لقد ألف الفيلسوف (العقاد) عن التفكير كتاباً أسماه (التفكير فريضة إسلامية) إذ إنه يعد من الكتب القيمة التي تجيب لنا عن سؤالين مهمين:
- هل يتفق الفكر والدين؟
- هل يستطيع الإنسان العصري أن يقيم عقيدته الإسلامية على أساس من التفكير؟
وقد أجاب بنعم، وقد ذكر (العقاد) من الأدلة والبراهين على أهمية التفكير وما ورد في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم من تحفيز وتشجيع والحض على التفكير الكثير الكثير ومن هذا عشرات من الآيات القرآنية، بل مئات منها، تتكرَّرُ لفظة (العقل)، وما ارتبط بها مِن ألفاظِ الفِقه والعلم والتفكير:
(أ) (عقل) ومشتقاتها: (عقَلوه - تعقلون - تعقل ... إلخ)؛ ذُكِرت 48 مرة.
(ب) (علم) ومشتقاتها: (علم - يعلم - يعلمون ... إلخ)؛ ذُكِرت 866 مرة.
(جـ) (فقه) ومشتقاتها: (تفقهون - تفقه - يفقهوا - يفقهوه ... إلخ)؛ ذُكِرت 20 مرة.
(د) (فكر) ومشتقاتها: (فكر - تتفكروا - يتفكرون ... إلخ)؛ ذُكِرت 18 مرة.
(هـ) (قرأ) ومشتقاتها: (قرأ - اقرأ - قرآن ... إلخ)؛ ذُكِرت 87 مرة.
(و) (وعى) ومشتقاتها: (تعيها - أوعى - واعية ... إلخ)؛ ذُكِرت 4 مرات.
ضوابط التفكير في القرآن الكريم
فالإسلام يحض على التفكير حضه على الفرائض والأركان بل إنه وضع ضوابط لقبول الأفكار والعقائد في القرآن ليرشدنا لما هو صالح لنا ونافع من الأفكار ومنها:1- سؤال المتخصص وطلب الفتوى منه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
2- السير بالدليل والعمل وفق البرهان: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 111].
3- إمكانية التنفيذ العملي للأفكار: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23].
4- قبول الاختلاف في الأفكار والآراء: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود: 118 – 119].
5- مرجعية التحاكم ومصدرية التشريع: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
6- الموضوعية في قبول الأفكار: {وَلا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
7- كشف غموض الأفكار والحث على الوصول لعمقها: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [آل عمران: 167].
8- البحث في جوانب الأمور المختلفة والتفكير بشكل كامل: {فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26].
9- ضرورة التفكير بشكل فردي والبعد عن التفكير بالعقل الجمعي: {أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} [سبأ: 46].
10- نبذ الجمود والتحجر الفكري وذم التقليد الأعمى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170].
11- التثبت والتأكد من الأخبار والأحداث قبل الحكم عليها: {إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]
وبعدما أوردنا ما سبق من أهمية التفكير وضوابطه في القرآن الكريم وجب علينا أن نجيب على السؤال، من أين نبدأ؟
طفل يقرأ.. يتأمل ويفكر
وإن من أهم ما نبدأ به التوجيه لسلامة الفكر هو أن نوجه الأبناء ونوضح لهم (ونرسخ فيهم) أهمية القراءة وأن يتبنوا ذلك (كمنهج هام للتعلم والاسترشاد) ولا عجب في ذلك فأول ما جاء من أمر وتوجيه في القرآن الكريم هو الأمر بالقراءة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1) فأول كل خير القراءة وبها يتحصل العلم والفقه،كما أن تشجيع الأبناء على التفكير والتأمل يعتبر ضماناً كبيراً لسلامة الفكر لدى الأبناء {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم: 8] فالتفكر والتأمل يعمل على بناء بيئة من حرية التفكير والتفقه الذي يؤدي لسلامة الفكر.
طفل موحد بالله.. سليم العقيدة
ولما كانت القراءة هي أول التوجيه كان التوحيد هو التوجيه الثاني لسلامة العقيدة (الأفكار والآراء الثابتة) (باسم ربك الذي خلق) فالتوحيد سلامة للعقل من الشطط ومن خطر الأفكار الضارة التي يسعى إلى نشرها الأعداء ليل نهار بشتى الوسائل والأدوات القذرة وغير المشروعة فضلا عن الدعاية المتاحة والمشروعة وتمكنهم منها وقدرتهم عليها.
والتوحيد هنا ليس توجيه خاص بالوحدانية ولكن بترسيخ العقائد الإسلامية بشكل مناسب وقوي وراسخ في عقل الطفل كوحدة واحدة.
التوحيد سلامة للعقل من الشطط ومن خطر الأفكار الضارة التي يسعى إلى نشرها الأعداء ليل نهار بشتى الوسائل والأدوات القذرة وغير المشروعة
طفل يعرف عدوه بيقين
وهذا الأمر يجعل من عقل الطفل قائداً له في سبيل تحقيق غايته ويجعله يقظاً وفطناً تجاه ما يحدث حوله من أمور، فتحديد العدو أمر يُسهل عليه تحديد أهدافه، ومن ثم وسائله التي سوف يستخدمها في معركته.
وإن من أهم الأفكار والعقائد ترسيخ عداوة الشيطان لدى الطفل، وتبيان أساليبه وطرقه في تضليل الإنسان، وبيان أصل الصراع بين الإنسان والشيطان.
كما أن تبيان عداوة اليهود للإسلام وللمسلمين لأمر هام في بناء الأفكار ومنظومة التفكير لدى الأطفال، وأن الأقصى (عقيدة) وليس مجرد مسجد أو شعيرة إسلامية بل لابد من توضيح قدسية القضية ورسوخها كعقيدة إسلامية.