كل يوم تطالعنا الأخبار في بلادنا بأن هناك فيديو إباحي مصور لممثل أو ممثلة، وكذلك تسريبات مصورة ومسموعة لإعلاميين ومخرجين ورجال سياسة. فأصبحت حياتنا المعاصرة رواية إباحية لا تتوقف فصولها ولا تصل لنهاية.
لم أر في حياتي قوة مسيطرة طاغية مثل قوة الشهوة والجسد. نار مستعرة إذا ما دبت شرارتها الأولى فما من سبيل لإخمادها إلا بأن تنطفئ شرارتها الأخيرة في بحر مرادها وبغيتها.
قوة حيوانية ونار جسدية لا توصف ولا تفسر ولا يستطيع العقل ولا العلم أن يدلو بدلوه فيها، ولا أن يعقد نظراته ونظرياته حيالها.
هكذا أراد الله وقدّر منذ أول نفَس بالرجل الأول في هذه الحياة الدنيا، إلى آخر رمق بالرجل الأخير.
كانت الشهوة الجنسية هاجسا أكبر في حياة الأمم من لدن آدم إلى اليوم. أمم جعلت الحياة ولذائذها ورغباتها هي قبلتها الأولى والأخيرة، ثم قلّبت النظر في هذه اللذائذ والرغائب فلم تجد أحق بالتقديم والاهتمام من هذه الرغبة الجامحة.
كانت الشهوة الجنسية هاجسا أكبر في حياة الأمم من لدن آدم إلى اليوم. أمم جعلت الحياة ولذائذها ورغباتها هي قبلتها الأولى والأخيرة، ثم قلّبت النظر في هذه اللذائذ والرغائب فلم تجد أحق بالتقديم والاهتمام من هذه الرغبة الجامحة
حتى أنها جعلت للجنس والرغبة آلهة مستقلة، لها مهمتها وعملها ومكانتها بين الآلهة الأخرى، ولم تكن هذه الأمم لتجعل آلهة إلا للأشياء الأساسية والرئيسة في حياتها، فنجد أن عشتار هي آلهة الجنس والحب عند البابليين، ويقابلها لدى السومريين إنانا، وعشاروت عند الفينيقيين، وأفروديت عند اليونان، وفينوس عند الرومان.
وصل الأمر بجبروت هذه الشهوة وتأثيرها الشيطاني على الأجساد والعقول، إلى أنّ بعضاً من الأمم لم تكتف بجعل آلهة مختصة بها، بل جعلتها هي بذاتها آلهة معبودة، فكان من شأن بعض الأمم أن عبد ذكورها فروج نسائهم وعبد نساؤها فروج رجالهم.
فيا لسوءة ما ذهبوا إليه، ويا لجبروت الذي أذهبهم.
وحتى الأمم الكتابية التي جاءها نبي من الله بكتاب من السماء، قد وقفت عظيم الوقوف أمام هذا الأمر، فإن من أعظم ما أضل سابقيهم هذه الشهوة، وإن من أعظم ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته هذه الشهوة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حُلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". (رواه مسلم)
وإن من أعظم ما أضل حضارة اليوم وقبّح وجهها، هذه الجسدية الحيوانية والإباحية الماجنة المعربدة.
الإباحية التي سيطرت على كل شيء؛ الفن والأدب، بل وحتى على عالم السياسة وقيادة الأمم، وفي كل مصيبة عالمية وخطب جلل ابحث عن المرأة والشهوة وستجدها تاركة آثارها واضحة جلية لكل بصير مستبصر.
السينما والدراما التلفازية والبرامج الإعلامية والإعلانية، كل هذه الأشياء سيطرت عليها الإباحية بشكل مخيف.
فلم نكن نظن يوماً أن تُعرض مشاهد إباحية على قنواتنا التلفازية المحلية، وأقمارنا الصناعية العربية، وفي أفلامنا ومسلسلاتنا العربية.
السينما العربية تكاد تصل إلى إنتاج أفلام إباحية حقيقية كاملة، ولن يكون ذلك بعيداً، فهي تسرع إليه الخطى بشكل مخيف، وإن كثيراً من الأفلام المنتجة اليوم لتقشعر منها الأبدان، وتعافها النفوس السليمة، مما بها من سقوط أخلاقي في المشاهد والحوارات.
وأصبح من الطبيعي أن تجد فيلماً وقد كُتبت عليه العبارة الساقطة (للكبار فقط)، لتجد هرولة الناس إليه وتكالبهم عليه؛ صغاراً وكباراً.
وكذلك حال الدراما التلفازية، فقد أصبحنا نرى مسلسلات لا هم لها إلا الحديث عن العهر والخنا، والخمارات وبيوت الدعارة.
ويقولون: هذا وصف للواقع ومناقشة له، حتى تُدقُ أجراس الإنذار.
وهم في الحقيقة يدمرون الواقع، وينشرون رذائله ويشيعونها. وصدق من قال: أميتوا الباطل بعدم ذكره.
قريبا جداً سنرى مشاهد إباحية كاملة في أفلامنا العربية ومسلسلاتنا العربية، وعلى قنواتنا العربية المحلية.
وقريبا جدا، سنصرخ كثيراً ونحن لا نستطيع أن نمنع أولادنا عن هذه المحتويات السينمائية والدرامية والإعلامية، ولا نستطيع في الآن ذاته السيطرة على المعروض ولا التأثير فيه.
وهذا مما يشير إلينا بأهمية ما تسعى إليه الحركة الإسلامية من الوصول لكراسي الحكم والإمارة.
فإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإن انتشار الإباحية الماجنة بهذا الشكل الحادث ما كان ليواجه بالتربية والموعظة وحدهما، ولكن بالمنع والحظر من المصدر، وهو ما لا تستطيعه إلا الأنظمة الحاكمة.
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإن انتشار الإباحية الماجنة بهذا الشكل الحادث ما كان ليواجه بالتربية والموعظة وحدهما، ولكن بالمنع والحظر من المصدر، وهو ما لا تستطيعه إلا الأنظمة الحاكمة
المواقع الإباحية على الإنترنت متاحة ومفتوحة في كل بلاد العرب والمسلمين، ولقد أصبحت هي هاجس المستخدمين لشبكات الإنترنت، وأكبر مستهلك لأوقاتهم ومتابعاتهم.
وعندما نتابع إحصاءات استحواذ المواقع على المتابعات في الوطن العربي نعلم حجم المأساة وهول الفاجعة.
والجديد الذي بدأ يملأ علينا حياتنا ويشغل أوقاتنا ومتابعتنا، التسريبات الجنسية التي لا تتوقف للمثلين والممثلات والمخرجين والإعلاميين والكتاب والسياسيين ورجال الأعمال. ففي كل يوم هناك جديد، ومسلسل التسريبات بكل أشكالها لا يتوقف.
الهواتف المحمولة موجودة مع الجميع، ومن عماية البصيرة التي يقع فيها هؤلاء أنهم لا يكتفون بالعهر، ولكنهم يصورنه لحظة وقوعه، وكأنهم يريدون بذلك أن يراه الناس من بعد، وأن يكون لهم نصيب من إشغال الناس بعهرهم وفجرهم.
كما أن فكرة استخدام أجهزة الحكم العربية لمثل هذه التسريبات في إشغال الناس عن واقعهم، وعرضها في أوقات بعينها لأغراض بعينها، فكرة غير مستبعدة، بل ومقبولة جداً مع معرفة مدى حقارة أجهزة الحكم في بلادنا العربية والإسلامية. فأخبار أجهزة المخابرات والأمن التي تستخدم النساء في الإيقاع بالمعارضين، أخبار موثقة تاريخياً بشهادات الكثيرين. وابتزاز المعارضين وغير المعارضين بمثل هذه التسريبات ثابت تاريخياً بشهادات الكثيرين.
إننا نعيش في عالم الإباحية الكبير، ويزداد هذا العالم اتساعاً، ويزداد موجه تلاطماً، وتزداد بحاره إغراقاً، وما من سبيل للنجاة فيه إلا بالدين والتربية، وبالحكم والسلطان، الذي يعدل ويستقيم، ويحظر ما يجب حظره، ويراقب ما يجب مراقبته، فيزع الله به ما لا يزع بالقرآن.