"إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا"
سبق لنا أن تحدثنا عن تعريف السنة وأقسامها وبعض أدلة حجيتها ومدى دقة اتباعِ الصحابة رضي الله عنهم للنبيِّ ﷺ، كما تحدثنا كذلك عن بعض أقوال التابعين في حجية السنَّة وعن موقف السلف الصالح مِمَّن عارض السُّـنة. ولم يفوتنا أن نتحدث عن نماذج من تعجيل عقوبة الله تعالى لمن لم يُعظِّم السُّنة.
تاسعاً: إن الله تعالى قد تكفل بحفظ النبي ﷺ وحفظ سنته
لقد وردت العديد من الآيات التي تدل على حفظ الله تعالى لنبيه ﷺ، منها:-
قوله تعالى: "وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً {45}" (سورة الإسراء).
وقوله تعالى: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ {95}" (سورة الحجر).
إن مواقف حفظ الله تعالى للنبيﷺ كثيرة، بل أكثر من أن تحصى، حفظه من مكايد مشركي مكة واستهزائهم، وحفظه في الهجرة، وحفظه من مكايد يهود المدينة واستهزائهم، ومزَّق ملك كسرى حين مزَّق كتاب رسول الله ﷺ إليه، وغير ذلك كثير إلى يومنا هذا بل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تعجَبونَ كيف يصرِفُ اللهُ عنِّي شتمَ قريشٍ ولعنَهم، يشتِمونَ مُذمَّمًا ويلعَنونَ مُذمَّمًا، وأنا محمَّدٌ " (صحيح البخاري).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها " (صحيح أبي داود).
إن التجديد المقصود في الحديث ليس تجديد حذف ولا إضافة ولا ابتداع كما يعتقد البعض ولا كما ينادي به الهلكى المخابيل ولكن بنزع كل ما علق بالدين وهو ليس منه في شيء حتى يعود جلياً واضحاً كما تركه لنا المصطفىﷺ.
لقد حذرنا النبي ﷺ من مغبة اتباع أصحاب الهوى الضالين والمضلين سواء من أبناء هذه الأمة أو غيرها حيث قال: "لتتبعن سننَ من قبلكم شبرًا بشبرٍ، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحرَ ضبٍّ لسلكتموه. قلْنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: فمن".
والواقع يقول أن أعداء الأمة لا يجرؤون على أن يقتربوا من حمى الدين ولكن يجندون من أبنائه من يكفونهم مئونة ذلك.
من المواقف المعاصرة التي تبين مغبة الانتقاص من قدر ومقام النبي ﷺ (بتصرف)، يذكر المحدث أحمد شاكر-رحمه الله- في كتابه (الكلمة الحق) عن والده الشيخ محمد شاكر -رحمه الله- حيث يقول: "إن السلطان فؤاد كان يصلي الجمعة في عابدين، فاستحضروا الشيخ محمد المهدي لأنه كان خطيباً مُفوهاً، وكان السلطان يحب أن يصلي وراءه دائماً، وصادف في هذه الفترة أن طه حسين قد أتى بالدكتوراه في اللغة العربية من فرنسا فأراد الخطيب محمد المهدي أن يثني على الملك فؤاد فقال يمتدح الملك فؤاد: (ما عبس وما تولى لما جاءه الأعمى). الأعمى: هو طه حسين، ما عبس فيه ولا تولى، بل هش له وبش، وأرسله إلى فرنسا يحضر الدكتوراه.
وبعد أن صلوا الجمعة قام الشيخ محمد شاكر -وكان وكيل الجامع الأزهر- وقف وقال: أيها الناس! صلاتكم باطلة والخطيب كافر، فأعيدوا الصلاة؛ ... إلى نهاية الموقف.
قال الشيخ أحمد شاكر: "وأقسم بالله لقد رأيت هذا بعينيّ، طال الزمان بالرجل محمد المهدي- والذي كان من أشهر خطباء مصر، فلقد رأيته خانعاً ذليلاً فراشاً لأحد المساجد يتلقى نِعال المصلين.
عاشراً: حكم من استهزأ أو انتقص من قدر سنة النبي ﷺ
قال تعالى: "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ {65} لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .. {66}" (سورة التوبة).
قال أبو العباس الفضل بن زياد -رحمه الله-: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: نظرت في المصحف فوجدت فيه طاعة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) وجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة الشرك، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ فيهلكه.
ختاماً: إن شرع الله -قرآنا وسنة- لا يتأثر بكيد أعدائه ومبغضيه فلقد تكفل الله بحفظه ، فهو لا تعدله قوانين ولا تغيره دساتير ولم يحاربه من جبار إلا قصمه الله.
إن كل حيل من يريدون الانتقاص من قدر السنة النبوية تلهب الحمية في نفوس المسلمين وتوقظ الليث الجفول والإيمان المخدر وتزيل المفاهيم الخاطئة التي أقنعوا بها ضعاف الإيمان وحينها يعود للدين شبابه ويعود أقوى وأصلب وأمضى وأنصع إنما أعداء الدين فستطاردهم اللعنات وسيجعلهم الله تعالى كالهشيم الذي تذروه الرياح وينقلبوا خزايا خاسرين في الدنيا قبل الآخرة.