يتورط بعض العرب بين الحين والآخر في زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بتأشيرات صادرة عن سفارات الاحتلال، ليثور الجدل مجدداً في كل مرة حول ما إذا كانت زيارة المسجد الأقصى، وهو تحت حراب الاحتلال تطبيعاً مع هذا الاحتلال، أم لا؟ في الوقت الذي يتسابق فيه المسؤولون العرب نحو تل أبيب للارتماء في الحضن الصهيوني، ويشبعوننا في كل مرة مزاعم لا معنى لها بأنهم يفعلون ذلك من أجل خدمة القضية الفلسطينية، وسرعان ما نكتشف بأنهم لا يخدمون في ذلك سوى إسرائيل وكراسيهم في السلطة فقط.
قبل أيام فوجئ الوسط الإعلامي في العالم العربي بأكمله بصحافي مصري من المقيمين في إسطنبول يزور الأراضي المحتلة، وينشر صوره من أمام المسجد الأقصى، زاعماً بأن «الراحة لا تجدها سوى في بيوت الله» وكأن مساجد تركيا التي يزيد عددها عن 82 ألفاً ليست بيوت الله، أو ليست مريحة.. ومع هذا فلسنا في وارد الدخول في الجدل الديني، وإنما في الادعاء السياسي لهذا الصحافي المصري بأن زيارته للأراضي الفلسطينية بتأشيرة إسرائيلية على جواز سفره المصري ليست تطبيعاً، وواقع الحال أن هذا هو أسوأ أنواع التطبيع مع الاحتلال وأبشع صور الاعتراف به. ثمة جملة من المحددات السياسية يتوجب وضعها بعين الاعتبار عند تحديد ما إذا كانت زيارة أي شخص للقدس والمسجد الأقصى تطبيعاً أم لا، وهذه المحددات هي كما يلي:
أولاً: للفلسطيني سواء كان مقيما في الداخل أم في الخارج، وضع خاص في مسألة زيارته للأراضي الفلسطينية، وهذا الوضع لا ينسحب في أي حال من الأحوال على شقيقه العربي، فالفلسطيني يزور بلده وأرضه ومسجده في أي وقت، وتحت أي ظرف. والاحتلال هو الذي جاء لبلده بالقوة، وتعامُل الفلسطيني مع هذا الاحتلال هو بحكم الأمر الواقع وليس بالتراضي والاعتراف. وهنا قد نجد فلسطينيا يحمل وثائق إسرائيلية ويتعامل بالعملة الإسرائيلية ويستصدر التصاريح الإسرائيلية، ولا يمكن اعتبار أي من هذه المعاملات تطبيعاً.
ثانياً: مواطنو الدول الأجنبية، سواء كانوا من أصول عربية أو غير عربية فإن زياراتهم للأراضي الفلسطينية لا يمكن أن تكون في إطار التطبيع (مثل الأمريكي والبريطاني والتركي)، إذ ثمة علاقات قائمة أصلاً بين هذه الدول وإسرائيل، وثمة اعتراف متبادل، ولا تعاني أصلاً إسرائيل في بناء علاقات مع هذه الدول، كما أنه لم تكن ثمة حالة حرب في السابق بين إسرائيل وهذه الدول، بما يعني أنه لا يوجد أصلاً مشروع تطبيعي بين الطرفين. أما العرب – سواء كانوا مسؤولين أو مهنيين أو مواطنين – فإن زياراتهم لإسرائيل تعني التطبيع مع الاحتلال بالضرورة.
ثالثاً: زيارة الأراضي الفلسطينية في إطار المشاركة في مناسبة إسرائيلية أو تلبية لدعوة رسمية يشكل تطبيعاً، سواء كان الزائر عربياً أم أجنبياً، وسواء دخل الأراضي الفلسطينية بجواز سفره العربي أم الأجنبي، فمن يلبون دعوات وزارة الخارجية الإسرائيلية، أو الجامعات أو المراكز البحثية والأكاديمية الإسرائيلية، هم متورطون في التطبيع مع الاحتلال.. ومن المهم التذكير هنا بأن العديد من الجامعات العالمية والمراكز العلمية المعتبرة تُقاطع الاحتلال، بينما نجد أكاديميين عربا يزورون إسرائيل.
رابعاً: من المهم أن نتذكر دوماً أن التطبيع يعني اندماج إسرائيل في المنطقة العربية والتعامل معها على أنها أحد المكونات الطبيعية لمنطقتنا، وهذا يعني أن زيارة الياباني لإسرائيل لا معنى لها من الناحية التطبيعية، بينما زيارة أي مواطن عربي فإنها تحمل الكثير من الدلالات.
يبقى القول بأن المسجد الأقصى الذي هو قبلة المسلمين الأولى يستحق الزيارة بكل تأكيد، لكنَّ من يرغب بزيارته فعليه أن يعمل من أجل تحريره أولاً، وعليه ثانياً قبل أن يُقرر زيارة الحرم القدسي الشريف أن يتدبر ويتفكر إن كان ما يقومُ به يخدم الأمة أم يخدم الاحتلال.. فقد نجد رجلان يصليان في المسجد الأقصى كتفاً بكتف لكنَّ الأول مرابط يقف على ثغر من ثغور الأمة، والثاني مطبّع سلَّم أوراق اعترافه بالاحتلال على بوابات المسجد قبل دخوله.
والله غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون.
معلومات الموضوع
مراجع ومصادر
- القدس العربي