بالأمس القريب كانوا يسيئون إلى السيد المسيح عليه السلام في متحف بمدينة حيفا، فيصنعون له رسوما مسيئة يتهكمون فيها عليه في ذكرى ميلاده الشريف، وكأنهم يجترّون ذكرياتهم في ملاحقته بين سهوب فلسطين وشعاب جبالها، واليوم يسيئون إلى الأقصى المبارك وقبَّة الصخرة المشرِّفة في القدس؛ في محاولة لمسح آثار خطوات محمد صلى الله عليه وآله وسلم من أرض فلسطين..
يضربون علماء الدين ويهينون العباد المعتكفين للعبادة.. يشرِّدون المسلمين والمسيحيين سواء من فلسطين، ويصادرون الوقف الإسلامي كما يتلاعبون بالوقف المسيحي سواء.. ويقتحمون البيوت، يروّعون الأطفال ويعتقلونهم، ويقتلون بالشبهة، ويزجُّون بالآلاف في السجون، ويصادرون البيوت، وينتزعون الأراضي، ويمعنون في الإذلال بحواجز بين كل قرية وقرية وبين مدينة ومدينة.. ويتبجح أعداءُ الإنسانية بوصفهم “واحة الديمقراطية”، وتدعمهم الولايات المتحدة ومنظومات حكم هنا وهناك، ويسارع النظام العربي إلى إقامة علاقات بهم، ويقيم لهم الحفلات، ويستقبلهم بالترحاب في القصور الأميرية والملكية..
عنصرية لا مثيل لها.. إجرامٌ لا مثيل له.. 14 مليون إنسان لا استقرار في حياتهم ولا أمن لهم ولا قدرة لعائلة أن تجتمع في مكان ما.. 14 مليون فلسطيني موزّعون على أصقاع الأرض، من كان منهم في بلاد العرب عاش الأمرّين؛ ملاحقات وسجون ومنع من العمل وعدم احترام، وإرغام على قبول الرواية الرسمية العربية للقضية الفلسطينية..
أصبح الفلسطينيون يحفظون مجازرهم كما يحفظون أسماء أبنائهم، فمن الوحدات وجرش وتل الزعتر وصبرا وشاتيلا ومخيم جنين ورفح وخانيونس وكفر قاسم ودير ياسين ويافا والرملة.. لا يهم هنا بالضبط من هو الجزار فقد يكون باسم عربي لكن قلبه صهيوني.. المهم أنهم يشتركون في مهمة واحدة؛ إنها محاولة القضاء على الشعب الفلسطيني بعد أن فاجأهم هذا الشعب بأنه خارج حساباتهم، وأنه غير قابل للتدجين والتطبيع، وأنه لا يمكن استغفاله.. فقد يصبر قليلا أو طويلا، لكنه يثور فيقلب الطاولة ويضرب من حيث لا يشعر العدوّ ولا ينتظر..
عنصرية لا مثيل لها.. عصابات قتل وجريمة تستهين بحياة الآدميين، فتصبّ عليهم كل أنواع الفتك من يورانيوم وفسفور أبيض وقنابل تزن الواحدة طنا وتقصفهم برا وبحرا وجوا، وهي تعرف أنهم لا يملكون دفعا عن أنفسهم، وإن كانوا لا يقفون مستسلمين فيحاولون بأكفهم مواجهة المخرز اللعين.
هذا هو الكيان الصهيوني جريمة في وجوده، أما إن تحدثنا عن وظيفته فتلك كارثة أخرى فهو يُعِدّ قوته لتدمير العواصم العربية واحدة واحدة، ليس فقط من خلال مؤامرات، وليس فقط من خلال دعمه للمخربين للأمن القومي العربي، ولكن مباشرة من خلال مئات قنابله الذرية وصواريخه العابرة للدول، فلقد أصبحت كل عواصم العرب تحت طائلة نيرانه يقصف في السودان ويقصف في سورية ولبنان وغزة وسيناء وفي كل مكان بلا تردد أو تلعثم.
فبأيِّ وجهٍ يقابل أولئك الحكام شعوبهم وربَّهم والتاريخ وهم يتعانقون مع المجرمين ناهبي فلسطين ومدنِّسي المقدسات؟ كما أن أمر الغرب المسيحي يُفضح تماما؛ فها هو يغض الطرف عن كل ما يلحق بالمقدسات المسيحية في فلسطين.. إنها جريمة مكتملة الأركان.. ولكن أهل فلسطين المشردين يعرفون ماذا يجمعهم، إنه إصرارهم على البقاء والصمود لدحر العنصرية من أرضهم أرض الأنبياء والمرسلين.. تولانا الله برحمته.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- الشروق الجزائرية