لقد بيَّنا في الجزء السابق أن الإسلام حذر من خطورة الكلمة فهي سلاح ذو حدين.
وبيَّنا كذلك السلبيات التي يقع فيها معظم من يعملون في المجال الإعلامي فالواجب على من يعمل في هذا الحقل أن يعي دوره جيداً وأن يعلم أن همساته ونبساته وتصرفاته يتم تكبيرها وتحليلها بمقدار (1: إلى المساحة التي يغطيها والأعداد التي يصلها ما يقول أو ينشر بأي وسيلة كانت).
هدف الإعلام من المنظور الإسلامي
مما سبق تبرز أهمية الإعلام من المنظور الإسلامي ودوره الفعال والأهداف السامية المنوطة به والتي تتلخص في:-
أولاً: هدف عقائدي
وهو ترسيخ مفهوم العقيدة الصحيحة وإزالة كل ما يشوب العقيدة من شكوك أو شبهات لدى المجتمع المسلم.
ثانياً: هدف دعوي
يتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة التي تُجمِّع ولا تُفرِّق وتُؤلف ولا تُنفر وتُشجِّع ولا تُثبِّط وذلك في كل ربوع المعمورة.
وكذلك تصحيح الصورة الذهنية عن الإسلام لدى المجتمعات الغربية.
والحفاظ على هوية المجتمع وعاداته وتقاليده التي لا تصطدم مع ثوابت الدين.
ثالثاً: هدف وطني
- تأصيل حب الوطن بمفهومه الإسلامي الصحيح والعمل على النهوض بالمجتمع في كافة المجالات.
- الحفاظ على وحدته وأمنه واستقلاله بعيداً عن التشرذم الممقوت والتناحر المنبوذ.
- طرق أبواب العلماء والمتخصصين والموهوبين وسائر الكفاءات من أجل تقديم المقترحات والحلول المناسبة للمشكلات التي تواجه الوطن في شتى المجالات.
- القيام بالتعبئة النفسية والمعنوية للأفراد وقت الحروب والأزمات دون تهويل أو تهوين.
رابعاً: هدف ثقافي ومعرفي
- تزويد المجتمع بالمعلومات الصحيحة وفق الضوابط الإعلامية المتعارف عليها.
- العمل على زيادة الجانب الثقافي وتنوعه لضمان بناء الشخصية المتكاملة والمتوازنة.
- احترام عقلية الفرد والذوق العام بالبعد كل البعد عن الثقافة الهابطة.
خامساً: هدف تربوي
وذلك من خلال ببث وترسيخ المفاهيم والمبادئ التربوية التي تعتبر امتداداً وتكميلاً للمنهج التربوي الذي تعتمده الدولة في مؤسساتها التربوية بما يتوافق مع شرائح المجتمع ومستوياته الفكرية وبما يتفق مع روح العصر ولا يتعارض أصول وضوابط الشرع.
سادساً: هدف أخلاقي
يتمثل في نشر الفضيلة وتبنيها وتشجيعها ونبذ الرذيلة ومحاربتها من خلال حملات التوعية والندوات والصالونات الفكرية، ومن خلال أي وسيلة أخرى مبتكرة ومشروعة.
سابعاً: هدف سياسي
- يتمثل في تبصير المسئولين وتقديم النصح الذي يمكِّنهم من أداء الدور المنوط بهم.
- إبراز الإيجابيات والسلبيات دون تضخيم مُخل ولا تجاهل مُضل.
- توعية المواطنين وتبصيرهم بحقوقهم وواجباتهم السياسية.
- تقديم التوعية السياسية التي ترسخ الصورة الذهنية الصحيحة للسياسة الخارجية للدولة وعلاقاتها بالدول الأخرى دون إفراط أو تفريط وبما لا يسبب تهديداً للأمن القومي.
ثامناً: هدف ترفيهي
وذلك بتقديم الفن الهادف البنَّاء الذي يُدخل السرور على القلب ويرفع عنه ضغوط الحياة وينشطه للانطلاق في الحياة والعمل والإنتاج مع الابتعاد كل البعد عن الإسفاف والابتذال والسخرية ودون تقديم ما يتعارض مع الشرع أو العادات والتقاليد الصحيحة للمجتمع.
بعد استعراض هذه الأهداف يجب أن نأخذ في الاعتبار أن هذه الأهداف تتكامل فيما بينها لتحقيق الرسالة الإعلامية المنشودة.
كما يجب أن نأخذ في الاعتبار كذلك شمولية الرسالة الإعلامية وعالميتها فالعالم في ظل التكنولوجيا والانفتاح والسماوات المفتوحة قد أصبح قرية صغيرة لا تسمح بالتجمل ولا تقبل بالخديعة ولا تنطلي عليها الأكاذيب والمهاترات.
إن العمل الإعلامي النزيه في مثل هذه الظروف والمتطلبات يُعتبر عملاً شاقاً يتطلب شخصيات من نوع خاص وإعداد خاص لتحقيق هذه الرسالة التي هي في حقيقتها رسالة الإسلام قبل أن تكون رسالة الإعلام.
على كل من يعتلي منبراً إعلامياً أن يستشعر حجم المسئولية وأمانة الكلمة وعظم التبعة، فالمسئولية الإعلامية إما أن ترقى بصاحبها وتُعلِي من قدره فيُكتب له القبول في السماوات والأرض وإما أن تهبط به وتحط من قدره فما تجده إلا منتفشاً انتفاشاً لا وزن له ولا قيمة في الدارين.
قال تعالى في سورة المائدة: "فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ" وفيها أيضاً: "... وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ".
ختاماً: لنا أن نتخيل مُجتمعاً ضُيِّعت فيه المصداقية الإعلامية سنجد أن الموازين قد اختلت، والحرمات قد انتهكت، والقيم قد دِيْسَت، والوعي قد غاب، والجهل قد ساد، والحقوق قد أهدرت، والأسرار قد أُفشيت، والعهود قد نكثت، والأعراض قد هُتكت، والأمن قد زال، والكرامة قد أهدرت، والظلم قاد ساد، والباطل قد انتفش، والنور قد خفت، والظلام قد عم، والبلاء قد طم، والبركة قد مُحقت، كل ذلك لأن هناك مظلة إعلامية فاسدة تخلت عن الأمانة والمصداقية والموضوعية الذين هم من أساسيات مهمتها.