قال تعالى: "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ" (سورة يونس الآية 88).
إن من يتتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه لا حرج في الدعاء على الظالم بعينه أو في الجملة، لما ثبت من دعائه ﷺ على الذين غرَّرُوا بسبعين من أصحابه عند بئر معونة من قبائل رعل وذكوان وبني لحيان وعصية، فقد صح أنه ﷺ دعا عليهم ثلاثين صباحاً. (والقصة في صحيح البخاري). وكان ذلك في شهر صفر من السنة الرابعة للهجرة.
1- عن أنس رضي الله عنه قال: "بَعَثَ النَّبيُّ ﷺ سَبْعينَ رجلًا لِحاجةٍ، يُقالُ لَهم: القُرَّاءُ، فعَرَض لَهم حيَّانِ مِن بَني سَليمٍ، رِعْلٌ وذَكْوانُ، عندَ بِئرٍ يُقالُ لَها: بِئرُ مَعونةَ، فَقال القومُ: واللهِ ما إيَّاكُم أَرَدْنا، إنَّما نحنُ مُجتازونَ في حاجةِ النَّبيِّ ﷺ ، فقَتَلوهم، فَدَعا النَّبيُّ ﷺ شَهرًا في صَلاةِ الغَداةِ، وذَلكَ بَدْءُ القُنوتِ، وَما كنَّا نَقنُتُ، قال عبدُ العَزيزِ: وَسأَل رَجلٌ أَنَسًا عنِ القُنوتِ: أَبَعد الرُّكوعِ، أو عِندَ الفَراغِ مِن القِراءةِ؟ قال: لا، بل عِندَ فَراغٍ منَ القِراءةِ " (صحيح البخاري).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رَسولُ اللهِ ﷺ حينَ يَرفعُ رَأسَه يَقولُ: سَمِع اللهُ لِمَن حَمِده، ربَّنا ولكَ الحَمدُ؛ يَدعو لِرجالٍ فيُسمِّيهِم بأَسمائِهم، فيَقولُ: اللَّهمَّ أَنجِ الوَليدَ بنَ الوَليدِ، وسلَمةَ بنَ هِشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي رَبيعةَ، وَالمُستَضعَفينَ مِنَ المُؤمنينَ، اللَّهمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَك على مُضَرَ، واجْعَلْها عليهِم سِنينَ كَسِني يوسُفَ. وأهلُ المَشرقِ يَومَئذٍ مِن مُضرَ مُخالِفونَ لَه" (صحيح البخاري).
3- عن عائشةَ أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "لما أمر النبيُّ ﷺ بأولئكَ الرهْطِ عتبةَ بنِ ربيعةَ وأصحابِه فأُلقُوا في الطُّوَى قال لهم رسولُ اللهِ ﷺ جزى اللهُ شرًّا من قومِ نبيٍ ما كان أسوأَ الطردِ وأشدَّ التكذيبِ قال فقيل يا رسولَ اللهِ كيف تُكَلِّمُ قومًا قد جَيَّفوا قال ما أنتم بأفهمَ لقولي منهم أو لهم أفْهمُ لقولي منكم " (رواه ابن جرير الطبري في مسند عمر بإسناد صحيح).
4- عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: مُستريحٌ ومُستراحٌ منه. قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما المستريحُ والمستراحُ منه؟ قال: العبدُ المؤمنُ يَستريحُ من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ، والعبدُ الفاجرُ يَستريحُ منه العبادُ والبلادُ، والشجرُ والدَّوابُّ " (صحيح البخاري).
- إن من يتتبع سيرة الصحابة والتابعين يجد أن حالهم كان كذلك من الدعاء على الظالمين والفرح بهلاكهم.
1- سجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما جاءه قتل مسيلمة الكذاب، وسجد علي بن أبي طالب لما وجد ذا الثدية مقتولاً في الخوارج.
2- جاء في "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي رحمه الله: قال العلامة ابن القيم في النونية مبيناً فرح أهل السنة عندما أقدم خالد القسري على قتل الجعد بن درهم يوم عيد الأضحى أمام الناس:
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صاحِبِ سُنَّةٍ ***** لله درُّكَ من أخي قُربانِ
3- لما أُصيب المبتدع الضال " ابن أبي دؤاد " بالفالج - وهو"الشلل النصفي"-: فرح أهل السنَّة بذلك.
4- روى ابن سعد في طبقاته قال: أخبرنا عبد الحميد بن عبد الرحمن الحِماني، عن أبي حنيفة عن حماد قال: "بشرت إبراهيم بموت الحجاج، فسجد، ورأيته يبكي من الفرح". ولهذا شُرع لنا سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم. أفلا نفرح بنعم الله؟ أفلا نشكر الله؟ أفلا نغيظ بفرحنا أعداء الله؟ أفلا نتعبد لله تعالى بهذا الفرح؟ ألم يقل الله تعالى: "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم: 4،5).
• يقول الشيخ محمد صالح المنجد: "الفرح بمهلك أعداء الإسلام وأهل البدع المغلظة وأهل المجاهرة بالفجور أمر مشروع، وهو من نِعَم الله على عباده وعلى الشجر والدواب، بل إن أهل السنَّة ليفرحون بمرض أولئك وسجنهم وما يحل بهم من مصائب".
• قال بدر الدين العيني رحمه الله: فإن قيل: كيف يجوز ذكر شر الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير؟ وأجيب: "بأن النهي عن سب الأموات غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة، فإن هؤلاء لا يحرُم ذكرُهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم".
اللهم عليك بمن ظَلمنا، اللهم خيِّب أمَله، وأزِل ظُلمه، واجعل شغله في بدنه، ولا تفكَّه من حَزنه، وصيِّر كيدَه في ضلال، وأمرَه إلى زوال، ونعمتَه إلى انتقال، وسلطانَه في اضمحلال، وأمِتْه بغيظه إذا أمتَّه، وأبْقِه لحزنه إن أبقيتَه، وقِنَا شرَّ سطوته وعداوته، فإنك أشد بأسًا وأشد تنكيلاً.