عندما تكون في السجن تكون لك أمنية واحدة هي الحرية، وعندما تمرض في السجن لا تفكر بالحرية، وإنما بالصحة، الصحة إذن تسبق الحرية، هكذا قال المفكر الاسلامي الكبير ورئيس جمهورية البوسنة والهرسك "علي عزت بيجوبيتش" في كتابه "هروبي إلى الحرية".
ما قاله "بيجوفيتش" ليس نتيجة تأمل نظري من بعيد لواقع الإنسان في السجن، بل نتاج تجربة عاشها هو شخصياً في السجن نتيجة معارضته للنظام آنذاك، فقال ما عاشه وعبر بذلك عما يجول في خاطر كل سجين، ولربما يتفق كثيرون ممن عانوا مرارة المرض في السجن مع ما قاله "بيجوفيتش"، على اعتبار أن المشاعر الإنسانية تتشابه إلى حدٍ كبيرٍ خاصة حينما يتعلق الأمر بالكليات الخمس للإنسان وفق التصنيف الشرعي للأولويات البشرية.
في حالتنا الفلسطينية، فإن ثمة أسرى يقبعون في سجون الاحتلال الصهيوني يعانون من القهر والظلم، ومحرومون من أبسط حقوقهم، ومنها الحق في العلاج اللازم دون مماطلة من السجان، حيث نسمع يومياً عن حالات من الأسرى تغزو أجسادهم الأمراض ويتم التعمد في إهمالهم كي يموتوا موتاً بطيئاً، ولك أن تتصور أن أسرى يعانون من أمراضٍ مزمنة وخطيرة ثم يكون علاجهم دواء بالكاد يداوي المريض من مرض الإنفلونزا!
والمتأمل في هذا الإهمال الطبي يتضح له أنه ليس عفوياً أو فردياً، بل هو نهجٌ سياسيٌ رسميٌ، فكثير من الإجراءات الظالمة بحق الأسرى تم إلباسها ثوب القانون الرسمي عبر "الكنيست الصهيوني" ففي يوم الأحد 2 ديسمبر 2018 صادقت حكومة الاحتلال الصهيوني على قانون يقضي بتجميد الأموال التي تحولها لعلاج الأسرى الفلسطينيين، وكذلك الذين أصيبوا قبل الاعتقال، وقدمت القانون عضو الكنيست "عنات بركو"، قائلة: نحن لا نعالج الإرهابيين بالمجان، فإذا لم يتوفر لديهم المال فليبيعوا بيوتهم أو يجمعوا التبرعات".
في تقريرٍ لها كشفت مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى وحقوق الإنسان (نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) أن عام 2018 قد شهد تصاعداً في سياسة الإهمال الطبي بحق العشرات من الأسرى عبر إجراءات ممنهجة، لم تستثن أي فئة من الأسرى، واستخدمت حاجة الأسرى المرضى للعلاج أداة من أجل الانتقام منهم وسلبهم حقهم في الرعاية الصحية، حيث وصل عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال أكثر من (700) أسير، من بينهم (28) يعانون من مرض السرطان، إضافة إلى (16) أسيراً يقبعون في معتقل عيادة الرملة، أو ما يسمونه الأسرى بالمسلخ.
وتتعدد مظاهر الإهمال الطبي، وأبرزها حرمان الأسير من العلاج أو إجراء الفحوص الطبية، أو وضعه على لائحة الانتظار قد تصل لأشهر أو سنوات، أو تشخيص الأمراض بعد فتراتٍ طويلة، إضافة إلى الجرحى الذين دفعوا ثمن نقلهم من المستشفيات المدنية إلى المعتقلات قبل استكمال العلاج اللازم.
ولو أردنا ذكر نماذج للأسرى الذين يتعرضون للإهمال الطبي سيكون الفتى حسان التميمي من بلدة "دير نظام" أحد الشهود على هذه الجريمة، حيث فقد بصره، بعد أن حرمته إدارة المعتقلات من توفير جرعات الدواء اللازمة له وأبقت على اعتقاله بتهمة رمي الحجارة، ثم الأسير سامي أبو دياك الذي يواجه الموت جراء إصابته بالسرطان منذ سنوات، ويرفض الاحتلال الإفراج عنه، فمنذ اعتقاله عام 2002 تعرض لإهمال طبي واضح، وخضع لأربع عمليات جراحية منذ عام 2015. علماً أنه محكوم بالسجن لثلاثة مؤبدات و(30) عاماً.
يبقى السؤال الذي يبحث أصحابه عن إجابة، لماذا القوانين الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى تنعم بالتنفيذ في كل سجون العالم وتقف عن بوابة السجون الصهيونية؟ وهل ساهم التساهل الفلسطيني في هذا الملف إلى وصول حال الأسرى إلى ما وصل إليه؟