تحدثنا في الجزء السابق عن مدى انبهار البعض بثقافة ومعتقدات الغرب وقلنا أن كل ذلك ما هو إلى قشرة خارجية هشة تخفي تحتها الكثير من الجرائم والفواحش والتفكك والانهيار لأن المجتمع الغربي قد سلط سيف الحرية على عفاف القيم فأصابها في مقتل، ودللنا على كل ذلك من خلال أقوال لزعماء وقادة ومن خلال إحصائيات قام بها متخصصون غربيون.
إن ما يتم الآن من انبهار كثيرين بثقافة الغرب ومعتقداته قد أخبرنا به النبي ﷺ منذ قديم الزمان.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "لتتبعن سننَ من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراعٍ، حتى لو سلكوا جحرَ ضبٍّ لسلكتموه. قلْنا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنصارى؟ قال: فمن" (صحيح البخاري).
إلى من ينبهروا بالغرب:
لا تغرنكم المشاهد المثالية التي يصدرونها لكم في أفلامهم وفي مسلسلاتهم.
لا تغرنكم الرومانسية الطاغية ولا الأجواء الجميلة ولا ما يسمونها بالفنون الجميلة.
هل رأيتم مشهداً في حياتهم اليومية لابن يُقبل يد أمه أو رأس أبيه كما هو موجود في ديننا وفي مجتمعنا؟
هل رأيتم مشهداً في حياتهم اليومية يُظهر غِيرة الرجل على زوجته أو غِيرة الزوجة على زوجها كما هو موجود في ديننا وفي مجتمعنا؟
لا تنخدعوا بالمشاعر الزائفة التي تدربوا عليها خلف الكاميرات فيكفيكم أن تعرفوا أن الغرب قد افتتحوا شركات لاستئجار مُشيعين ومُعزين لموتاهم وأن معظمهم يتعاملون مع جنائزهم تعاملاً مادياً بحتاً لا روح فيه ولا مشاعر.
يكفيكم أن تعرفوا أن معظم بيوت الغرب يتركون أبناءهم لجليسات ومربيات ولا يربطهم بهم عاطفة إلا كالتي تربطهم بقطة يربونها بالبيت أو كلب.
يكفيكم أن تعرفوا أن الأولاد أو البنات في الغرب حين يصل الواحد منهم سن البلوغ فلا سلطان على تصرفاتهم ولا قيد ولا رقيب.
يكفيكم أن تعرفوا أن الشاب في بلاد الغرب حين يصل والديه لسن الشيخوخة فلا مكان لهما عنده ولا رعاية إلا في دار المسنين.
يكفيكم أن تعرفوا إلى أي مدى وصل عندهم الانحطاط الفكري والأخلاقي من خلال نوعية المناسبات التي استحدثوها وجعلوا لها يوماً عالمياً يحتفلون به بحفاوة بالغة حيث استحدثوا اليوم العالمى لـ "القبلة، الحضن، الرقص، خلع حمالات الصدر، خلع السروال، الصدور العارية للنساء ... الخ" التي إن دلت على شيء فإنما تدل على الخواء الروحي الذي وصلوا إليه والذي يبحثون بشتى السبل عن تعويض ذلك ولكنهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
هذه نماذج من أيامهم النحسات التي يصدرونها للعالم وينبهر بها أشياعهم في كل مكان:-
اليوم العالمى للقبلة في 6 يوليو من كل عام.
اليوم العالمى للحضن في 21 يناير من كل عام.
اليوم العالمى للرقص في 29 أبريل من كل عام.
اليوم العالمى لخلع حمالات الصدر في 13 أكتوبر من كل عام.
اليوم العالمي لخلع السروال في 8 يناير من كل عام.
اليوم العالمي للصدور العارية للنساء في 29 أغسطس من كل عام.
إن ديننا ما جاء إلا من أجل الحرية وفتح باب تحرير رقبة الإنسان من أخيه الإنسان على مصراعيه وجعله من أصل الدين ولكنها الحرية المنضبطة التي تهذب النفس وتسمو بالروح.
إن ديننا لم يضع سقفاً للرفاهية طالما كانت بمباح، ودون سرف ولا مخيلة، ولم تعطل عن فريضة.
وختاماً: إننا لكي نعود إلى معين الخلق الإسلامي الصافي ولكي ننقذ مجتمعنا من الاستقرار في الهاوية التي وصل إليها لن نستطيع القيام بذلك في ظل وجود ما يغذي آفات الجهل والفقر والأمية والمعاناة وتلاشي الاستقرار وغياب الوعي وانهيار الأمن واستشراء الفساد الإداري والأخلاقي وانعدام العدالة الاجتماعية... الخ لأن كل هذه الأمور مجتمعة أو متفرقة ما هي إلا سوس ينخر في جسد الأمة حتى يرديه صريعاً.
جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: "إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ وفي روايةٍ (صالحَ) وفي رواية ثالثة (حُسْن) الأخلاق".
وكما قال شوقي:
وإِنَّمَـا الأُمَـمُ الأَخْـلاقُ مَا بَقِيَـتْ *** فَـإِنْ هُمُ ذَهَبَـتْ أَخْـلاقُهُمْ ذَهَبُـوا
إذا لابد من تبني منظومة متكاملة تحسن قراءة الواقع وتحديد الاحتياجات وترتب الأولويات وتسير في طرق متوازية تضمن عدم إغفال جانب من الجوانب ويصحب كل ذلك سن القوانين التي تضمن حسن الالتزام ودقة الاتباع دون تفرقة ولا تمييز، فما أهلك الأمم السابقة إلا ازدواجية المعايير وانعدام العدالة فكانوا (إذا سرق فيهم الشريفُ، تركوه. وإذا سرق فيهم الضعيفُ، أقاموا عليه الحدَّ).
لكل المبهورين بالغرب وثقافته ومعتقداته وعاداته وتقاليده أقول:
كفاكم تمرغاً في الوحل، كفاكم اللهث وراء السراب، كفاكم الشرب من ماء مالح لا يروي ولا يشبع فإنكم بذلك ستفقدون كل فضيلة فضل الله بها الإنسان ولن تصلوا إلى بغيتكم وحينها تنقلبوا خزايا مدحورين لا شفعاء لكم ولا مترحمين عليكم.
اللهم ألهمنا رُشدنا، وردَّنا إليك رداً جميلاً، وخذ بأيدينا إليك أخذ الكرام عليك.