ربما حازت فكرة العروبة على كثير من إعجاب الشعراء العرب على مر التاريخ، فلم يبخل أحد منهم من ترك العنان لقلمه ليعبر عما يجول بخاطره مفاخراً بانتسابه إلى أمة العرب، وربما من أجمل القصائد التي تعبر عن الفخر والاعتزاز بالعروبة هي قصيدة "سجل أنا عربي" فلا أخال أحداً من المحيط إلى الخليج لم تطرب آذانه، ولم يدندن لسانه (سجل أنا عربي) للشاعر العربي الفلسطيني محمود درويش، فهي منذ أن ولدت وهي حاضرة في كل مكان ومهرجان وفي إذاعة كل مدرسة وفي مناهج التعليم، ففي "سجل أنا عربي" فخرٌ وعزة، وتأريخ لتاريخ أرض وأمة، فيها بيان لصفات العربي الذي يحب كثرة الإنجاب، ويعمل بجد واجتهاد كي يكسب قوت يومه (و أعمل مع رفاق الكدح في محجر و أطفالي ثمانية أسل لهم رغيف الخبز، و الأثواب و الدفتر من الصخر).
في( سجل أنا عربي) ذكر صفات العربي (ولون الشعر فحمي، و لون العين بني، و ميزاتي على رأسي عقال فوق كوفية و كفى صلبة كالصخر تخمش من يلامسها)، وفيها بيان أن صبر العربي ليس ضعفاً، بل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة (جل برأس الصفحة الأولى، أنا لا أكره الناس، و لا أسطو على أحد،و لكني إذا ما جعت آكل لحم مغتصبي، حذار حذار من جوعي و من غضبي).
(سجل أنا عربي) ليست يتيمة وليست وحيدة في عالم الإبداع الشعري النابض بالفخر والاعتزاز والبطولة، فلو تجولنا في قصائد الشعراء العرب قديماً وحديثاً سنجد ما لذ وطاب من كلمات تمجد العروبة، فهي أمة الكرم والشرف والنخوة والمروءة والبطولة، حتى أن أغلبنا قد شارك تلك القصائد وحفظها عن ظهر قلب لأنها تشعره بأمجاده ودوره بين الأمم.
لكن هل بقيت العروبة كما كانت مصدر فخر واعتزاز، وهل بقي العرب مصدر البطولة والرجولة، وهل لازالوا مثلُ الجسد إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمى؟ وهل بقيت قصائد العروبة كما كانت تمنحنا القوة حين يصيبنا التعب، وتمدنا بوقود الصمود لنغلب المصاعب؟ أم أن ثمة متغيرات قوية دخلت على قلب العرب والعروبة فأخذت منهم ومنها الحظ الوافر من النخوة والشهامة العربية الأصيلة، وطالبتها بالتحلي بالصبر وضبط إعدادات الانفعال كي لا يحدث اختراق لأجهزة الاستقبال و الإرسال؟
إن الاجابة التي تفرض نفسها هي "لا" فالواقع الحالي يؤكد بلا شك أن العروبة كانت خيلا قوية ثم قُتلت، فكثيرٌ منا تنكر لأبسط مبادئ العروبة التي تقتضي نصرة المظلوم والمحاصر ومساندته على عدوه وليس العكس، وكثير منا ترك العروبة تئن تحت وطأة الظلم دون أن يتحرك أو يحرك ساكناً، وقد أحسن الشاعر العربي الكبير نزار قباني حين تساءل: ما للعروبـةِ تبدو مثلَ أرملةٍ، أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
ثمة قصيدة للشاعر هشام الجخ بعنوان "التأشيرة" يبكينا ويبكي مع حروفه حين يذكر كيف كان العرب وكيف صاروا؟ يبكي حين يعرف أن العربي قديما كان بإمكانه أن يتناول فطوره في دولة ما، ويتغدى عند أختها، وينام في حضن الثالثة؟ أما الان فقد أصبح الأمر أقرب للمستحيل.
وربما من أكثر الاغاني التي حازت على رضا الجماهير العربية هي اغنية "الحلم العربي" التي غناها فنانون عرب عبروا فيها عن المشاعر التي تجول في خاطر ووجدان كل مواطن عربي، حيث تخاطب الضمير والوجدان والعقل العربي المؤثر، لكني لا حياة لمن تنادي، وهنا يحلو لي القول (فدَعــوا ضميرَ العُــربِ يرقدُ ساكناً فــي قبــرِهِ.. وادْعـــوا لهُ.. بالمغـــفـــرة).
فهل سيأتي وقت أكثر سوءا مما نحن فيه، ونقول عكس ما قاله درويش،، أرجوك لا تسجل أنني عربي؟