الثقافة الموجهة: فساد أنظمة التعليم في الوطن العربي

الرئيسية » بأقلامكم » الثقافة الموجهة: فساد أنظمة التعليم في الوطن العربي
2016_11_04-Saudi-education-

من الواضح جليا ومما لا ينكره أحد أن فكرة الحضارة أو بالأحرى فكرة صناعة الحضارة قد صارت فكرة مغيبة عن العالم العربي وأنا أهتم في حديثي هذا بالشعوب والمجتمعات لا بالسلطة ورجال السياسات ففي هرم السلطة صار الحديث عن صناعة الحضارة نوعاً من مواضيع الرعب في السياسات الدولية من حيث عدم قابلية الإمبريالية الجديدة لهذه الأنواع من السياسات الداخلية كونها مصنفة من بين أنواع الإرهاب السياسي.

إن حديثنا عن البناء الحضاري في الواقع العربي الراهن يعد من بين المواضيع التراجيدية التي لن تضيف شيئا إلا ذلك الشعور بالدونية مقارنة مع الماضي من جهة والمقارنة مع الآخر من جهة أخرى، ولكن الواقع يفرض الفكرة رغم افتقاد مهندسيها وبنائيها، فإشكالية الحضارة وإن تعددت مفاهيمها بحسب تعدد العقول البشرية في لبنات ذلك البناء.

يعد التعليم ركيزة الفكرة التحضيرية وأساس البناء ذاته، فالصراع الطبقي الذي تعانيه الشعوب العربية لا يضر شيئاً مقارنة بالمساواة المفرطة بينهم في انحطاط الثقافة الاجتماعية بكل ما تحمله من مقومات تبني أو تهدم المشروع الإنساني الوجودي في هذه المرحلة من التاريخ.

ما يتجلى في تاريخنا المعاصر أننا نجهل تماما موقعنا من العالم، بكل ما يعنيه الجهل وفي شتى مفهوماته، اللهم إلا علمنا أننا مستهدفون بسبب ديننا الإسلامي وهذا في ذاته جهل مركب من تصورنا أن الآخر على علم بديننا وأننا على جهل بالدين نفسه إذا كان غيرنا يعلمه على وجه أحسن، فإذا تكلمنا عن التعليم فنحن نتكلم عن صناعة أجيال، صناعة مجتمعات، صناعة شعوب، فإن ضرب جيل واحد في صميم نظامه التعليمي يهدم كل شيء، لأن هدم العقل الإنساني هدم لما يترتب عنه من إنجازات، بالتالي فلا يجب أن نستغرب كل ما نراه من الوهن المجتمعي أمام الأزمات وأمام الآخر بكل رصيده الثقافي والمعرفي والمادي.

في الواقع إن إحصاء منجزات الثروة المعرفية في الوطن العربي مقارنة مع غيرنا من الشعوب ينهي أي حديث عن وجود صحوة أو نهضة أو انفتاح أو غير ذلك من التعابير التي دخلت قاموس السياسة العربية، فالمنجزات الفكرية وأقصد بها الثروة البشرية المفكرة شبه منعدمة في واقعنا الراهن إذا تكلمنا بمعايير الوعي الفكري لا بواقع المساواة الثقافية حيث صارت ثقافة الإنسان العربي منحطة وذات معيار تسقيفي لسبب واحد هو التغير الدلالي لمفهوم المثقف داخل الوطن العربي.

إن فشل أنظمة التعليم العربية على مدى السنوات الماضية هو ما أوصل العالم العربي إلى نقطة اللاعودة في عالم تتوارد مليارات المعلومات على الثلة من الناس ولكنها مرد معلومات مؤقتة لا تعمر طويلا، في حين يغيب عن العالم العربي كل جديد يبني له ما ما ينفعه، ومن الغريب أن يكون هذا هو واقع العالم العربي ككل، لا واقع دولة أو دولتين فشلتا في صناعة نظام تعليم ناجح يخلق أجيالا مفكرة تستطيع إنجاز ما لا تقدر عليه اليوم أمة كاملة.

إن إشكالية الانحطاط الفكري وتدهور منظومات التعليم العربية تدفعنا إلى التساؤل عن السبب في ذلك هل هو من الداخل أو من الخارج وبكل سذاجة سيجيب أغلب الناس أنه من الخارج وأن عالمنا يعيش مؤامرة تهدم كيانه ذلك الكيان الذي لا نرى منه إلا حدودا ومجموعات من البشر لا تفعل شيئا، هذا هو الواقع بدون محاباة أو نفاق أو سفسطة، نحن نعيش تدهورا داخليا، فلطلما عاش العالم الثالث بمثل هذه السياسات التعليمية، الواقع السلطوي في العالم العربي يفرض على أصحابه توجيه ثقافة المجتمع لتيسير عملية التسيير وصناعة ذهنية غير واعية بالواقع، بل صناعة أجيال من البشر تدمر نفسها ذاتيا في سبيل الانحطاط والتخلف.

من المؤكد أن الشعوب العربية اليوم قد فقدت الكثير بسبب تغير الذهنيات وغياب الثقافة البناءة بل وصل الأمر إلى حد فقدان الهوية بطريقة ذاتية آلية لم يستطع الاستعمار المسلح نفسه صناعتها، ذلك أن غياب الحقائق ينبني عليه غياب الصورة الذاتية للمجتمع المسماة بالهوية، ومنه إلى البحث عن الحقيقة خارج المجتمع نفسه ومن هنا بدأ تأثير الثقافة الغربية بتعبير آخر بدأ فقدان الإنسان العربي عن طريق لق ثقافة جديدة أسميها بـ: ثقافة اللاإنتماء، فاللامنتمي لا يفكر في حدود جغرافيته الثقافية بل هو يرى فحسب إنه مرض التمتع بالثقافات الأخرى بالتالي تغييب الذات وهنا نصل إلى ما ابتدأنا به وهو غياب فكرة بناء حضارة، كل ذلك لأن الوعي الذاتي الفردي والمجتمعي غير موجود ولا مجال لصناعة الوعي بالواقع إلا التعليم.

لهذا فإن القضاء على المنهج الأصيل الصحيح في تعليم الأجيال لن يخلف إلا دمار الأجيال ذاتيا ودون الحاجة إلى استعمار آخر، فليس للقوة الكولونيالية مبرر إلا تغيير الذهنيات لقبول فكرة الدونية أما فوقية الآخر.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين عقيدة الإسلام و”عقيدة الواقعية

للإسلام تفسيرٌ للواقع وتعاملٌ معه بناءً على علم الله به ومشيئته فيه، كما يثبتهما الوحي. …