أطفالنا والتنمّر، المخاطر والأسباب والعلاج (2-2)

الرئيسية » بصائر تربوية » أطفالنا والتنمّر، المخاطر والأسباب والعلاج (2-2)
Teasing

تحدثنا في المقال السابق عن التنمر وتعريفه ومخاطره وأسبابه، وبيّنا أهمية الدور البيتي والتفكك الأسري ومخاطره على الأطفال، وآثاره الخبيثة، وما يحدث لهم حياتياً بسبب هذه الآفة، واليوم نتحدث عن العلاج، لكن قبل الشروع في وصف الدواء نحذّر بشدة من التنمر الإلكتروني، وأردت تأخير الحديث عن هذا التنمر حتى يكون مرتبطاً بالعلاج ككل، والسبب هو انتشاره الشديد في المجتمعات.

والتنمر الإلكتروني –كتعريف-: هو استغلال التقنيات وعالم النت المفتوح في السعي لإيذاء أشخاص ما بطريقة عدائية مرفوضة، سواء برسائل الهكر المنتشرة، أو رسائل الترهيب والترغيب، أو حتى بإنشاء حسابات مخالفة للشخصية الحقيقة، وكل هذه الأمور من التنمر العنيف الذي يعقبه مشكلات، وأحياناً يصل الأمر للمحاكم، ففي كل دولة مباحث خاصة بهذه الاتجاه من التنمر الإلكتروني.

والآن حان الجواب عن السؤال الأهم في هذه السلسة: ما هو علاج التنمر؟ وكيف نحمي فلذات أكبادنا من هذا الأمر الشديد؟

أولاً- العقيدة:

إن غرس العقيدة في نفوس الأطفال من عوامل الاطمئنان والنجاة في الدنيا والآخرة، وأيضاً من علامات حسن الفهم والمحبة عند الوالدين، فالابن النافع الذي يأخذه والده معه في ذهابه لأداء الصلوات في المسجد وإقامة الشعائر، وصلة الأرحام، كل هذه من عوامل تقوية الوازع الديني بداخل الأطفال، تثمر عن تحوّل إيجابي شديد في سمات وصفات وأفعال الطفل، فيصبح العداء محبة، والعدوانية تسامحاً، وتزهر الحياة بشكل جديد يضيف للمجتمع صلاحاً وللبيت استقراراً.

إن غرس العقيدة في نفوس الأطفال من عوامل الاطمئنان والنجاة في الدنيا والآخرة، وأيضاً من علامات حسن الفهم والمحبة عند الوالدين

ثانياً- رسالة الإعلام:

إن الإعلام كان ولا زال عمود الخيمة في صلاح المجتمعات أو ضلالها، ولا خير في مجتمع يقوده إعلاميون كاذبون، والمجد كل المجد لمجتمع يقوده إعلام واعٍ، يؤسس لحياة صالحة، ويغرس مفاهيم سليمة تعمّق كل الجوانب الإيجابية، وتحذر من براثن السوء والصفات السلبية، لذلك، فلا مناص من أهمية هذا الدور، وعلى كل إعلامي واعٍ أن يتبنى نهج البناء لا الهدم، والتجميع لا التفريق، والتربية السوية لا الشخصية المنحرفة الفاسدة، وما أكثر المواد النافعة لأبنائنا في الإعلام الذي يتبنى رسالة صحيحة توعوية، تقي الأسرة والمجتمع من منازل الضياع والتنمر.

ثالثاً- التربية الصحيحة:

إن البيت كان ولا زال هو المحضن التربوي الأول الذي إن اهتم به الآباء بشكل كبير، ربما يغني عن أية محاضن حياتية، وقديماً قالوا: إن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فكل قيمة يغرسها الوالدان في الصغر لا تنسى أبداً.

لذلك فالتربية الصحيحة الواعية المصحوبة بالوضوح والصدق والإخلاص في التربية هي من عوامل زوال وعلاج أي مظاهر للتنمر، بل أي مظاهر غريبة تظهر على الطفل، ولا بد أن نذكر بنقطة خطيرة، وهي أن إخلاص الوالدين فقط ليس كافياً لتنشئة الأبناء تنشئة صحيحة، فالأخذ بالأسباب الحديثة في التربية من مواد ودورات ومحاضرات واستشارات، من عوامل تكملة المسير التربوى الناجح، بعيداً عن أجواء العنف الأسري، والسير بلا رؤية ناجحة، وخطة للتربية ملبية للطموحات.

إن إخلاص الوالدين فقط ليس كافياً لتنشئة الأبناء تنشئة صحيحة، فالأخذ بالأسباب الحديثة في التربية من مواد ودورات ومحاضرات واستشارات، من عوامل تكملة المسير التربوى الناجح

رابعاً- ممارسة الرياضة:

رحم الله الفاروق عمر، فقد فطن لأهمية الرياضة في حياة البناء، فحثّ الصحابة على ذلك فقال: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل"، وتلك ثلاثية مهمة في حياة الجميع، فهي مقومات الدفاع عن النفس، والشخصية القوية ذات لياقة عالية.
وهذا هو الفرد المقصود، طفلًا كان أو شاباً أو رجلًا، فضلاً على أن هذه الرياضة تعزز ثقة الأبناء بأنفسهم، بلا تنمر أو انطواء، لذلك لا مناص من أهمية الرياضة في تقويم سلوك وصفات الطفل.

خامساً- صاحب ابنك وراقبه:

قلنا كثيراً أن فهم الأب للتربية هو محور ارتكاز مهم في حياة ابنه، فلو تحوّل الأب من الأمر والنهي، والثواب والعقاب لأبنائهم إلى صاحب يلجأ إليه الابن؛ ليفضفض معه، ويحكي عن آماله، ويشكو من ألمه، يقيناً سيكون هذا باباً جديداً إيجابياً في حياة الطفل، وفي نفس الوقت هذه علاقة ليست منفلتة في عدم الإنصات أو عدم سماع الأمر، فهي علاقة متزنة، تصاحبها مراقبة بسيطة لاهتمامات الطفل، خصوصاً أثناء جلوسه على الحاسوب، ومايشاهده من أفلام العنف والرعب ومصاصي الدم التي يصدرها الغرب لأبنائنا، في خطته لمحو الهوية، وإفراغ العقول، بل وأحياناً سعياً للتخلص من حياتهم بألعاب كالحوت الأزرق وغيره، لذلك، فالمهمة ثقيلة على كل أب وأم، لكنها يسيرة بالدعاء وطلب العون من الله.

سادساً- المرشد الاجتماعي:

إن الجميع مسؤول عن صلاح الطفل، سواء البيت أو المدرسة أو الإعلام والمجتمع، ولما كانت المدرسة يجلس فيها الطالب ثلث يومه، فإنه لابد من شخص متمكن -اختصاص نفسي واجتماعي- يعزز الثقة بالطفل، ويتابع مع البيت أوضاعه وأحواله في شراكة هدفها صلاح البيوت والمجتمعات، من خلال صلاح الأطفال والأبناء، المهم هي الاحترافية والأسلوب البسيط، بعيداً عن التقليد والروتين وتعقيد الأمور.

لابد من وجود شخص متمكن -اختصاص نفسي واجتماعي- في مدرسة الطفل، يتمثل دوره بتعزيز الثقة بالطفل، ويتابع مع البيت أوضاعه وأحواله في شراكة هدفها صلاح البيوت والمجتمعات

سابعاً- قوانين الردع:

إن الحكومات ودورها في علاج التنمر غاية في الخطورة، فهي تملك قوة السيف الذي يجبر الجميع على الانصياع له بقوة القانون، وعليه فإن الحكومات عموماً مطالبة بسن قوانين تجريم للتنمر، وإنزال العقوبات، هذا إن فشلت كل المحاولات التربوية والإعلامية والمجتمعية، والأهم أن يصاحب ذلك حملات توعوية وإعلانية قوية، تصحح مسار الأفكار، وتوضح خطورة التنمر، وتحذر منه، وتقطع الطريق عن انتشار هذه الآفة الخبيثة وسط أبنائنا.

ختاماً:

نحن نحذر ونكتب وندق ناقوس الخطر، وننصح ونحدّد الداء، ونصف الدواء؛ سعياً في الوصول لمجتمع صالح قوي، عماده الفهم التربوي الصحيح، والإدارة المدرسية الواعية، والمجتمع المتكاتف الموحد على قلب رجل واحد، فلا تقسيمات أو تقزيمات، وحكومة تعمل على إصلاح الوطن وتحمي أبناءه من كل المظاهر الغريبة المفسدة له، وعلى الجميع أن يقوم بدوره وفق منظمومة التكامل والإخاء والبناء.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …