قال تعالى: "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (سورة فاطر)
الرحمن اسم من الأسماء الحسنى، وهو اسم مُختص بالله تعالى، لا يجوز أن يُسمَّى به غيره.
قال تعالى: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى" (سورة الإسراء).
عندما تجرَّأ (مُسيلمة) وأطلق على نفسه (رحمن اليمامة)، ألبسه الله تعالى لباسَ الذلِّ والكذب والمهانة، وعُرِف بـ (مُسيلمة الكذاب)؛ فلا يُنطق اسمه إلا قُرِن بالكذب.
الرحمن؛ أي: ذو الرحمة الواسعة، التي وسِعَت جميعَ أقطار السموات والأرض من الإنس والجن، مؤمنهم وكافرهم، وبهائمهم.
إن رحمة الله تعالى في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر؛ يعطيهم الله مقومات حياتهم، ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يَرزق مَن آمن به ومَن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير.
قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي: (الرحمن) فاتحة ثلاث سور إذا جُمعن كنَّ اسمًا من أسماء الله تعالى (الر)، و(حم) و(ن)، فيكون مجموع هذه (الرحمن).
الرحيم: هو ذو الرَّحمة للمؤمنين يوم القيامة، وهي خاصة بهم، فالله تعالى (رحيم) بالمؤمنين فقط؛ فالكفَّار والمشركين مطرودين من رحمة الله تعالى.
عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تبارَك وتعالى : أنا اللَّهُ وأنا الرَّحمنُ، خَلقتُ الرَّحِمَ، وشقَقتُ لَها مِنَ اسمي، فمَن وصلَها وصلتُه، ومَن قطعَها بتتُّهُ" (صحيح الترمذي)، بتَتُّه: قطعته.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَنْ تُؤْمِنُوا حتى تراحمُوا قالوا: يا رسولَ اللهِ! كلُّنا رَحِيمٌ. قال: إنَّهُ ليس بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صاحبَهُ، ولَكِنَّها رَحْمَةُ العَامَّةِ" (صحيح الترغيب).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للهِ مائةَ رحمةٍ. أنزل منها رحمةً واحدةً بين الجنِ والإنسِ والبهائمِ والهوامِ. فبها يتعاطفون. وبها يتراحمون. وبها تعطفُ الوحشُ على ولدِها. وأخّر اللهُ تسعًا وتسعين رحمةً. يرحمُ بها عبادَه يومَ القيامةِ" (رواه مسلم).
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "قدم على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبيٍ . فإذا امرأةٌ من السَّبيِ، تبتغي، إذا وجدتْ صبيًّا في السَّبيِ، أخذتْه فألصقَته ببطنها وأرضعتْه. فقال لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "أَتَرون هذه المرأةَ طارحةً ولدَها في النار؟" قلنا: لا. واللهِ ! وهي تقدر على أن لا تطرحَه. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "لَلَّهُ أرحمُ بعباده من هذه بولدها" (صحيح مسلم).
لقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أرحم خلق الله تعالى؛ فلقد رَحم اليتيمَ والأرملةَ، والمسكين والضعيف، والعاصي والكافر والحيوان، وامتدَّت رحمتُه صلى الله عليه وسلم حتى شملتِ الجمادَ عندما سُمع أنين الجذع الذي كان يَخطب عليه، فنزل من على المنبر واحتضنه وهدَّأ من روعه حتى سكن.
قالوا عن الرحمة
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتاب "موارد الظمآن لدروس الزمان": "وممَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ الرحمة صفة تقتضي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد وإن كرهتْها نفسُه وشقَّت عليها؛ فهذه هي الرحمة الحقيقية، فأرحم النَّاس بك مَن شقَّ عليك في إيصال مصالحك ودفع المضار عنك".
قال سيد قطب رحمه الله: "ورحمة الله تتمثَّل في مظاهر لا يحصيها العدُّ، ويَعجِز الإنسان عن مجرد ملاحقتها وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه، وتكريمه بما كرمه، وفيما سخر له من حوله ومن فوقه ومن تحته، وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه، وهو كثير".
ويقول: "ورحمة الله تتمثَّل في الممنوع تمثُّلَها في الممنوح، ويجدها مَن يفتحها الله له في كل شيء، وفي كلِّ وضع، وفي كل حال، وفي كلِّ مكان، يجدها في نفسه، وفي مشاعره، ويجدها فيما حوله، وحيثما كان، وكيفما كان ولو فقد كلَّ شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان! ويفتقدها مَن يمسكها اللهُ عنه في كل شيء، وفي كل وضع، وفي كل حالة، وفي كل مكان، ولو وجد كلَّ شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان".
وإذا كان المسلم لا يمل من طلب الرحمة، فعليه:
• أن يوفِّر في نفسه من الطاعات ما تجعله أهلًا لهذه الرحمة.
• أن يخالط الصالحين، ويقرأ في سيَر الصَّحابة والتابعين؛ لينهل من مَعينهم، ويتخلَّق بخلُقهم.
• أن يرحم نفسَه؛ فلا يوردها المهالك بالذنوب والمعاصي والأمراض وغيرهم.
• ألا يَقسو على نفسه بتحميلها ما لا تطيق من مشاق الدنيا وكدرها.
• أن يُحسِن ظنه بربه وأن يحذر القنوط.
• أن يرحم غيره من البشر ومن سائر المخلوقات فـ "الراحمون يرحمهم الرحمن".
• أن يغرس خلق الرحمة في أهله وفي من يعول.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ