من أصعب مواقف يوم القيامة التي تقرأها في سورة الحديد: طلب المنافقين من المؤمنين أن ينتظروهم عند عبورهم الصراط -وهو على شفير جهنم- ليقتبسوا من أنوارهم -لما ورد في الأثر عن شدة ظلمته وعدم كشفه إلا لأصحاب الأنوار-، عندها تتمايز الصفوف وتنكشف المواقف، فيكون الرد (ارجعوا وراءكم) "أي لدنياكم التي ملأتموها نفاقاً وجدالاً وتخاذلاً عن نصرة الدين" (فالتمسوا نورا)!
فهذا النور عاقبة الوضوح والثبات على المبادئ والحق لا التلجلج فيه، ويحال بينهم (بسور له باب، باطنه فيه الرحمة) فلا يرى أصحاب الإيمان إلا جانب الرحمة، (وظاهره من قبله العذاب) لتمايز مواقفهم تمايز بنيان السور وجانبيه.
عندها يستيقظ المنافقون من غفلتهم وخداعهم الذي ظنوه قادراً على إكمال مخادعتهم الدنيوية للمؤمنين، فيستنجدون بهم ويذكرونهم بالصحبة (ينادونهم : ألم نكن معكم؟؟ قالوا : بلى) فكم حضروا وشاركوا بأجسادهم ولكن بقلوب فارغة من إرادة الدعوة والإصلاح، كم كانوا (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول)، كم ظنوا أنهم بلحن القول أن سيوارون سوءة صنيعهم باتباعهم الهوى، ولكن (يأبى الله إلا أن يتم نوره)، فتكون فضيحتهم على رؤوس الأشهاد، (ولكنكم...
1- فتنتم أنفسكم // 2- وتربصتم // 3- وارتبتم // 4- وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله// 5- وغركم بالله الغرور) وكل فعل من هذه الأفعال كفيل بهلاككم، فكيف باجتماعها كلها.
فماذا كانت النتيجة؟؟
(فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا، مأواكم النار، هي مولاكم، وبئس المصير)
فلا تيأس دعوة الله من تغربل صفوفها في الدنيا، فإن هذا مقدمة لانفضاح أمرهم يوم القيامة، ومهما طال ليل الفساد وأعوانه من أصحاب اللحى العفنة، فإن الله ناصر دعوته، (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).
فاللهم أصلح سرائرنا وأعنا على أنفسنا وطهر لنا قلوبنا ولا تجعلنا مع القوم الظالمين.