الداعية القيشاوي: التشكيك في الشهداء من صفات المنافقين وعلينا أن نظهر الوفاء لتضحياتهم

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » الداعية القيشاوي: التشكيك في الشهداء من صفات المنافقين وعلينا أن نظهر الوفاء لتضحياتهم
32367259_1954650554608460_3916963066750697472_n

ما يدفع بعض الأشخاص إلى التشكيك في شهادة الآخرين الحقد الدفين الذي في قلوبهم، وعدم معرفتهم لعظمة الشهادة والشهداء، فهم محرومون من تذوق هذه المعاني، وجاهل الشيء يُعاديه

المطلوب منا تجاه هذا الصنف أن نوضّح لهم خطر ما يقومون به، فقد يفعل بعض الناس ذلك جهلاً أو عدم دراية بخطورة ذلك، وعلينا أن نوضح لهم أنّ هذا من صفات المنافقين، وأنهم في خطرٍ عظيم قد يُخرجهم من المِلة كلها

غاية ما يريده الشهيد بعد استشهاده أن نحفظ عهده، وألا نخون دماءه، وألا نفرط بالطريق التي سار عليها، وأن نحفظ ذريته من بعده وأن نحفظ كرامتهم ونرعى شئونهم، وأن نخلفه في أهله خيراً

من المؤكد أنّ علمَ الغيبِ عند الله وحده، وليس باستطاعة أي مخلوقٍ أن يمنح من يشاء شرف الشهادة وصِفة الشهيد، ولكن نسأل الله تعالى أن يحتسب أولئك الذين رأينا ظاهرهم نقياً شهداء عنده ولا نزكي على الله أحداً.

في لحظاتٍ خاصة جداً، وتحت وميض قناديل الدم التي تُسرج كل يوم لا بد أن يُعيد المرء حساباته، وقبل أن يُشكّك في شهادة الآخرين ومدى أحقيتهم في الارتقاء إلى هذه المنزلة وهذا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة، ويُعمّق جُرح ذويهم لا بُدّ أن يسأل نفسه أولاً تلك الأسئلة الصعبة: أتراني أقدر على أن أكون مثل هذا الراحل؟ وهل أنا مستعد لحمل مشعل الفداء والزهد في الدنيا والتخفف من أحمالها؟ وهل ستصمد النفس أم تخور عند تيقّنها من اقتراب الموت؟

فالشهيد قد سما عن أنانيتنا؛ فإن كان سعْيُنَا الحثيث لنفع أنفسنا وحمايتها، فإن سعيه هو للقيم والمبادئ والمعاني! ولسان حاله يقول: لو كانت الدعوة لا تعبر إلا على قنطرة فذاك جسدي، وإن كان صرح السلام لا يُبنى إلا على عظام فتلك عظامي، وإن كانت الأرض لن تنبت إلا إذا رويت دمًا فهذا دمي!

فما الذي يدفع البعض إلى التشكيك في شهادة الآخرين؟ وكيف كان يتعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام مع ذوي الشهداء؟ وكيف يجب أن يكون التعامل مع أهل الشهيد فور سماع نبأ استشهاده؟

هذه الأسئلة وغيرها، يُجيب عليها الداعية الإسلامي مصطفى القيشاوي عبر موقع "بصائر" فإلى نص الحوار:

بصائر: بدايةً، ما الذي يدفع بعض الأشخاص إلى التشكيك في شهادة الآخرين؟

مصطفى القيشاوي: لقد قضت سُنة الله تعالى أنه في طريق الحق والإيمان، لا بُد أن يجد المسلم من يتربص به، ويضع العراقيل في طريق وصوله إلى مرضاة الله ، والهدف هو النيل من أصحاب الدعوات، وصرف الناس عن المنهج الإسلامي الذي يعمل على إيقاظ الناس من غفلتهم، وتوجيههم نحو الانطلاق لعمارة هذه الأرض وفق المنهج الرباني الأصيل، وهذه المحاولات تبدأ من الاستهداف الجسدي عبر الحبس أو النفي أو القتل، وحتى الاستهداف المعنوي عبر محاولة تشويه الصورة الناصعة للعاملين في نصرة الإسلام، سواء كانوا مجاهدين أو دعاة، وذلك عبر تشويه صورتهم والتشكيك في نياتهم، وهذا منهج المنافقين الذين كانوا يُشككون في نوايا المسلمين حتى في الإنفاق في سبيل الله، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} [سورة التوبة]، وربما ما يدفع هؤلاء لهذا الأمر هو الحقد الدفين الذي في قلوبهم، وعدم معرفتهم لعظمة الشهادة والشهداء، فهم محرومون من تذوق هذه المعاني، وجاهل الشيء يُعاديه.

بصائر: كيف يمكن تَجَنّب تشكيك البعض في شهادة الآخرين؟ وما هو المطلوب منّا تجاه هذا الصنف من الناس؟ وما هي رسالتك لهم؟

مصطفى القيشاوي: بإمكاننا أن نتجنب هذا التشكيك من خلال عدم الالتفات إلى هؤلاء، وهكذا كان التوجيه الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له: "فأعرض عنهم"، وكذلك نتجنبهم من خلال المزيد من العمل الدؤوب لخدمة الإسلام في كافة الميادين، ومواصلة الجهاد والإعداد، فلما سَخِرَ قومُ نوح منه لمّا كان يصنع السفينة لم يفت هذا في عضده، وإنما واصل بناء السفينة حتى تمامها ونجا هو ومن آمن معه.

- والمطلوب منا تجاه هذا الصنف أن نوضّح لهم خطر ما يقومون به، فقد يفعل بعض الناس ذلك جهلاً أو عدم دراية بخطورة ما يفعلون، وعلينا أن نوضح لهم أنّ هذا من صفات المنافقين، وأنهم في خطرٍ عظيم قد يُخرجهم من المِلة كلها، فلما سخر بعض المنافقين واستهزئوا من الصحابة والمؤمنين، خاطبهم القرآن بقوله: "وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ" [التوبة].

- أما رسالتي إلى هؤلاء فأقول: عليكم أن تنشغلوا بأنفسكم وأن تكفوا عن توزيع الأحكام على الناس وخاصة كرام الناس وأشرافهم وهم الشهداء، الذين ضحوا بأغلى ما يملكون، فالله عز وجل لم يُعطِ صلاحية إصدار الأحكام للنبي صلى الله عليه وسلم فكيف تقوم أنت بهذا الدور ! فقال الله لنبيه: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}، فلا ينبغي لأحد أن يحاسب الناس ويطلق الاتهامات عليهم، لأنك إذا اتهمت مسلماً بتهمة باطلة لن تدخل الجنة حتى تُبرهن أمام الله صحة قولك أو تُحبس على جسرٍ في جهنم، فاحذر من هذا الأمر.

بصائر: كيف كان يتعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام مع ذوي الشهداء؟

مصطفى القيشاوي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أسر الشهداء، ويواسيهم ويأمر بذلك، وهذا من رحمته ولطفه ووده صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو نبي الرحمة.

فقد روى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني قال: قال نبي الله –صلى الله عليه وسلم-: (من جهَّزَ غازياً فقد غزا، ومن خلفَ غازياً في أهله فقد غزا).

وقال النووي في شرحه على مسلم:" أي حصل له أجر بسبب الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد؛ سواء قليله وكثيرة، ولكل خالِفٍ له في أهلِه بخير؛ من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته، وفي هذا الحديث: الحثُّ على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين أو قام بأمر من مهماتهم".

وروي أنَّ أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- دخل عليه رجل فوجد بنت سعد بن الربيع على بطنه وهو يشمها، فقال: (يا خليفة رسول الله، ابنتك هذه؟ قال: لا، بل ابنة رجل هو خير مني، قال الرجل: من هذا الرجل الذي هو خير منك بعد رسول الله؟! قال: سعد بن الربيع، كان من النقباء، وشهد بدراً، وقُتِلَ يوم أحد).

وقد كان عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا حيَّا ابنَ جعفر بن أبي طالب قال: (السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) تطييباً لخاطره بعد استشهاد أبيه.

وقد جاء من الوعيد الشديد مؤكِّداً على حُرمة التعدي على أهاليهم ومسِّهم بسوء، ما لم يأتِ في أهالي القاعدين.

ففي البخاري ومسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمةُ نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتِهم، وما مِن رجلٍ من القاعدين يَخْلُفُ رجلاً من المجاهدين في أهلِه فيخونه فيهم، إلا وقف له يوم القيامة، فيأخذ من عمله ما شاء، فما ظنكم؟) وفي رواية لمسلم: (إلا وقف يوم القيامة فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى).

وقال النووي -رحمه الله-: "هذا في شيئين: أحدهما: تحريم التعرُّض لهن بريبة من نظر محرَّم، وخلوة، وحديث محرَّم، وغير ذلك. والثاني: في بِرِّهنَّ، والإحسان إليهن، وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة، ولا يُتوصَّل بها إلى ريبة ونحوها".

بصائر: كيف يجب أن يكون التعامل مع أهل الشهيد فور سماع نبأ استشهاده؟ وما هو واجبنا تجاههم؟

مصطفى القيشاوي: لحظة وصول خبر استشهاد الشهيد، تكون من أصعب اللحظات على أهله خاصة أمه وأبيه وزوجته وأبنائه، لذلك فإن المواساة في اللحظات الأولى لا يعدلها شيء ، وكذلك التجمع حولهم وشد أزرهم، وكذلك مساعدتهم في مراسم الدفن والتشييع وتجهيز الطعام لأهله، فعندما قُتِلَ جعفر-رضي الله عنه- شهيداً في معركة مؤتة قال النبي -صلى الله عليه سلم- لأصحابه: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فإنه قد أتاهم أمرٌ شغلهم).

وروي عن عبد الله بن أبي بكر أنّه قال: (فما زالت السُّنَّة فينا حتى تركها من تركها)، أي سنة إطعام الموتى والقتلى ومنهم أسر الشهداء؛ سُنَّةً متبعة حتى تركها من تركها.

وعن أسماء بنت عميس -رضي الله عنها- زوج جعفر أنه لما قتل جعفر جاءها النبي- صلى الله عليه سلم- فقال: (ائتيني ببني جعفر، قالت: فأتيته بهم، فشمهم وذرفت عيناه).

ولا شك أن هذا كله من تعزية أسَر الشهداء والوقوف إلى جانبهم في كل ما يحتاجونه وهذا كله من الرحمة بهم وتسليتهم بمصابهم وإخلافهم خيراً، فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من عزّى مصاباً فله مثل أجره) (رواه الترمذي).

بصائر: ما الذي ينتظره الشهيد منا بعد استشهاده؟

مصطفى القيشاوي: غاية ما يريده الشهيد بعد استشهاده أن نحفظ عهده، وألا نخون دماءه، وألا نفرط بالطريق التي سار عليها، وأن نحفظ ذريته من بعده وأن نحفظ كرامتهم ونرعى شئونهم، وأن نخلفه في أهله خيراً كما قال صلى الله عليه وسلم: "من خلفَ غازياً في أهله فقد غزا"، ونسأل الله تعالى ن يكتب لنا شهادة في سبيله مقبلين غير مدبرين بإذن الله.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …