَّن عارض السُّـنة.
ثامناً: تعجيل عقوبة من لم يُعظِّم السُّنة
إن الآية التي ذكرت في صدر الموضوع وهي قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا " نفهم منها أن اللعنة بشتى صورها لاحقة لا محالة بكل من تسوِّل له نفسه أن يتجرأ على سنة النبي ﷺ ولو ببنت شفة بل ولو بالإشارة، ونسوق هنا بعض الأمثلة الدالة على ذلك:-
1- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنَ رجلًا أكل عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشمالِه. فقال (كُلْ بيمينِك) قال: لا أستطيعُ. قال (لا استطعتَ) ما منَعَه إلا الكِبرُ. قال: فما رفعَها إلى فِيه (صحيح مسلم).
2- جاءَ رجلٌ إلى سَعيدِ بنِ المسيَّبِ يودِّعُهُ بِحَجٍّ أو عُمرَةٍ، فقال لهُ: لا تَبرَحْ حتَّى تُصَلِّيَ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قال: "لا يسمعُ النِّداءَ أحدٌ في مسجدي هذا، ثم يخرجُ منه -إلا لحاجةٍ- ثم لا يرجعُ إلا مُنافقٌ ". فقال: إنَّ أصحابي بالحرَّةِ، قال: فخرَجَ، قال: فلَم يزَلْ سعيدُ يولَعُ بذِكرِهِ حتَّى أُخبِرَ أنَّهُ وقعَ مِن راحلتِهِ فانكَسرَتْ فَخِذُهُ" (السلسلة الصحيحة).
3- جاء في كتاب "بستان العارفين": عن أبي داود السجستاني قال: "كان في أصحاب الحديث رجل خليع إلى أن سمع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع فجعل في عقبيه مسامير حديد وقال أريد أن أطأ أجنحة الملائكة فأصابه أكلة في رجليه. وذكر الإمام أبو عبد الله التيمي هذه الحكاية في كتابه "شرح صحيح مسلم" وفيها، وشلت رجلاه ويداه وسائر أعضائه.
4- قال أبو عبد الله التيمي في شرحه لصحيح مسلم: قرأت في بعض الحكايات أنَّ بعض المبتدعة حين سمع قول النبي ﷺ: "إذا استيقظ أحدُكم من نومِهِ، فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناءِ حتى يغسلَها ثلاثًاً. فإنه لا يَدْرِي أين باتت يدُه". قال ذلك المبتدع على سبيل التهكم: أنا أدري أين باتت يدي، باتت في الفراش! فأصبح وقد أدخل يده في دُبره إلى ذراعه! أ هـ.
قال العراقي في "طرح التثريب": "فَاسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَيَدُهُ فِي دَاخِلِ دُبُرِهِ مَحْشُوَّةً فَلَمْ تَخْرُجْ حَتَّى تَابَ عَنْ ذَلِكَ وَأَقْلَعَ".
5- جاء في كتاب "شذرات الذهب في أخبار من ذهب"، لابن العماد: "وقال ابن خلكان: " بلغنا من جماعة يوثق بهم -وصلوا إلى دمشق من أهل بصرى- أن عندهم قرية يقال لها: دير أبي سلامة، كان بها رجل من العربان، فيه استهتار زائد وجهل، فجرى يومًا ذِكر السواك وما فيه من الفضيلة. فقال: والله ما أستاك إلا من المخرج -يعني: الدبر- فأخذ سواكًا وتركه في دبره، فآلمه تلك الليلة، ثم مضى عليه تسعة أشهر، وهو يشكو من ألم البطن والمخرج، ثم أصابه مثل طلق الحامل، ووضع حيوانًا على هيئة الجرذون، ورأسه مثل رأس السمكة، وله أربع أنياب بارزة، وذنب طويل مثل شبر، وأربع أصابع، وله دبر مثل دبر الأرنب! ولما وضعه صاح ذلك الحيوان ثلاث صيحات، فقامت ابنة ذلك الرجل فشجت رأسه، فمات وعاش ذلك الرجل بعده يومين ومات، وهو يقول: هذا الحيوان قتلني وقطع أمعائي، وشاهد ذلك الحيوان جماعة من تلك الناحية وخطيب المكان. وكان هذا عام: 665هـ".
6- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "أما يخشَى الذي يرفعُ رأسَهُ قبل الإمامِ أنْ يحوِّلَ اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ؟"(صحيح مسلم).
جاء في "فتح الملهم شرح صحيح مسلم": "حكي عن بعض المُحدثين: أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها. - يقول المحدث: فقرأ جملة لكنه - أي الشيخ - كان يجعل بيني وبينه حجابًا ولم ير وجهه؛ فلما طالت ملازمته له، ورأى حرصه على الحديث، كشف له الستر فرأى وجهه وجه حمار! فقال له: احذر يا بني أن تسبق الامام؛ فإني لما مر بي الحديث- يعني: حديث أبي هريرة السابق - استبعدت وقوعه؛ فسبقت الإمام، فصار وجهي كما ترى! والله تعالى أعلم".
وختاماً: يكفينا في هذا المقام أن نختم بقوله تعالى: " لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً {9}" (سورة الفتح).