في مثل هذا اليوم من العام 1996م خسرتْ فلسطين أحد أجمل أبنائها، واستراحتْ «إسرائيل» من أحد أشرس أعدائها، إنه يحيى عياش، المهندس كما كان يسميه رفاقه، والمطلوب رقم واحد كما كان يسميه أعداؤه!
اغتاله جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد بعبوة مزروعة في هاتف نقّال... عمّتْ الأفراح يومها في تل أبيب أما فلسطين فقد بكته عن آخرها، فالرجل الذي أرعب إسرائيل كما لم تفعل جيوش بعددها وعدتها وعتادها قد سقط أخيراً، ولكن سرعان ما تبين أن يحيى عياش لم يكن شخصاً، لقد كان فكرة، والفكرة لا تموت ! شيء من المهندس مازال موجوداً وشيء منه سيبقى إلى الأبد، هذه الأرض لا تنسى أبطالها!
كان عياش هادئاً، وسيماً، حافظاً للقرآن، متفوقاً في دراسته، لا شيء فيه يشبه الأبطال الذين نقرأ عنهم في الروايات ربما لأنه كان بطلاً حقيقياً، لم ينتظر أحداً أن يكتب عنه، لقد كتب هو عن نفسه لا بالحبر وإنما بالدم، آمن بقضيته، وعاش لأجلها واستشهد في سبيلها!
أليكس فيشمان كتب عنه مقالاً في معاريف عنوانه: قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية!
درس عياش الهندسة الكهربائية، ولكنه لم يعمل فيها، كان مُطارَداً على الدوام حتى أنه لم يحضر حفل تخرجه في الجامعة، كان يعمل في مجال آخر، يهندس العبوات الناسفة ويزرعها في الحافلات الإسرائيلية، ولأن له علاقة وثيقة بالطاقة فقد جعل الإسرائيليين يشاهدون النجوم في عز الظهيرة!
يحيى عياش نموذج مشرف للإنسان المثقف، وللعَالِم العامِل! مهندس مثله كان بإمكانه أن يشغل وظيفة مرموقة في شركة، أو أن يؤسس عمله الخاص، كأكاديمي كان بإمكانه أن يتنحى بعيداً عن صخب البنادق والمطاردات والنوم في الكهوف، ولكنه لم يفعل لأنه كان يعرف أن المعركة مع المحتل هي معركة وعي وعقيدة قبل أن تكون معركة بنادق وتفجيرات، وقد كان واعياً إلى الحد الذي جعله يقف في الصف الأول من المعركة!