تاهت في ربوع الفيس والاختلاط الشديد وغياب المفاهيم الإسلامية جملة من الأخلاق التي يجب أن تتحلى بها الأخت المسلمة، وصرنا نقارن بينها وبين من هم أدنى منها مستوى -تعليمياً وأخلاقياً وعقيدياً والتزاماً- فنقبل في أخلاق المسلمين الأدنى مما يجب أن يكون، متناسين أن الإسلام في جملته هو مجموعة من الأخلاق والآداب أكثر منه عبادة مجردة ولاهوتية غير مرغوبة في ديننا ، فأصبح لزاماً على المربين وأولياء الأمور أن ينتبهوا ويعيدوا حساباتهم في أولويات المعطيات التربوية خاصة للفتيات، ومن أهم الملاحظات التربوية على سلوكيات الأخوات في تلك الفترة الحرجة، وذلك بالإشارة لبعض السلوكيات على عجالة مما استطعت رصده من سلبيات:
أولاً- آداب الزيارة:
لدخول بيوت الناس آداب خاصة غابت عن سلوكياتنا، خاصة حين تطول الزيارة، أو لا يسبقها الاستئذان، أو أخذ موعد، فالزيارة تبدأ بأخذ موعد مسبق إلا إذا كان الأمر طارئاً ولن يطول الوقت بالزائر، ثم تدق الأخت الباب ثلاث مرات بين كل دقة وأخرى مقدار أربع ركعات على أساس أن أصحاب البيت يمكن أن يكونوا في الصلاة، وأقصى صلاة أربع ركعات متواصلة، فإذا لم يجب أحد انسحبت الأخت دون غضب، فهي لا تعلم حال البيت حتى لو كانت على موعد، ربما جدّ جديد، وربما حدث طارئ يمنع استقبال ضيوف في هذا الوقت.
تدق جرس الباب وتعطي ظهرها للباب، حتى لا يقع بصرها على شئ بمجرد فتحه، ستفتح لها الأخت وتدخل معها إلى حيث تذهب بها في مكان الاستقبال، دون أن ترسل نظرها هنا وهناك، فترى ما لا يجب الاطلاع عليه، تسير غاضّة بصرها وبهدوء دون أن يسمع لها أحد في البيت صوتاً، تذكر الله بالتسمية أو "بسم الله ما شاء الله"، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تجلس بالمكان المعدّ لتتسم الزيارة بالآتي:
-الوقت على قدر ما تحتاج إليه الزيارة، فلا تطيل على أصحاب البيت فيضيع وقتهم هباء.
-لا تعيب ما يقدم إليها من واجب الضيافة، إما أن تتناوله، أو ترفضه بلطف، وتتعلل بشيء لا يدعوها للكذب.
-تحرص ألا تتلفظ بكلمات تحمل معنى الغيبة أو النميمة أو الوقيعة بين الناس.
-لتكن حريصة على عدم التسبب بأي جرح نفسي لأصحاب البيت الذي تزوره، فإن كانت صاحبة البيت صاحبة أبناء غير موفقين فلا يجب أن تذكر أبناءها الموفقين الأذكياء أصحاب الخلق، وإن كانت صاحبة البيت بلا زوج مثلاً، فلا يجب أن تذكر أمامها أن زوجها كذا وكذا، وأنها لا تستطيع الاستغناء عنه، وإن كانت الأخرى مريضة فلا يجب عليها أن تتباهى بصحتها، وحركتها ومالها وهكذا.
-حين تنتهي الزيارة التي يجب أن تختصر بقدر الإمكان، يجب عليها الانصراف بمجرد قيامها من المكان المخصص للزيارة، فالوقوف على الباب للتوديع -عادةً- يستهلك وقتاً أكبر من المخصص للزيارة، تتضاحك فيه النساء، ويتلفظن بألفاظ قد تنافي الحياء، وقد يتحدثن في أمور غير مهمة، بينما بعض أهل البيت مثلاً ينتظرن خروج الأخت؛ ليتحركوا بحرية، وينتقلوا في البيت على طبيعتهم، غير أن وقوف الأخت على الباب يمنعهم ذلك، مما يسبب حرجاً للأخت المضيفة مع زوجها أو أبنائها.
-بمجرد خروج الأخت من البيت يجب عليها نسيان كل ما رأته بداخله، فلا تخرج لتحكي وتصف وتتحدث وكأنها اكتشفت كنزاً من الأسرار تتحرك بها بين الناس، فإن رأت عيباً سترته، وإن رأت حسناً أشادت به، لسانها يعف عن نطق الغيبة، وتأبى أن تذكر عورات الناس، فالمجالس أمانات، وبيوت الناس عورات، وهنا نذكر التوجيه الرباني في ذلك الأمر، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)} [النور،آية: 27].
ثانياً- سلوك الأخت المسلمة في الشارع:
الشارع هو حرم عام، وهو مناط الاختبار الأول لسلوك الإنسان، ومن خلاله تستطيع أن تفرق بين إنسان صاحب خلق إسلامي وغيره ، فالخلق الأول الذي يميز الأخت عن غيرها هو غض البصر، يقول الله تبارك وتعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} [النور، آية:31]، غضّ البصر ما هو إلا مقدمة لحفظ الفرج، وإطلاق النظر مقدمة للزنا، فعلى الأخت أن تعلم أنها حين تخرج من بيتها فإنها تمثل الدين بحجابها ومظهرها الخارجي، فلا تطل نظرها وتقلّبه بين الناس بحجة أن النظرة الأولى لها، فالنظرة الأولى لا تحتسب هكذا إلا إذا احتاطت الأخت لكل النظرات، فتغض طرفها عن الناس، فلا تتبين من يقف أمامها، ولتلتزم جانب الطريق، وأقل الطرق ازدحاماً خاصة بالأسواق.أما إذا قابلت إحداهن، فما يحدث اليوم لا يمتّ للدين بصلة، فكل من يمرّ بجانبهن يسمع الحديث والضحكات، وحكايات عن الآخرين، بينما الواجب أن تلتقي الأخت بالأخت فلا يشعر بهن أحد، وإياكن والقبلات في الطريق، فهي عادة قبيحة -خاصة بين الرجال- والطرق اليوم مزدحمة بالجنسين، ومن الملاحظ أيضاً أن السؤال الأول الذي تجده على لسان الطرفين، أين كنت وإلى أين؟ وهذا سؤال سخيف، وهو أكبر مدعاة للكذب، فربما تريد مكاناً لا تريد لأحد أن يعرفه، وربما لديها مهمة ما أو زيارة ما، فلم تدفعينها للكذب! وماذا يضيرك ألا تعرفي أين كانت أو إلى أين؟ بينما تتحادثان لتلزما جانب الطريق ولا تسببا قلقاً للناس أو عائقاً عن السير. وتنبيه آخر، ابتعدن عن الغيبة والنميمة، وفحش الكلام، والتزمن الصوت المنخفض كما قال الله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ(19)} [سورة لقمان].
ثالثاً- آداب الفيس بوك:
والفيس بوك هو شارع مفتوح، وعالم مختلط تنطبق عليه سلوكيات الأماكن العامة، فبه الاختلاط، وعلى الأخت فيه أن تتلمس الستر الجميل، فلا تخضع بالقول بنشر قصص الهيام ومنشورات تدعو للحياء، ولا تحكي عن نفسها بأسلوب يثير الريبة؛ لإثارة الآخرين من الذكور بالشفقة أو الاقتراب للسؤال، ومعظم من يفعل ذلك ليس بريئاً تماماً، أيضاً ما يخص بيتها كأسرار وسلوكيات أهل البيت ليست للنشر أو التعريف بها، الحديث عن الزوج ومشكلاته وأسلوبه في معاملتها وما أحضر لها وما لم يحضر، أما الشيء الأكبر خطورة، فهو الأحاديث الخاصة مع الرجال أو زملاء العمل، أو الأقرباء كأبناء العم والخال وما إلى ذلك بغير ضرورة تقتضي الحديث على الخاص، وقد يدخل الأمر في كبائر الذنوب والعياذ بالله!
تلك بعض السلوكيات العامة التي يجب أن تتحلى بها الأخت المسلمة، والتي يجب أن نعلّمها لبناتنا وأخواتنا؛ للتحلي بها دون التفريط في أي منها، سائلين المولى أن يحفظ بناتنا من كل سقوط، وأن يحفظ أمتنا من كل ذنب.