من المعلوم سلفاً أن #الأسرة المسلمة هي لبنة بناء المجتمعات الأولى، وأن تماسكها ومتانتها وقوة صلابتها من أهم عوامل بناء مجتمع صالح، فهي المحضن الأول، والبيت المؤسس لكل خير، فهو السكن والود ومنبع الألفة والحنان بين الزوجين، ولعلّ أبرز معاني تعظيم هذا الكيان قول ربنا: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم، الآية:21]، ونحن إذ نتحدث عن استقرار الأسرة، ونسلّط عليه الضوء، ذلك لما فيه صلاح للبلاد والعباد، وفي نفس الوقت سعياً أن يقف نزيف الطلاق الشديد القائم والمنتشر.
في بلادنا العربية والإسلامية مأساة حقيقية شديدة العواقب والتوابع السلبية على الجميع، وعليه فإن أهمية استقرار الأسرة يكمن في كونها المحصن التربوي الأول الذي يحمي ويربي ويحافظ على تنشئة صحيحة مثمرة، ثم إن الاستقرار الأسري من أهم أسباب الوئام، فلو كان البيت سمته العداء والكراهية، ستكون النتائج بلا شك مخزية ومحزنة، فالأمم لا تبنى على الكيد والبغضاء، بل على العلم والفهم والعمل والتنشئة القويمة التي يكون عمادها طاعة الزوجين وإخلاصهما لله عز وجل، وفهم رسالة التربية بالشكل الذي يوافق مراد الله ورسوله، والأخذ بكافة العلوم والأسباب التقنية الحديثة.
والسؤال الآن: كيف يستقر البيت المسلم؟ وماهي عوامل ذلك؟ والجواب: أن الاستقرار يكمن في عدة نقاط -أو إن شئت فقل واجبات- مقسمة على الزوجين:
أولاً- حسن العشرة:
وأعظم ما في هذه النقطة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لنسائهم) (رواه ابن ماجه وغيره)، فهي بمثابة نداء للزوج: إن الزوج النافع لبيته هو الذي يحسن معاملته لزوجته؛ لأن العلاقة دائمة وقائمة على المودة تارة، ووارد أن يحدث خلافات تارة أخرى، لذلك على الزوج أن يعي حجم دوره المبني على طاعة الله، وحفظ الميثاق الغليظ، بعيداً عن التنفير واستغلال القوامة بشكل لا يرضي الله ورسوله.
ثانياً- التعاون المنزلي المشترك:
إن الزواج ليس خدمات تعطى من الزوجة، ومهام تؤديها في المطبخ وتنظيف السكن، وتربية الأولاد، وإحضار الطعام -وإن كان هذا طبيعياً- لكن الأمور لا تستقيم بلا تعاون، خصوصاً في النوازل الصحية للزوجة، كألم النفاس والحمل مثلاً، فعندها لايستقيم العمل والمشقة، وعليه فالتعاون المنزلي هام جداً، ومن حسن العشرة والفهم معاً، فالزوج يخفف على زوجته من أعبائها المنزلية، المهم أن يكون هذا التعاون المثمر مقصده رضا الله تعالى، ولنا في رسول الله القدوة، فقد كان يساعد أهله ويعينهم، وقد سئلت أم المومنين عائشة رضي الله عنها عن فعل الرسول في بيته، فقالت: "كان بشراً يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه" (رواه أحمد وابن حبان)، وكذلك الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.
ثالثاً- حق الزوجة:
والمعنى هو حقها في العفاف والإشباع العاطفي، فهجران الفراش محرّم على الزوج في إسلامنا طالما ليس هناك مانع شرعي، ولامجال للتحجج حتى ولو بقيام الليل، ولنا في أبي الدرداء رضي الله عنه النموذج، فقد كان يقوم الليل كله، ويصوم الدهر، ويقرأ القرآن يومياً، فأرسل له النبي صلى الله عليه وسلم، ووجّهه بفهم المربي والزوج الصالح الملم بالحياة الأسرية والزوجية: أن يا أبا الدرداء، إن لزوجك عليك حقاً، وهي رسالة مباشرة بأن عفاف الزوجة من أهم واجبات زوجها، فهو الحلال الذي ارتضاه لنا ربنا، وهو السبيل الوحيد للعفة، والضمان لعدم الانحراف والزلل.
رابعاً- فهم القوامة:
القوامة ليست سيفاً مسلطاً في يد الزوج يستخدمه وفق أهوائه، فلا يجب أن يتعدى به الزوج على حقوق زوجته، وأيضاً لايجب أن يتركه الرجل، بل يستخدم القوامة باعتدال وفهم، فلا مجال للتفريط أو الإفراط، ومع الأسف الشديد، إن فهم القوامة أصبح نادراً في دنيانا -إلا ما رحم ربي- وما هول المشكلات الأسرية التي نتعرض لها يومياً بالشيء الهين، وعليه فعلى الزوج أن يعي أهمية القوامة في ترسيخ أعمدة البيت، وليس هدمها، كذلك على الزوجة أن تقدر لزوجها هذه القوامة، وتعمل على ترشيدها بالحوار والنقاش لا بإلاعراض والتجاهل للمتطلبات الأسرية.
خامساً- خيرهم الذي يبدأ بالسلام:
إن البيت المسلم لابدّ أن يتعرض لهزات تهدد استقراره، فلا يخلو بيت من المشكلات، لكن المهم أن لا يخلو من العقل والتعقل وحسن التصرف، وعليه فإن الخلافات طبيعية، لكن الذي يبادر بحلها هو الأكثر حرصاً على الاستقرار، لذلك فلا مجال للكبر والإعراض والوقوف عند الصغائر وتفخيمها، بل نزيل العقبات، ونبادر للصلح، بل والاعتذار، فهو شيمة الكبار، ولا مجال للحديث عن الكرامة في ذلك، فلا كرامة بين الزوجين طالما يأمر بمعصية، أو لا يقوم بدوره الإنفاقي في البيت، وهو نداء للجميع، أن الأسرة المسلمة هي عقد تشاركي يجري عليه ما يجري على ما دونه من مشكلات ونزاعات وتصاف وتصالح، المهم أن لا نترك النار تأكل الأثاث.
سادساً- الطاعة الجماعية:
ما أعظم أن يؤم الزوج زوجته في الصلاة -خصوصاً في النوافل- فتلك ضمانة لمزيد من الوئام والألفة والاستقرار، وهو أيضاً قمة في الفهم، فالذي يؤلف القلوب هو الله عز وجل، فالطاعة الجماعية توحد بوصلة القلب نحو الآخرين، فالمحراب له مفعول السحر، والدعاء هو مخ العبادة، والله عز وجل يتفضل على عباده بالرضا والقبول، فتثمر الحياة وتزول البغضاء، ويصبح السمت هو الحب والانسجام، ويظل كلمة السر هو المحراب.
ختاماً
الزواج مسؤولية كبيرة، وسفينة تسري في موج كالجبال من المشكلات والنزاعات، وتربص موجه لهدم البيت، وتحويله لملتقى للجفاء والحياة الجافة من المشاعر والحب، وأيضاً خالية من الطاعات، وعليه، فعلى الجميع أن يتقي الله في بيته وأسرته، ويسعى للأخذ بكافة وسائل الراحة والاستقرار إن أراد بذلك سعادة في الدارين.