من نافل القول التأكيد على أهمية شريحة #الشباب، سواء بشكل عام في حياة المجتمعات والحضارات الإنسانية، أو فيما يتعلق بالمشروع الإسلامي، والمؤسسات التي تعمل عليه، حيث الشباب هم قوة الفعل الحقيقية القادرة على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.
وهذا الإدراك موجود لدى القائمين على الحركة الإسلامية، وبالذات الآباء الأُوَل المؤسسون، الذين كان هذا المُدرَك قائمًا لديهم على المستويَيْن، الفكري والحركي، حيث نجد الشباب حاضرًا في القضايا التي تتم مناقشتها، سواء لجهة المحتوى أو نوعية الخطاب، وكذلك في الأدوار داخل الحركة.
وبالرغم من الكثير من العوارض والتحولات التي واجهتها الحركة الإسلامية الصحوية في العقود الماضية، وأدت إلى استمرار ما يُعرَف أو يُوصَف بجيل الشيوخ المؤسس، وجيل الوسط الذي ظهر في فترة الصحوة المعاصرة، في عقد السبعينيات، على البُنْيَة التنظيمية، إلا أنه -ومنذ مطلع الألفية الميلادية الجديدة- وجدنا أن هناك اهتمامًا بقضية تمكين الشباب داخل الحركة الإسلامية الصحوية، والاهتمام بالمزيد من الأدبيات الفكرية التي تخاطب الشباب، أو تتناول أدوارهم وواجباتهم في هذه المرحلة.
منذ مطلع الألفية الميلادية الجديدة وجدنا أن هناك اهتمامًا بقضية تمكين الشباب داخل الحركة الإسلامية الصحوية، والاهتمام بالمزيد من الأدبيات الفكرية التي تخاطب الشباب، أو تتناول أدوارهم وواجباتهم في هذه المرحلة
إلا أن هذه الجهود واجهت تصدُّعًا هائلاً في ظل ما أفرزته مرحلة ما يُعرَف بثورات الربيع العربي وما بعدها، عندما فرضت الأزمات متعددة الأبعاد التي عانت منها الحركة الإسلامية بشكل عام، سواء على مستوى التنظيمات، أو على مستوى الفكرة كذلك، حيث طالت الأزمة المرتكزات الأساس التي تنطلق منها الصحوة الإسلامية في خطابها للجمهور العام، سواء في العالم العربي والإسلامي، أو على مستوى العالم الخارجي.
وبغير الدخول في تفاصيل ما جرى وأسبابه، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أنه كان له أبلغ الأثر على شريحة الشباب العامل في حقول العمل الإسلامي المختلفة، سواء الذين طالتهم أو لم يتعرضوا لها بشكل مباشر.
ولا نقف هنا عند الأثر المادي المتعلق بحالات الشتات والنفي أو الاعتقال، أو غير ذلك من الآثار الملموسة، وإنما نتقدم إلى الجانب الأهم، وهو المتعلق بالنواحي النفسية والوجدانية، والتي تُعتبر هي مفتاح العمل الحركي بكل معنى الكلمة، والتي من دونها لا يمكن الحديث عن عمل –أي عمل- سليم فعَّال.
وهو أمرٌ تقول به أحدث الدراسات في مجال العلوم النفسية والسلوكية، بل من صميم الفطرة الإنسانية، وأكدته تجربة التربية النبوية؛ حيث حرص المصطفى "صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، على تحقيق التربية العقدية والوجدانية السليمة أولاً، مع الجيل الأول من المسلمين؛ لإدراكه أنه من دون هذا التأسيس، لن يمكن صناعة رجال دعوة ودولة، رجال حرب وسلم وقرار .
وتتفرع عن هذه المشكلة ستة عناوين أو مجالات تطبيقية نشأت لأكثر من عامل، أهمها الظرف القائم السياسي والاجتماعي وغير ذلك، والثاني يتعلق بعدم تأسيس المنهج التربوي والقائمين عليه للصورة الحقيقية الواضحة حول هذه المجالات، بالشكل الذي يحقق اليقين الفكري والنفسي.
العنوان أو المجال الأول، هو قضية نصر الله تعالى، وكيف يتنزَّل وسُنَنه، ومن ذلك تساؤل وجد لنفسه طريقًا إلى نفوس الكثيرين في لحظة ضعف وهزيمة، وهو: كيف يترك الله تعالى جنده للهزيمة والتنكيل على يد الظالمين!
المجال الثاني، هو المتعلق بقضية الظلم وعقاب الظالمين، مع غياب الرؤية الواضحة لهذا الأمر في سُنن الخالق عز وجل، ومن ذلك أن حكمته وعدله قد يقتضيان الإمهال حتى الآخرة في كثير من الأحيان.
أما المجال الثالث، يتصل بقضية الرسالة والدور. رسالة ودور الإنسان المسلم، ولاسيما الشباب في كل محطة ومرحلة من المحطات والمراحل.
العنوان أو المجال الرابع، وهو ذو صلة بالقضية سالفة الذكر، يتعلق بقضية سعي الإنسان في الحياة الدنيا، لجهة الأهداف والغايات، ولجهة الآليات والوسائل. وتتفرع عن هذه القضية كذلك، قضية أخرى فرعية، وهي تلك المتعلقة بقضية الحياة والموت، وجدوى حياة الإنسان.
المجال الخامس، يتصل بقضية #التطرف، أو تبني أفكار راديكالية فيما يخص تصورات الشريحة التي نَحَت هذا النحو، فيما يخص المشروع الإسلامي، وكيفية إقامته، وكيفية التعامل مع الظلم والفساد، ومع الفسدة والمستبدين من حكومات وأنظمة.
المجال السادس، وهو أسوأ مخاضات ما جرى من أزمات وقعت، هي أزمة التحلل من الفكرة الإسلامية، وصولاً إلى أقصى وأقسى صور التطرف في هذا الاتجاه، وهو الإلحاد.
وفي حقيقة الأمر، فإن المتأمل للواقع الراهن للعمل الصحوي، سواء على مستوى الحقل التربوي، في مجال الأدبيات، وفي مجال الجهد المبذول في أوساط مختلف هذه الشرائح، أو على مستوى التحرُّك من جانب القيادات لاحتواء هذا الوضع سوف يجد الكثير من أوجه القصور الذي يصل إلى درجة الفداحة في التعاطي مع هذه الأمور.
المتأمل للواقع الراهن للعمل الصحوي، سواء على مستوى الحقل التربوي، في مجال الأدبيات، وفي مجال الجهد المبذول في أوساط مختلف هذه الشرائح، أو على مستوى التحرُّك من جانب القيادات لاحتواء هذا الوضع سوف يجد الكثير من أوجه القصور الذي يصل إلى درجة الفداحة في التعاطي مع هذه الأمور
فعلى أبسط تقدير، فإننا نجد أن الأزمات التي ضربت الحركة الإسلامية، والعمل الإسلامي، في أكثر من بلد عربي وإسلامي، لا أثر لها في السياق العام للحركات الإسلامية خارج هذه البلدان.
فنجد أن جهود العمل الإغاثي والدعوي، والعمل الفكري، تسير في اتجاهاتها التقليدية، فيما تُرِكت شرائح الشباب التي تنتمي إلى مجتمعات وبلدان الأزمات لشأنها في غالب الأحوال.
وحتى عندما حاولت بعض الشخصيات والمؤسسات الإسلامية بدء جهد من أي نوع في هذا الاتجاه، واجهوا الكثير من المشكلات، من بينها أن هذا الجهد لم يكن على قدر الفاعلية المطلوبة، وغابت عنه الرؤية الشاملة التي تحقق الهدف منه، مع عدم تلقيه الإسناد الإداري والمالي اللازم من الحركات الأم التي تنتمي إليها هذه الشخصيات والمؤسسات.
وبتعبير أبسط، فإن هذا الجهد لم يأتِ بشكل احترافي أو عميق يصل إلى صُلْب هذه الشريحة، وظل في أدواته يتراوح بين الكتيبات والدورات، وهي آليات لا تصل إلا إلى شريحة محدودة العدد من الشباب ، وحتى في محتواها، لم نجدها تهتم بصلب المشكلات التي يواجهها الشباب الحركي "سابقًا"، ودفعتهم إلى اتجاهٍ من اتجاهات الانحرافات الستة السابقة، والتي يصل بعضها –أي هذه المشكلات– إلى مستوى مهددات البقاء نفسها، حيث لا عمل ولا مأوى أو –وهو الأسوأ– لا أفق واضح للمستقبل.
لم نجد الجهود تهتم بصلب المشكلات التي يواجهها الشباب الحركي "سابقًا"، ودفعتهم إلى اتجاهٍ من اتجاهات الانحرافات الستة السابقة، والتي يصل بعضها –أي هذه المشكلات– إلى مستوى مهددات البقاء نفسها، حيث لا عمل ولا مأوى أو –وهو الأسوأ– لا أفق واضح للمستقبل
وزاد من وطأة الأمر، استسلام قيادات الحركة الإسلامية لوضع الأزمة، وبالتالي لم يتم جهد حقيقي فعال لاستيعاب الصف الحركي في الأطر الإدارية أو التنظيمية لهذه الحركة أو تلك، فتُركوا لمصيرهم حرفيًّا، مما أورث عدداً ضخماً من الشباب شعورًا بالمهانة والخيانة، لاسيما مع فداحة الأثمان التي دفعوها.
وحتى عندما وُجِد بعض الجهد في أيٍّ من هذه المجالات الستة، فإن ظروفًا سياسية عديدة فرضت أن يكون جُل الاهتمام موجَّهًا لقضية مكافحة الفكر المتطرف، وهو أمرٌ أنتجته ممارسات بعض المجموعات الإرهابية المسلحة التي نسبت نفسها للإسلام –أدلة كثيرة تقول بأن مؤسسيها هي دول غير مسلمة تريد إلحاق الأذى بالمشروع الإسلامي وصورته الذهنية– ولكنه شمل أمرًا على أكبر قدر من الأثر، وهو دور مفروض اضطرت الظروف بعض الحركات الإسلامية المتواجدة في الغرب، القيام به للحفاظ على وجودها في الدول الغربية، أوروبا وأمريكا الشمالية.
ولكن هذا الجهد يتضمن تعاونًا مع حكومات أوروبية وغربية بشكل عام في ملف مكافحة الإرهاب –اعترفت به هيئات معتبرة مثل جمعية مسلمي بريطانيا ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)– مما أدى إلى مشكلات فكرية عميقة، أصولية الطابع، لدى شريحة معتبرة من الشباب الذي لا يفهم لماذا يتم ذلك، بينما أدبيات الحركة الإسلامية تقول بأن الغرب، المسيحي اليهودي، أو العلماني الليبرالي، أيًّا كانت الصفة المتَّصِف بها، هو أعدى أعداء الأمة الإسلامية ومشروعها الحضاري.
المجال الثاني -الذي يجد اهتمامًا من المؤسسات العاملة في حقول العمل الإسلامي، ولا ينفصل عن ذلك الموضع من الحديث- هو قضية رد الشبهات عن الإسلام، ولكنه جهدٌ يُبذل في إطار رد الفعل، وعلى العكس قد أتى هذا الجهد بالصورة التي يتم بها، بثمرة عكسية في أوساط الشباب الإسلامي، حيث إنه بالصورة التي يتم بها هذا الأمر، يثبت أن هناك لدينا مشكلات في الصميم، ولدينا في ديننا ومشروعنا –حاشا لله تعالى ذلك– ما يستوجب الدفاع عنه، وعمومًا فإن سياسة رد الفعل تكشف دائمًا عن موقف ضعيف.
وفي حقيقة الأمر، فإننا أمام مشكلة ضخمة، حتى إن الجهد الوصفي التشريحي لها، يتطلب جهدًا أكبر من حيز هذه الكلمات، حيث إن هناك أعدادًا يجب أن تُحصى، وخرائط توزيع ينبغي أن ترسم على مختلف الاتجاهات الأفقية والرأسية لهذه المجالات الست –وغيرها– سواء لجهة حجم أو توزيع كل شريحة بين كل مشكلة وأخرى، وأيها أكثر حرجًا، فتكون له الأولوية، ثم حصر مناطق تواجد كل فئة من هذه الفئات في التصنيف، وشكل الجهد الذي ينبغي أن يُبذل، بين ما هو تنظيمي، وما هو فكري وتربوي، قبل أن تتم عملية إعادة دمج لهم في اتجاهات العمل الإسلامي المختلفة.
وقد يتصور البعض أن قضية إعادة الدمج هذه، هي مرحلة انتهائية، أو في المراحل الأخيرة من عملية الإصلاح المطلوبة، ولكنها في حقيقة الأمر، قد تكون أداة معالجة في حد ذاتها، حيث إنها سوف تضمن على الأقل إجراءات لإعادة تهيئة الشباب ، ودمجهم في مسارات محددة يتم من خلالها بشكل تلقائي تصويب المفاهيم وتصحيحها.
وفي الختام، فإنه في ظنِّي أن هذا هو واجب الوقت الأكثر أهمية وإلحاحًا بالنسبة لمؤسسات العمل الإسلامي؛ فالفشل الداخلي يعني أنك لن تستطيع أن تحقق أي شيء خارج نطاقك!